بوركَ عَنْدَمٌ يمتدّ فيك

عبد الناصر صالح | فلسطين

ريحٌ تردّ إليّ عَنْدَمها

وتنبئني بميلاد الهوى العذريّ,

ترفلُ بالعصافيرِ التي عبرتْ

خطوط النارِ,

وارتجَلتْ قصيدةَ بعثنا

ريحٌ تردّ إليّ نبضَ الأرضِ,

تفتح فجوةً في ظلمة الغاباتِ

يَزْهو في النّدى شجر المحالْ.

ـ هل جاءَ حنّاءُ الأرائِك

هل سَرى في الأفق كوكبُنا,

وعادتْ للحُطام المُرِ

أعشابُ الكلامْ ؟

هل عادَ للتاريخ رمّانُ الصعودِ

وعادَ للوكر اليمامْ ؟

ريحٌ تردّ إليّ آخر ما تبقّى من لآلئنا

وأوّلَ ما تراءى من مُثارِ النقْعِ

في ساحاتنا,

وعلى سروجِ خيولنا البيضاءْ:

بيضٌ صنائعُنا

وسيوفُنا بيضاءُ,

قرصُ الشمسِ أبيضُ

ساحةُ الشهداءِ,

أحلام الطفولةِ

سوسنُ الفقراءِ أبيضُ,

عنفوانُ شروقنا

وسنابلُ العمرِ التي كَبُرتْ على دَمِنا,

غزالُ البحر أبيضُ

فامنحيني يقظتي يا ريحُ

والْتحِفي بياضَ جوانحي,

كلّ البلاد تجمّعت في قلبيَ المُلْتاعِ

كلّ مدائن الفرحِ المُسيّجِ بالرّدى

سَكَنَتْ شراييني.

* * *

شمسٌ وسنبلةٌ لأوجاعي,

أُسمّي الماءَ محرابَ النوارسِ

فرحةَ الّلبلابِ,

أسمَتْني البحارُ نَبيّها

فَملكْتُ طُهرَ الموجِ,

قلتُ: الآنَ أبدأُ في انبلاجِ الصُبحِ

والشّجرِ المُبَجّلِ والصّلاةِ,

أتيتُ يا وطني المُكبلَ

شاهراً دميَ المباحَ لهمْ,

وإرثَ الزّنبقِ المسروقِ

فاخلَعْ عنكَ ثوبَ الموتِ,

ها إني أتيتُ

مجدّداً عهد الجداولِ,

والأيائلِ

طينُكَ القُدسيّ مملكتي,

وماؤك سحرُ أنغامي

ورملُكَ فرحةُ العمرِ الذي يأتي مع الأمواجْ.

* * *

سأقولُ للرّيح التي عَبَرَتْ حدودَ مواسمي:

نَبْعُ اشتهائي أنتِ

موئلُ بهجتي,

وحصادُ أغنيتي

وذاكرتي التي استعصتْ على النّسيانِ,

بوحي بالسرائرِ

يَمحّي غَبَشٌ

وتقفزُ أمنياتٌ زادُها مِلْحُ التّرابْ.

* * *

سأقولُ للريحِ التي جاءتْ بتمرِ المُتعبينَ:

استوطِني ياقوتَ قلبي

باركي رملاً يُعانقُني,

سأدخلُ في تفاصيل البحارِ

أُعيدُ للأمواجِ زُخْرُفَها الوحيدَ

ومهرجانَ شُموخها

سأُعيد خارطةَ البلادِ,

إلى مدائنَ ضيّعتْ صَلْصالَها

وأُعيدُ للبدرِ المسافرِ يقظةَ الأيامِ

أكتبُ صحوتي:

تَتَآكل اللّغةُ القديمةُ

تَسْقطُ الألفاظُ من قاموسِها العَدَميّ

تهترىءُ الحروفُ المُتعباتُ

أمدّ وَجْهي للفراشاتِ التي دَخَلتْ

نوافذَ شَهْوَتي,

وألوّن الأبعادَ والكلماتِ والذّكرى

بلونِ سنابلِ القمحِ المُهرّبِ,

تلكَ أشْرعتي

وغاباتُ الصّهيلِ قصيدتي الأولى

* * *

الريحُ خاصرةُ الصّباحِ,

تعُجّ بالألحانِ والبُقعِ المُضيئةِ

أيّها الوطنُ الجميلُ,

تَبارَكتْ أسماؤكَ الحُسْنى

وبورِكَ عَنْدَمٌ يمتدُّ فيكْ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى