قبل وبعد جائحة ” كورونا” توقعات بتصاعد أسعار النفط
د. محمد رياض حمزة| خبير اقتصادي وإعلامي
تعرضت مالية الدول المنتجة للنفط الى خسائر كبيرة بسبب انهيار أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية منذ تفشي مرض “كورونا”. مما دعت حكوماتها لإعادة النظر في أولويات الإنفاق العام . ولعل الدول العربية المصدرة للنفط الخام من بين الدول الأكثر تضررا ، حتى أن من بين تدابير حكوماتها ترشيد الإنفاق الذي شمل تقليص رواتب العاملين في القطاع الحكومي هوى سعر برميل النفط الخام الأمريكي إلى ما دون “الصفر” دولار، ويتراوح بين “0” وسالب 1.43، في أقل مستوى له منذ بدء “نايمكس” بيع العقود الآجلة في عام 1983. و وصل سعر البرميل إلى 1.02 دولار يوم 20 نيسان 2020.كما تراجع سعر برميل نفط برنت القياسي العالمي إلى ما دون العشرين دولارا ، ليبلغ أدنى مستوياته منذ 18 عاما . وانخفض سعر عقد هذا النفط المرجعي في أوروبا إلى 18.10 دولار للبرميل وهو الأدنى منذ نحو عقدين، قبل أن يرتفع إلى 21.5 دولار، خلال التداولات المتقلبة.
بقي النفط الخام متراجعا مع افتتاح السوق الأمريكية يوم 5 أيار 2020 ليفقد أكثر من 5% متخليا عن أعلى مستوى فى أربعة أسابيع المسجل فى وقت سابق من تعاملات السوق الأسيوية ،بعدما أظهرت بيانات أولية لمعهد البترول الأمريكي ارتفاع مخزونات الخام التجارية فى الولايات المتحدة للأسبوع السادس على التوالي .فتراجع الخام الأمريكي بنسبة 5.5% إلى مستوي 26.08 دولارا للبرميل
وكان سعر البرميل قد ارتفع نحو 27 دولارًا للبرميل خلال تعاملات الأول من أيار حيث بدأت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها خفضًا قياسيًا في الإنتاج لمعالجة وفرة العرض التي تؤثر على السوق بسبب أزمة فيروسات التاجية.وارتفعت عقود خام(برنت الأوروبي القياسي ) مقتربة من م مستوى 32.20 دولار للبرميل مع توقعات بتواصل صعود الأسعار نحو 36 دولارا للبرميل يوم 5 أيار..
بدأت تخفيضات الإنتاج 9.7 مليون برميل يوميا من قبل منظمة( أوبك) وروسيا والمنتجين الآخرين ، المعروفة باسم أوبك + في مطلع أيار 2020 . ومع ذلك ، هناك شكوك في أن التخفيض ، وهو الأكبر المتفق عليه على الإطلاق ، سيكون كافياً لتوازن الأسواق.. وكان خام “برنت” القياسي العالمي قد انخفض بنحو 60 بالمئة خلال أشهر عام 2020 ووصل إلى أدنى مستوياته في 21 عاما شهر نيسان حيث ضغط جائحة “فيروس كورونا .
من المتوقع أن ينخفض الاختلال العالمي بين عرض النفط والطلب إلى 13.6 مليون برميل يوميًا في مايو الحالي . ووفقًا لتحليل شركة Rystad Energy ) المتخصصة بمتابعة أسواق النفط) فإن من المتوقع أيضا حدوث هبوط إضافي بمقدار 6.1 مليون برميل يوميًا في يونيو المقبل في تمويل التخزين العالمي . كما أن سوق النفط ليست ثابتة بطريقة سحرية”.ولا تزال مشكلة التخزين كبيرة ، حيث يمكن أن يترك مشترو النفط الخام الذي لا تتوفر لديهم صهاريج لتخزينه .
وعلى صعيد شركات النفط وحكومات الدول المنتجة في الشرق الأوسط التي يجب أن تتخذ قرارات مكلفة للغاية ولكنها ضرورية لتقليص الإنتاج وإعطاء السوق القدرة على التوازن. وإذا لم يتم إغلاق الإنتاج الكافي بحلول 19 أيار فلا يزال هناك احتمال لـ “كابوس آخر لانهيار سعر خام غرب تكساس الوسيط” والذي لا يستبعد تأثيره على نفوط العالم الاخرى.ومن المتوقع أن يكون أدنى سعر لبرميل النفط في وقت مبكر من شهر حزيران”. ولكن يكمن الخطر في تقافز أسعار النفط بوجود تراجع في المعروض في سوق ضيقة الإمدادات تواصلا لعام 2022 . وقد تتصاعد الأسعار لأعلى بكثير من مستويات ما قبل الأزمة . وسيتم تسهيل ذلك من خلال انتعاش الطلب فوق مستويات ما قبل Covid-19 في عام 2022 ، مع تواصل تخفيضات (أوبك وحلفائها ) وفقدان القدرة في تواصل الإنتاج من النفط الصخري في الولايات المتحدة “.( موقع RIGZONE)
لعل الغريب في موقف منتجي النفط الخام ومصدريه في منظمة (أوبك ) والآخرين عدم إدراك حقيقة أنهم قادرون فعلا على التحكم بسوق النفط العالمية ، والتصدي لتسيس تجارة النفط من خلال ضبط الإنتاج وفق المستوى الحدي للطلب . ولعلهم يتذكرون أزمة عام 1973 يوم أوقفت منظمة الدول العربية المصدرة للنفط ( أوابك ) إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة وعدد من البلدان الأخرى. وتقافز سعر البرميل من 3 دولارات إلى 75 دولارا خلال اقل من اسبوع . غير ناسين أعلى سعر سجل للنفط عندما غزت القوات الأمريكية العراق عام 2003 وظهرت شكوك تتعلق بحجم الإمدادات، وازداد الأمر تعقيدا مع النمو الهائل في الطلب من قِبل آسيا والصين، ونتيجة إلى ذلك قفزت الأسعار من 28.38 دولارا للبرميل في تموز سنة 2000، إلى 146.02 دولارا في تموز سنة 2008.
ولابد من التذكير بأن الولايات المتحدة الأمريكية تبقى بحاجة لمزيد من النفط الخام فحسب أحدث إحصائية نشرت على موقع eia ) ــ إدارة الطاقة الأمريكي ) حتى نهاية عام 2018 : “استوردت الولايات المتحدة حوالي 9.94 مليون برميل يوميًا من النفط من 90 دولة. تشمل النفط الخام ، سوائل غاز الهيدروكربون ، المنتجات البترولية المكررة مثل البنزين ووقود الديزل ، والوقود الحيوي بما في ذلك الإيثانول والديزل الحيوي. شكل النفط الخام حوالي 78 ٪ من إجمالي واردات الولايات المتحدة من النفط في عام 2018 ، وشكل النفط غير الخام حوالي 22 ٪ من إجمالي واردات البترول. وفي عام 2018 ، استهلكت الولايات المتحدة حوالي 20.5 مليون برميل من النفط يوميًا ، أو ما مجموعه حوالي 7.5 مليار برميل من المنتجات البترولية.” فإنتاج النفط الخام الأمريكي والمستورد منه واستهلاك مشتقاته واقع لا يزال قائما في مطلع عام 2020. يؤكد حاجة الولايات المتحدة للنفط المستورد .
كل ما يجب على أوبك والمنتجين الأخرين مواصلة خفض الانتاج بنسب أكبر تواليا ليتصاعد الطلب وتختفي المعروض الفائض ليتحقق السعر الذي يرضي المنتجين والمستهلكين.