في ذكرى ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم

خالد رمضان | كاتب تربوي مصري
ما كانت ذكرى ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم تمر مرور الكرام دون أن نقتبس من نوره، وأن ننهل من معينه الذي لا ينضب.. يا سيد الكونين، يا خير الثقلين، يا نور الهدى، وبدر الدجى، يا من أمطرت سحائب بصيرته بردا وسلاما على أمته، يا من تفتق بمولده نورٌ عمّ السموات والأرض، فأضاء الدنيا بعد ظلامها، ومحا منها دياجير العربدة بعد انتشارها، كنت النسيم العليل الذي تنفسناه، والماء الفرات الذي ارتويناه، يا من أرسلك ربك رحمة للعالمين، وصراطا مستقيما للضالين الشاردين.. لقد صدق فيك قول حسان بن ثابت:

أجمل منك لم تر قطُّ عيني
وأفضل منك لم تلد النساء

===
خُلقتَ مبرّأً من كل عيب
كأنك قد خُلقتَ كما تشاء

لقد حُزتَ يا سيدي يا رسول الله صفاتِ الكمال، والجمال فتألمتَ، وعانيتَ، وقُذفتَ، وسُببتَ، واتُّهمتَ، وطُردتَ، وسلطوا سفهاءهم، وصبيانهم عليك فألقوك بالحجارة حتى سالت دماؤك الشريفة على قدميك، فما سخطت، ولا سئمتَ، ولا نقمتَ، ولا دعوتَ، بل سامحت، وغفرت، وتنازلت، وأكرمت.. وكما قال شوقي:

فإذا رحمتَ فأنت أمٌّ أو أبٌ
هذان في الدنيا هما الرحماءُ

===
وإذا سخوتَ بلغتَ بالجود المدى
وفعلت ما لا تفعل الأنواءُ

لقد حاولوا إنزالك فرفعوك، وأرادوا تشويهك فزينوك، وتمنوا محو اسمك، ورسمك فخلدوك.. حبيبي يا رسول الله، كيف بك وقد دخل عليك صديقك الفاروق، فوجدك نائما على حصيرٍ بالٍ، وقد علّم الحصير على جسدك الشريف، فبكى وقال: رسول الله ينام على الحصير، وملوك قصرى، وقيصر في الديباج والحرير.

والله ما خلق الإله وما برى
بشرا يُرى كمحمد بين الورى

أيُ حياة هذه التي مُلئت بالتعب، والنصب، فما شبع النبي صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير قطُّ، وما اجتمع على مائدته طعامان وهو رسول الله.
وعن تواضعه حدث ملء السمع والبصر وافتخر، فقد كان يخالط الناس، ويجلس معهم ، بل في غزوة الخندق كان يحفر معهم، وكأنه أحد أفراد الجيش، فخلع عباءة القيادة والزعامة والرئاسة، فلا كبرياء ولا خُيلاء، ولا غضاضة، ولا امتعاض.

يا أيها المكتوب في أعماقنا
أنت الكتاب وكلنا قراءُ

===
ستظل في كل القلوب محمدا
الصمت فيكم والكلام سواءُ

أيُّ الٱم هذي التي عاينتها! وأيُّ أوجاعٍ هذي التي قاسيتها! تموتُ زوجك، ورفيقة دربك، ويرحل عمُّك سندك وعضدك، فتضيق نفسك، ويزيد كربُك، ويُقتلُ حمزةُ بين يديك، فيحترق فؤادُك، وتلتهبُ نيران أحشائك حزنا وهمّا، فكأنك يا حبيبي الجبلُ الأشم مناطحا قمم السحاب، تعصف به الريح الصرصرُ فلا ينالُه خوارها، ولا يضيره صفيرها، وحينما حمي وطيس المعركة، وتطاير عجاجها، حتى فرّ عنك الجنود، يوم أُحد، ويوم حنين، تقف كالأسد الجسور، لا متوانيا، ولا متحاشيا، ولا موليا مدبرا، وتصرخ في أعدائك وتقول:
أنا النبي لا كذب .. أنا ابن عبد المطلب.
حتى أبناؤك رحلوا، وتركوك، بعد رحيل أمك وأبيك، فما شكوت، ولا تضجرتَ، بل صبرت، واحتسبت، فكنت المثل الأعلى، والنور الأسنى.. يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:

يا جاهلين عن الهادي ودعوته
هل تجهلون مكان الصادق العَلَم

===
لقبتموه أمين الوحي في صِغرٍ
فما الأمينُ على قولٍ بمتَّهمِ

===
يارب صلّ وسلم على
نزيلِ عرشك خير الرسل كلهم

===
يارب أحسنت بدء المسلمين به
فتمم الفضل وامنح حسن مختتمِ

وإذا تحدثنا عن الصفح، والعفو، والكرم، والعطاء، والبذل، والتضحية، والسماحة، والشجاعة، والإخلاص، والوفاء، فلن تسعنا الصفحات، ولن تسعفنا الساعات.. هذا غيضٌ من فيض، وقليل من كثير نهديها لنور أبصارنا، وروح أجسادنا حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذكرى ميلاده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى