موجب كورونا: أين وكيف؟!

أ.د. فيصل رضوان | جامعة سوهاج- المعهد القومي للمحيطات بالولايات المتحدة الأمريكية

الحقائق تقول أن معظم الناس يصابون بالعدوى في منازلهم. حيث يُصاب أحد أفراد الأسرة بالفيروس من المجتمع الخارجي ، ثم ينقله إلى المنزل حيث توجد كل اجواء الإتصال المستمر والمخالطة بين أفراد الأسرة . وهنا تحدث الإصابات!.
 
وهنا يأتى السؤال المهم؛ أين يصاب الناس بالعدوى في المجتمع المحيط؟ نسمع عن قلق الأشخاص بشأن متاجر البقالة والأسواق، والتجول بالشوارع بغرض رياضى أو نزهة بسيطة وخلافه، وخصوصا بدون أقنعة …. هل هذه الأماكن والأنشطة مثيرة حقا للقلق؟ حسنًا ، ليس حقًا. دعنا نرى الأسباب.
 
من أجل الإصابة بالعدوى المحققة ، تحتاج إلى التعرض لجرعة معدية من الفيروس ؛ استنادًا إلى دراسات الجرعات المعدية مع الفيروسات التاجية الأخرى ، يبدو أنه قد نحتاج لجرعات صغيرة من كوفيد-19 حتى نصبح مرضى. يقدر بعض الخبراء أن ما لا يقل عن 1000 من الجسيمات الفيروسية المعدية لـ SARS-CoV-2 مطلوبة لتأدية الغرض. وحتى تتم دراسة تجريبة أفضل فى المستقبل ، فإنه يمكننا الان إستخدام هذا الرقم لتوضيح كيفية حدوث العدوى.

يمكن أن تحدث العدوى (إصابة جديدة) ، من خلال 1000 جسيمات فيروسية معدية تتلقها في شهقة نَفَس واحدة أو من فركة عين واحدة، أو 100 جسيمات فيروسية يتم استنشاقها مع كل نَفَس يزيد عن 10 أنفاس ، أو 10 جسيمات فيروسية مع 100 نَفَس. كل من هذه الحسابات تؤدي إلى عدوى.

حتى نعرف الاحتمالية للإصابة، نطرح هذا السؤال؛ ما ههى كمية الفيروس الذي يتم إطلاقها في البيئة؟
 
دورات المياه: تحتوي الحمامات على الكثير من الأسطح كثيفة اللمس ومقابض الأبواب والحنفيات الخ. لذا يمكن أن تكون مخاطر التلوث في هذه الأماكن عالية. ما زلنا لا نعرف ما إذا كان الشخص المصاب يمكن يطلق فيروس معدى في البراز أو مجرد فيروس مجزأ ، ولكننا نعلم أن شد السيفون يتسبب في رش الكثير من القُطّيرات التى يحملها الهواء، والأصغر حجمًا منها يعلق بالجو لمدة أطول ويسمى بالايروسول.
 
السعال: يطلق السعال الفردي حوالي 3000 قطرة تسافر فى الهواء بسرعة 80 كم في الساعة. معظم القُطّيرات كبيرة الحجم تسقط بسرعة (الجاذبية) ، بينما الايروسول يمكنه السفر عبر الغرفة كلها في بضع ثوانٍ.

العطاس: يعطس الفرد حوالي 30,000 قطرة صغيرة الحجم هنا ، حيث تسير بسرعة هائلة، تصل إلى 300 كم في الساعة. معظم القُطّيرات صغيرة الحجم تقطع مسافات كبيرة قبل ان تتساقط، ويعم الايروسول ارجاء المكان.

إذا كان الشخص مصابًا ، فقد تحتوي القطيرات في السعال أو العطس على ما يصل إلى 200,000,000 (مائتي مليون) جزيئات فيروس نشط يمكن أن تنتشر جميعها في البيئة المحيطة.
 
الزفير : زفرة نَفَس واحدة تطلق 50 – 5,000 قطيرة فى الهواء. وجد أن معظم هذه القُطّيرات منخفضة السرعة وتسقط على الأرض بسرعة. وجد أن هناك قُطّيرات أقل تخرج خلال التنفس بالأنف. والأهم من ذلك ، وبسبب أن قوة الزفير ضعيفة اثناء التنفس ،ربما لا يتم طرد للجسيمات الفيروسية من المناطق التنفسية السفلية والرئتين.
 
على عكس العطس والسعال الذي يطلق كميات هائلة من المواد الفيروسية ، تحتوي قطيرات الجهاز التنفسي التي يتم إطلاقها من التنفس على مستويات منخفضة من الفيروس . ليس لدينا رقم خاص لكمية كوفيد- 19 حتى الآن ، ولكن يمكننا إستخدام فيروس الإنفلونزا كدليل.

أظهرت الدراسات أن الشخص المصاب بالأنفلونزا يمكنه إطلاق ما يصل إلى 33 جسيمًا فيروسيًا معديًا في الدقيقة خلال النَفَس. لكننا سوف نستخدم 20، لتبسيط الحساب.

يجب علينا أن نتذكر المعادلة الآتية لنجاح الإصابة :
نجاح العدوى =
التعرض للفيروس X الوقت
Successful Infection =
Exposure to Virus X Time

إذا قام شخص بالسعال أو العطس ، فإن 200,000,000 من الجسيمات الفيروسية تذهب إلى كل مكان . بعض الفيروسات معلقة في الهواء (الايروسول)، وبعضها يقع في الأسطح ، ومعظمها يقع على الأرض. لذلك إذا كنت تتحدث وجهًا لوجه مع شخص ما ، وتجري محادثة ، وهذا الشخص يعطس أو يسعل مباشرة دون حاجز، فمن السهل جدًا معرفة كيف يمكن استنشاق 1000 جزيء فيروس وتصبح مصاب!.
 
ولكن حتى إذا لم يكن هذا السعال أو العطس موجهًا إليك ، فإن الايروسول المُحمل بالميكروب يظل في الهواء لبضع دقائق ، حيث يلوث هواء غرفة متواضعة الحجم بجزيئات فيروسية معدية. وهنا كل ما عليك فعله هو دخول تلك الغرفة في غضون بضع دقائق من السعال / العطس وأخذ أنفاس قليلة كافية جدا للإصابة.

ولكن مع التنفس العام فقط دون حديث ، فإن 20 من الجسيمات الفيروسية يزفرها المريض (أو حامل المرض) لكل دقيقة أمر ضعيف لإحداث إصابة. حتى لو انتهى كل فيروس منها فى رئتيك (وهو أمر مستبعد تماما) ، سوف تحتاج إلى 1000 جسيم فيروسي مقسومًا على 20 في الدقيقة = 50 دقيقة من الجلوس وجها لوجه حتى يمكن إصابتك.
 
يزيد التحدث من إفراز قُطّيرات من الجهاز التنفسي حوالي 10 أضعاف ؛ ~ 200 جسيم فيروسى في الدقيقة. ومرة أخرى ، بافتراض استنشاق كل فيروس ، سوف يستغرق الأمر حوالي 5 دقائق من التحدث وجهًا لوجه لتلقي الجرعة المطلوبة.

هنا ندرك أهمية المكان، وكذا مدة الاتصال وكيفيتها حتى يتثنى لنا قياس وتتبع خطورة المخالطة مع مريض. وعموما هناك إمكانية متبادلة للعدوى اذا تواجدت مع شخص أكثر من 10 دقائق في موقف وجها لوجه. ومن المحتمل تبادل العدوى مع شخص يشاركك مساحة المكتب او الغرفة لفترة طويلة.
 
لذا من المهم للغاية للأشخاص الذين يعانون من أعراض المرض البقاء في المنزل. ونلاحظ أن العطس والسعال، غاية فى الخطورة، حيث يطردان الكثير من الفيروسات بحيث يمكن أن تصيب غرفة كاملة من الناس.

 ما هو دور الأشخاص حاملو المرض بدون أعراض في نشر الفيروس؟

الأشخاص المصابون بأعراض هم ليسوا الطريقة الوحيدة لإلقاء الفيروس فى البيئة المحيطة. نحن نعلم أن ما لا يقل عن 44٪ من جميع حالات العدوى المحققة— ومعظم حالات انتقال العدوى فى المجتمع – تحدث من أشخاص دون أي أعراض (الأشخاص الذين لا يعانون من الأعراض)، كما انه يمكنك تلويث البيئة بالفيروس مدة تصل إلى 5 أيام قبل أن تبدأ الأعراض.

 والأشخاص المُعديون من جميع الأعمار ، ويلقون جميعًا كميات مختلفة من الفيروس فى أماكن مختلفة أيضا.
كما أن الحمل الفيروسي ( أعداد الفيروس داخل الجسم) تتراكم بشكل كبير، إلى النقطة التي يصبح فيها الشخص يعاني من الأعراض. لذا قبل ظهور الأعراض مباشرةً ، فأنت تطلق معظم الفيروسات في البيئة.

تقييم خطر حدوث العدوى

المساحات الداخلية المحدودة ، مع نقص التهوية او إعادة تدوير الهواء، وتواجد الكثير من الناس ، تثير القلق كنافذة مثلى لانتقال العدوى. نفس الموقف نجده داخل المطاعم والمقاهى والمتاجر. ونلاحظ انه لا يتم تطبيق جيد لإرشادات المباعدة الاجتماعية في الأماكن الداخلية، حيث نقضي الكثير من الوقت ، حيث بمرور الوقت وتراشق الفيروس بالمكان، فإنه يُحتمل إصابة الأشخاص على الجانب الآخر من الغرفة.

المبدأ هو التعرض الفيروسي على مدى فترة طويلة من الزمن. في جميع هذه الحالات ، تعرض الناس للفيروس في الهواء لفترة طويلة، حتى لو كانوا على بعد، ولكن مع جرعة منخفضة من الفيروس في الهواء الذي يصل إليهم ، كافية للتسبب في الإصابة وفي بعض الحالات ، الموت.
 
لذا نجد أن الالتزام بقواعد المباعدة الاجتماعية هي حقًا لحمايتك من خلال التعرض لفترة وجيزة أو التعرض في الهواء الطلق. في هذه الحالات ، لا يوجد وقت كافٍ ليتحقق الحمل الفيروسي المعدي وأنت تقف على بعد 6 اقدام اثناء تقضية مصالحك، أو تقف فى الهواء الطلق، حيث تقلل الرياح والمساحة الخارجية اللامتناهية من محصلة الحمل الفيروسي. وأيضا تعمل أشعة الشمس والحرارة والرطوبة على الحد من مخاطر الفيروس.

عند تقييم خطر العدوى (عن طريق التنفس مثلا) في محل البقالة أو المركز التجاري ، نحتاج إلى النظر في حجم المجال الجوي (نفترض كبير جدًا) ، وعدد الأشخاص (محدود) ، ومدة قضاء الأشخاص في المتجر (العمال – طوال اليوم ، العملاء – ساعة واحدة). إذا تم أخذ هذه الاعتبارات معًا ، بالنسبة إلى الشخص الذي يتسوّق: وهو زبائن اقل، وحجم الهواء اكبر ، إلى جانب وقت اقل تقضيه في المتجر —فإن فرصة الحصول على جرعة فيروسية معدية منخفضة. ولكن على النقيض، بالنسبة لعمال المتجر، حيث أن الوقت الذي يقضونه في المتجر يوفر فرصة أكبر لتلقي الجرعة المعدية، وبالتالي تصبح الوظيفة أكثر خطورة.

ومع استعداد عالمى وظهور بوادر ونوايا حقيقية لتخفيف عمليات الإغلاق والحجر، وإمكانية الرجوع للعمل خلال الأسابيع القادمة ، ربما نبدأ في مغامرة مؤكدة، وينبغي علينا النظر إلى البيئة المحيطة وإصدار بعض الأحكام المناسبة. يلزمك حساب عدد الأشخاص الموجودين معك بالعمل ، وحجم تدفق الهواء حولك ، وكم ستبقى في هذه البيئة يومياً. إذا كنت في وظيفة تتطلب التحدث وجهًا لوجه، فأنت بحاجة إلى تقييم أكبر للمخاطر ومحاولة خلق السبل للتغلب عليها

Xe He et al.: Temporal dynamics in viral shedding and transmissibility of COVID-19. Nature Medicine

https://www.nature.com/articles/s41591-020-0869-5

expert reaction to questions about COVID-19 and viral load, SMC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى