جهاز المناعة السلوكي والأمراض المعدية

أ.د. فيصل رضوان أستاذ وباحث التكنولوجيا الحيوية والسموم البحرية- جامعة سوهاج مصر والمعهد القوم للمحيطات الولايات المتحدة الأمريكي
 
المرض شئ مكلف من الناحية الفسيولوجية للجسم. على سبيل المثال، ارتفاع درجة حرارة الجسم أثناء الحمى ضروري لحدوث استجابة مناعية فعالة – ولكن هذا يؤدي إلى زيادة استهلاك الطاقة في الجسم بنسبة 13٪. ولكن عندما كان الطعام شحيحًا فى بداية التطور البشرى ، كان ذلك بمثابة عبأ كبير. لذا أصبحت الحاجة ملحة الى آليات جديدة للتقليل من خطر العدوى في المقام الأول، تفرد بها الأنسان وأعطته ميزة بقاء واضحة بين الأحياء. لهذا السبب، قام الإنسان بتطوير مجموعة من الاستجابات النفسية اللاواعية – والتي أطلق عليها “جهاز المناعة السلوكي” – لتكون بمثابة خط الدفاع الأول لتقليل الاتصال مع مسببات الأمراض المحتملة.
 
تعد استجابة الاشمئزاز واحدة من أكثر مكونات نظام المناعة السلوكية وضوحًا. عندما نتجنب أشياء ذات رائحة كريهة أو طعام نعتقد أنه قذر أو ملوث، فإننا نحاول بشكل غريزي الابتعاد عن العدوى المحتملة. ربما مجرد شكوك بأننا قد أكلنا بالفعل شيئًا فاسدًا يمكن أن يقودنا إلى القيء، وطرد الطعام قبل أن تتاح للعدوى الفرصة لإحداث المرض. تشير الأبحاث إلى أننا نميل أيضًا إلى تذكر المواد التي تسبب الاشمئزاز بقوة أكبر ، مما يسمح لنا بتذكر (وتجنب) المواقف التي قد تعرضنا لخطر الإصابة في وقت لاحق.
 
ونظرًا لأن البشر مخلوقات اجتماعية تطورت لتعيش في مجموعات كبيرة، فقد قام نظام المناعة السلوكي أيضًا بتعديل تفاعلاتنا مع الناس لتقليل انتشار الأمراض المعدية ، مما أدى بشكل تلقائي إلى نوع من التباعد الاجتماعي الغريزي. ربما كانت هذه الاستجابات فجة تمامًا، لأن أسلافنا لم يكن لديهم أي دراية للأسباب المحددة لكل مرض أو بالطريقة التي يتم نقلها. ولكن غالبا ما يعمل جهاز المناعة السلوكي وفقًا لأنانية مفرطة ومنطق مغزاه ” better safe than sorry”. وهذا يعني أن ردود افعالنا غالبًا ما تكون في غير محلها فى أحوال عديدة ، حيث يتم تغذيتها بمعلومات غير ذات صلة – مما يغير عملية صنع القرار الأخلاقي لدينا، وكذلك آراءنا السياسية بشأن القضايا التي لا علاقة لها بالموضوع المطروح.
 
وقد يظهر لدينا شعور تلقائي بالتحامل والتحيز ضد الآخرين، بناءً على السمات الجسدية والمظهر الخارجي : نتفاعل سلبًا مع لون بشرة ما، أو وجوه ليست تشبهنا كما نظنها ؛ نتجنب الجلوس بجانب البدناء أو ذوى العاهات والمعاقين. ربما نحن البشر، فى الغالب، نفضل المألوف على الغريب. ولكن؛ إذا سألتك عن سبب وجود هذه الأحكام المسبقة؟ وما الذي يمكن للمرء فعله للقضاء عليها؟ فربما لا يصح ان تتضمن إجابتك عبارة أن هؤلاء بالنسبة لك “مرض معدي” يهدد بقائك. نعم هذه هى حقيقة الأمر، كما طورها الأسلاف من الجنس البشرى كوسيلة نجاة، وأصبحت جزء من سلوكنا المناعى الخام.
 
فعندما نصدر حكما أو رأى، وجب علينا أن نتساءل عما إذا كانت أفكارنا حقًا نابعة من تفكير عقلاني ، أو ما إذا كان قد تم تشكيلها من خلال استجابة قديمة تطورت عبر آلاف السنين قبل اكتشاف نظرية الجراثيم.
 
لمزيد من المعلومات:
D Murray et al.: Chapter Two – The Behavioral Immune System: Implications for Social Cognition, Social Interaction, and Social Influence
 
B Wu et al.: The social impact of pathogen threat: How disease salience influences conformity. Personality and Individual Differences.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى