د. عبد العزيز المقالح يقرأ “حفنة من شمس”

أ.د/ عبد العزيز المقالح| كلية الآداب – جامعة صنعاء

لن أكرر السؤال الذي أطلقه في منتصف الستينات من القرن الماضي الناقد الكبير محمود أمين العالِم وهو: لماذا كل هذا الحزن في قصائد شعرائنا؟ وذلك لأنني أدرك الإجابة الصحيحة على ذلك السؤال القديم وأعلم السبب أو بالأحرى الأسباب التي تدعو الشعراء في هذه المرحلة إلى الحزن، والحزن العميق. ربما كان مع الأستاذ العالِم بعض الحق عندما ألقى بسؤاله على الساحة الأدبية في ذلك الزمن الذي كان جميلا وواعداً، كان السد العالي – كما قال – يُبنى والأمة العربية تحاصر دويلة الكيان الصهيوني من جميع الجهات وتستعد للانقضاض عليها، ولم يكن هذا الكيان الإرهابي قد توسع وامتدت أقدامه الإخطبوطية إلى أوسع مما كان خياله المريض يحلم.

أما الآن فقد صار الحزنُ واجباً إن لم يكن قد أصبح فرضاً يومياً يؤديه الإنسان العربي هكذا يقول لي، ويقول للقراء أيضاً ديوان الشاعر الشاب  إبراهيم الهمداني، هذا المبدع الذي امتدت موهبته إلى الشمس في لحظات تجلٍ نادرة لتأخذ من قبسها حفنةً من ضوء الكلمات وتضعها بمحبة وإخلاص بين يدي الشعر والقارئ معاً، وكانت هذه الحفنة مغمورة بأشعة الحزن وغيمات الحنين:

 

الساعةُ الأحزان

والقلق المبعثر

بعد منتصف الحنين

عقاربٌ تشكو بطالتها

وتشهقُ بالتوقف

إن تعمدها خيالٌ بانحناءْ

تبكي العناق:

الوقتُ منتظرٌ

لتتلوه التعاويذُ القديمة

والفراغْ.

لقد صار الوقت حزناً، وعقاربه تشكو البطالة والفراغ، وما في هذا التعبير الشعري البديع من إسقاط رمزي على واقع إنسان اليوم بكل ما تمتلئ به حياته البائسة من مكابدات وأوجاع، وما لا تزال تحفل به من أحلام محكوم عليها بالضمور:

 

أبكي وكل شواطئي مصلوبةٌ

                   حولي، وكل خرائطي استفهامُ

ماذا؟ لماذا يا غرام صنعتني

                    شفقاً ..؟ أيبدأ بالمسير ختامُ؟

 

أسئلة حارقة ومؤرِّقة لا سيما حين تصدر من شاب في مقتبل العمر، شاب يرى شفق المغيب قبل أن يتمتع بشفق الصباح، ويدرك ختام الرحلة قبل أن تبدأ.

   والحق أن الشاعر إبراهيم الهمداني لم يفاجئني بديوانه الأول، فقد كان من بين أبرز طلاب الجامعة الذين يكتبون شعراً ويحتلون المراتب الأولى في التقييم. كما عرفته عن قرب في السنة التمهيدية للماجستير. واكتشفت أنه بالإضافة إلى كونه شاعراً مبدعاً مشروع ناقد جدير بلفت الانتباه من خلال أبحاثه ودراساته التي تُنبئُ عن باحث يمتلك آليات البحث وإمكاناته، وقادر على استيعاب الطرق المتعددة لمعطيات تناول النص الأدبي شعراً كان أو قصة أو رواية، وبوصفه شاعراً أداته اللغة، فهو في نقده يركز على دور اللغة وأهميتها في بناء النص الإبداعي بمستوياته الوظيفية والجمالية. وأشعر وأنا أقدم هذا الشاعر الموهوب في بداياته أن عليّ أن أشير إلى أنني أقدم في الوقت نفسه ناقداً وصل إلى كثير من القراء بنقده قبل أن يصل إليهم بشعره.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى