نص ولوحة: مقاطع من قصة رحلة في الذّاكرة

نزهة الرملاوي | فلسطين المحتلة – اللوحة للفنانة منال ديب

انتهت الحرب في ستّة أيام، حرب سريعة جدا، ونتائجها المذهلة ما زالت ماثلة أمام عيوننا، نكبر وتكبر معنا، صبيّة تتحدّى شيخوختنا!!

بعد أيام من الإنكسار وتذوق مرارة الهزيمة، رُفعت رايات السواد على هامات العروبة، ودقت طبول الحسرة والذهول حول احتضار النّصر في شوارع المدينة، وراحت النساء تنتحب وتولول وتلطم خدودها المصبوغة بالسّواد، وتودّع رجالها المقتادين إلى خارج الأسوار، حيث انتهى بهم الاقتياد في ساحات الحرم الشّريف، وبعضهم اقتاده العدو حتى وصل به إلى حيّ راس العامود، كانوا معصوبي الأعين، وبعد التحقيق معهم، عادوا إلى بيوتهم، بعد أن توارت الشمس عن أعين المدينة.

ظلت الخطوات ثابتة متحديّة كلّ مجهول قد يواجه طريق العودة، حتى اهتدت إلى خربة أو بيت مهجور، وجد الآملون ضالتهم فيه، جرار ماء متروكًا هناك، بدأوا بتفحصه، شاهدوا بعدما بدأوا بشرب الماء من فوهات الجرار ما لم يكن بالحسبان؛ ديدانًا تسبح في الجرار الباكي على من تركوه وغابوا، بعد أن هُجّروا من بيوتهم مجبرين. لقد فُتحت المعابر للهروب والنزوح، وأغلقت في وجه العائدين بعد أيام قليلة من الحرب والتدمير واحتلال ما تبقى من أمكنة وأحلام لم تعد قائمة إلا في ذاكرة الرّاحلين والمهجّرين.

واصل المتعَبون المسير أميالًا وأميالًا، وانتهت بهم المسافات في بيوت الأغراب.

عشاق المدينة (١٣)

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى