وباء كورونا ونظرتنا للواقع

أ.د. / رأفت عبد الباسط محمد قابيل | أستاذ علم النفس الاكلينيكي بكلية الآداب بجامعة سوهاج – مصر

للآسف لقد أصبحت التعاسة والحزن اليوم هي المظهر السائد على وجوه الكثير منا، وأصبح هو القاعدة العامة، وأصبحت السعادة هي الاستثناء حيث لا نراها إلا نادراً في وجوه الناس. 

ولكن يا ترى ما السبب الرئيس لتلك التعاسة التي تبدو واضحة على الوجوه؟

أعتقد أن السبب الرئيس لتلك التعاسة التي البادية في وجوه الناس هو الوضع، واللحظة التي نعيشها اليوم بسبب انتشار وباء كورونا الذي أصبح يشكل خطراً يهدد حياة الناس، وكان سبباً في فقد الكثير من الأحباب.

الأمر الذي أدخل الخوف والرعب في نفوس الكثيرين منا، مما أفقدهم الشعور بالسعادة، وجعلهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام والخضوع لهذا الواقع المرير الذي من شأنه أن يجعلنا تعساء غير مستمتعين بحياتنا، وإما مواجهة هذا الواقع، والتحرك لتغييره، وإخراج أنفسنا منه سعياً وأملاً في تحقيق السعادة، والتحرر من تلك التعاسة، والاستمتاع بحياتنا.

ولا شك أن مواجهة الواقع الذي نعيش فيه بدلاً من اختلاق القصص غير الحقيقية، المبالغ فيها عن هذا الواقع هو الحل الوحيد في التخلص والتحرر من تلك التعاسة التي تبدو واضحة على وجوه الغالبية من الناس.

ولكن كيف يمكننا فعل هذا؟ كيف نستطيع مواجهة هذا الواقع المرير؟ وكيف نتعايش معه، ونتكيف معه في محاولة لتغييره بما يحقق السعادة لأنفسنا؟ 

علينا بداية أن ندرك حقيقة أن السبب الرئيس لتعاستنا وحزننا ليس مطلقا الوضع أو الواقع الذي نعيش فيه اليوم، وإنما السبب يكمن في تقيمنا وتصوراتنا وأفكارنا المشوه، والمبالغ فيها لهذا الواقع، والتي من شأنها أن تكسبنا نظرة سلبية لحاضرنا ومستقبلنا وتجعلنا نرى المستقبل وكأنه ملئ بالكوارث والمصائب والمشكلات، مما يدعم ويعزز من شعورنا بالخوف، ويزيد من كتلة الألم بداخلنا. 

وبناءً عليه يجب علينا أن نفصل بين واقعنا وأفكارنا وتصوراتنا ونظرتنا السلبية المبالغ فيها لهذا الواقع حتى نستطيع أن نواجه هذا الواقع، ونتعامل معه بشجاعة وقوة، وخاصة وأن المبالغة في تقييم واقعنا، وما فيه من مخاطر وتهديدات على حياتنا يكون عادة مصحوب دائماً بالمبالغة في التقليل والتهوين من قدراتنا على مواجهة هذا الواقع، الأمر الذي يفقدنا الأمل والقدرة على التغيير مما يجعلنا أكثر ميلاً إلى الاستسلام أو الهروب من هذا الواقع بدلاً من مواجهته، أو البحث عن حلول تكيفية لمعالجة هذا الواقع، وتغييره بالشكل الذي يحقق السعادة لنا ولغيرنا.

وفي ضوء واعينا وإدراكنا بحقيقة أن تَقيمنا ونظرتنا وأفكارنا وتصورتنا السلبية المشوه لهذا الواقع قد يفقدنا القدرة على مواجهة هذا الواقع، نكون أكثر جاهزية لمواجهته بشجاعة وقوة، وهذا هو المطلوب، ويعد الأساس الذي يضمن لنا فاعلية ونجاح ما نقوم به من إجراءات احترازية لمواجهة هذا المرض اللعين الذي ساهم في تشكيل واقعنا، وجعله في أعيننا واقع يجلب التعاسة والحزن لنا.

إن أحد مهامنا الرئيسة التي تساعدنا على مواجهة ما نحن فيه هو تصحيح أفكارنا وتصوراتنا الخاطئة والمشوهة لواقعنا، ووضعنا الحالي، وأن نكون أكثر فضولاً بشأن تلك الأفكار الخاطئة، فنحاول استكشافها، وتحديدها، والتعرف عليها، وتأملها جيداً، ودحضها، وفي حالة كونها غير منطقية، وغير عقلانية، علينا إذن التخلص منها في أسرع وقت، فوجودها يؤثر فينا سلباً دون أن نشعر، ويفقدنا القدرة على مواجهة واقعنا.

وعلينا أيضا أن نضع لنفسنا أسوء سيناريو وهو إصابتنا بالمرض، ومن ثم التعرض للموت لا قدر الله، فهذا التصور يجعلنا أكثر قوة وشجاعة في مواجهة هذا الفيروس عندما يهاجمنا، ويحاول غزو أجسادنا، لأننا نكون قد هيئنا أنفسنا لهذه اللحظة دون خوف، وإنما بإيمان حقيقي بالقدر ( خيره وشره )، فهذا من شأنه أن يساعدنا في السيطرة على خوفنا، والتحكم فيه، وما يترتب عن هذا من تقوية جهاز مناعتنا مما يجعلنا أكثر قدرة على مواجهة ومقاومة هذا الفيروس، وخاصة وأن الله كتبَ مقاديرَ الخلائقِ قبلَ أن يخلقَ السّماوات، والأرضَ بخمسين ألف سنة.

    وحتى لو أصابنا هذا الفيروس، واستطاع غزو أجسادنا بالفعل – لا قدر الله –فلا داعي أن نقول: لو أننا فعلنا.. كان كذا وكذا، ولكن علينا أن نقول: قدَّرَ اللهُ وما شاءَ فعل، ثم نتعامل بشجاعة مع الموقف، ومع اللحظة الراهنة بلا خوف، ويجب عليك أن تعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وان اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف.

      وأخيراً وليس بأخر لا شك أن اتباع تدابير الوقاية والحماية ضد هذا الفيروس يجعلنا أكثر قوة وشجاعة في مواجهة هذا المرض، الأمر الذي يتطلب منا الحرص على الأخذ بتلك التدابير، والتي تتمثل في التباعد الاجتماعي والجسدي، وأن نبقى في بيوتنا، بالإضافة إلى الحفاظ على نظافتنا الشخصية مثل غسل الأيدي جيداً بالماء والصابون، وفي حالة الخروج من المنزل يجب علينا ارتداء الكمامات والقفازات الطبية.. وإلخ، وعلينا ألا ننسى أن ندعو الله أن يرفع عنا هذا الوباء والبلاء، وأن يحفظنا جميعا منه، ويكتب لنا السلامة.. اللهم آمين. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى