أيام العظماء. حفل افتتاح فيلم التقرير

 تغطية | وفاء كمال

فيلم ” التقرير” تأليف الشاعر ” محمد الماغوط “
وإخراج وتمثيل الفنان دريد اللحام

إن قراري بحضور حفل الافتتاح ، كان مقلقاً بالنسبة لي. لأنه علي تحضير ملابس ملائمة للحفل ،الذي كما كنتُ أتوقع أن يضمَّ كبار النجوم من الفنانين والفنانات.وعلي ان أتمتع بالطاقة اللازمة للتفاعل مع الآخرين .فكَّرْتُ فيمن سيكون في الحفل، وخططتُ للتفاعل معه. وقفت أمام المرآة تخيلتُ أن نبيلة عبيد وحسين فهمي سيكونان موجودين فجلستُ إلى الطاولة أمام المرآة وتخيلتهما يتقدمان ويلقيان عليَّ التحية . ولم أستطع أن أتخيل نفسي أنني أنا من تتقدم نحوهما . لأنني كنت خجولة جداً ،رغم ثقتي الكبيرة بنفسي .لكن لم أكن أعرف أصول “الإتيكيت” . ولم أكن أؤمن أن الناس مقامات .فهذا الأمر في نظري لم يكن يخص الدنيا بل الآخرة . ولايجوز لأحد أن يميز أحداً وفقاً لأهوائه . لكن مجتمعاتنا هي التي غرست فينا ثقافة أن الناس اجناس .نتيجة لانغماسنا في الطبقية . مما يجعل الجميع يلهثون عندما يسمعون بسطوع نجم في عالم الأزياء أو الفن أو الغناء ،وينسون نعم الله عليهم . كنت شديدة الفضول للاطلاع على حياة المشاهير. لكن عندما كنتُ أميز أحدهم لاأميزه لثروته ،ولاأمجِّده حسب ممتلكاته، بل حسب ثقافته وعلمه ومستواه الفكري والعقلي . فالطبيب يجب أن يكون إنساناً قبل كل شيء ،وكذلك الصيدلي والمهندس والرسام يجب ان يكونوا حتى أقتنع بنجاحهم . ولم يغرِني يوماً مال أو ثروة، ولم أصب بدهشة أمام من يمتلكها . إنما تستوقفني النبتة الطيبة التي سُقِيَتْ بعناية حتى نهضت وازهرت وفاح عطر مواقفها النبيلة .يغريني من يصنع مجده بيديه وبمجهوده الشخصي .
هذه المبادئ الثابتة حملتها معي إلى الحفل .ورفض شقيقي الذي سيرافقني أن أذهب بثيابي العادية . كان طبيباً متخرجاً حديثاً .دفع كل ماناله من عمله ليشتري لي ملابس تلائم الحفل .اقتنى لي سترة فوسفورية ، وبنطالاُ أخضر وحذاء إيطالي الصنع متين الكعب . وبعض الاكسسوارات ، ودفعني لتزيين شعري عند ” الكوافيير ” .عدتُّ وكحلتُ عينيَّ دون ان أضع المساحيق التي تُغيِّبُ ملامح الوجه وتعابيره وانفعالاته .كنت أحب نقاط النمش الصغيرة التي تتسكع فوق وجنتيَّ .ولاأريد إخفاء الطفولة التي تمنحها لوجهي . هذه الطفولة التي لم أتمكن أن أغادرها حتى عندما تجاوزت الستين ،ومازلت أستعيدها قسراً ولعل ذلك على حد تعبير ” مالارميه ” ضرباً من ضروب العبقرية .
حين وصلنا تأبطتُ ذراع شقيقي ، وصعدنا السلم باتجاه صالة الحفل
فانبرى المصورون يلتقطون الصور لنا . حتى ظننتُ نفسي مكان “مارلين مونرو “وعشت ذلك الوهم ،وبدأت أنكز سترتي حتى انزلقت عن كتفي على غرار عارضي الأزياء . فإذا بشقيقي يعيد لي السترة بجلافة ولولا الحياء لضربني .ثم عاد هو الآخر لينفخ صدره حين التقطوا لنا صوراً أكثر من الفنانين .
سبقنا النادل ليدلنا على طاولتنا وهو ينحني لنا ، دون أن يدري كم مرة تهربتُ من ولوج هذه الصالة خشيةأن تصيبني جلطة من فواتيرها !!
ماأن استقرينا على مقعدينا حتى بدأ شقيقي يجول بناظريه ويعدد لي الفنانين الموجودين. لكن تدريباتي للقاء نبيلة عبيد باءت بالفشل . فهي غير موجودة . لمح شقيقي وليد توفيق وراغب علامة فقال لي بصوت مرتفع قليلاً ( لك شوفي وليد توفيق وراغب علامة ) فلكزته وقلت له : كن ثقيلاً ولاتبالي لاتؤخذ بكل من تراه . ضحك ونفخ صدره وجلس .رحب دريد بضيوفه ثم قامت لطيفة بالغناء . كان الجميع مندمجون في الحفل .وأنا وشقيقي نحاول أن نخمن تكاليف الحفل ولم ننجح . اقترب دريد من طاولتنا ومازحنا بعض الوقت . ثم فعل رئيس القسم الثقافي لجريدة تشرين نفس الشيء وقال إن كنتِ ترغبين بحضور مهرجان قرطاج لأحسب حسابك . رفضتُ مرغمة لأن سفري وحيدة كان ممنوعاً ومحظراً علي .ولم استطع ان أقاوم من أجل هذا الحق .لأنني بالكاد استطعت خلع الحجاب ولاأريد ان أفتح باباً جديداً للمشاكل مع والدي .
اقتربت “مادلين طبر “وحَيَّتْنَا أنا وشقيقي .وضعت يدها على كتفي. وأخذتني من يدي ،وبدأت تسير معي وسط الصالة وتحادثني .حتى وصلنا لطاولتها . جَلَسَتْ على مقعدها وأرادت أن تبحث لي عن كرسي .لكنني لم أشأ أن أترك شقيقي وحيداً .فوقفت بينها وبين امرأة تجلس إلى نفس الطاولة . فلكزتني ” مادلين طبر” . لم أفهم ماتريد . فسحبتني من مكاني وقالت :هذه التي تديرين لها ظهركِ زوجة وزير الدفاع .فارتعشتُ وأنَّبْتُُ ظهري على فعلته .وبقيت تذرع معي الصالة من الجانب الفارغ جيئة وذهابا. ونحن نتجاذب اطراف الحديث ونتحاور وكان ذلك أجمل من الحوارات المقررة سلفا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى