الكبت العاطفيّ وعلاقته بالعنف الأسريّ

مهند الصباح | القدس المحتلة

ثلاثة أيّام من الرّعب

قُدّر لي أن أمضي ثلاثة أيّام في إحدى بقاع اللجوء في مدينة القدس، بُقعة تحدّها المستوطنات من كلّ جانب والحاجز العسكريّ الاحتلالي هو منفذهم الوحيد للعالم الخارجي في ذات المدينة. شارع رئيسي وحيد يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة من كثرة الازدحام للمركبات في بلعومه. قبل الغروب بقليل دوّى صوت الرصاص عاليا وبشكل لا إرادي انخفضت رؤوس الحاضرين إلى الأسفل، ما هذا؟ فقالوا لنا إنها زفّة عريس، وفعلا بعد قليل من الدقائق مرّ الموكب ودرّاجة ناريّة تسير خلف سيّارة العُرس يعتليها مراهق مقنّع يشبه ” بات مان لكن بدون رداءه الأسود ” يُشهر سلاحه ويطلق منه عدّة صليات ناريّة.

اليوم الثاني، مجدّدا عند الغروب أزيز رصاص في الفضاء يُثير الرعب في نفوس الحاضرين الذين اتّحدت رؤوسهم مع قفصهم الصدري وتلاشت أعناقهم من شدّة الالتحام، ما السبب؟ ألم ينتهي العرس بالأمس ؟ أم هو عرس جديد؟ تبيّن لنا لاحقا بأنّها ” طوشه ” بين جيران لا يفصل بيتيهما سوى ممرّ ضيّق أو سرداب يشبه الأنفاق أسفل المدينة العتيقة بحيث لو احتاج أحدهم ملحا للطعام لمدّ يده خارج نافذته وأخذه من مطبخ جاره دون أن يشعر به.

اليوم الثالث، رؤوس الحاضرين لم تنخفض للأسفل كما اليوم الأوّل عند سماعنا لصليات رصاص نابعة من لهو بعض الأفراد – حسب فهمنا لأنّنا لم نسمع صراخ متنازعين ولم نسمع أبواق السيّارات-، ربما اعتدنا الأمر والفكرة وأصبحنا في وقت قصير خبراء في تحليل الصوت والصورة!

ما هذا بحق الله ؟!
أٌناس في الفرح يطلقون الرصاص، وفي الغضب يطلقون الرصاص، وأثناء اللهو يطلقون الرصاص، وأسماء محلاّت تجاريّة للملابس تتخذ من ” الهيبة ” وال ” F 16 ” اسماء لها !!!

المهم: يجمع علماء النفس المعرفيين على كون السلوك العدواني هو حالة تعبيريّة شعوريّة نابعة من الفرد سواء كانت فرحا أو غضبا يسعى من خلالها – الفرد العدواني- إلى تفريغ مشاعره خارجا ويوجهها نحو الآخرين بهدف إظهار التفوّق، الاختلاف، السيطرة، والقوّة. وهذا السلوك العدواني يعود في كثير من الأحيان للحرمان العاطفي الذي يعاني منه الفرد في طفولته أو أنّه لم يلتق القدر الكافي من العاطفة والتي هي بمثابة ردود أفعال نفسيّة له تجاه الآخرين، ونتيجة صدمات الاحباط التي يمرّ بها الفرد فإنّه يسعى من خلال سلوكه العدواني إلى التعويض (كما قال فليب هيرمان). وبوجود هذا الكبت المستمر وعدم مقدرة الفرد على التعبير السليم عن مشاعره الداخليّة سواء في الفرح أو في الغضب فإنّه يلجأ إلى العنف، خاصة بوجوده داخل مجتمع يُعطي شرعيّة لهذا السلوك وينمّيه فإنّ الفرد يسعى نحو التقليد وربما الابداع والتمايز عن أقرانه ممن يسلكون مسلك العنف في التعبير عن ذواتهم.

الاحتلال رافد رئيسي في تغذية العنف في بلادنا إلا أنّنا غير معفيين من المسؤوليّة في تربية أطفالنا بتوفير ما يلزمهم من أجل تطوير العاطفة لديهم والتعبير عنها بالطريقة السليمة والسلميّة. إن بقيت الأسرة على حالها فهي بطريقة ما أصبحت أداة من أدوات الاحتلال في سعيه لهدم الأسرة وتمزيق النسيج الاجتماعي، وأذكّر – عل الذكرى تنفع – بنظرية ” كيس الفئران “. وإلهاء الفئران ببعضها البعض كي لا تشعر بالأمان وتقوم بقضم الكيس وتفرّ من يد صاحبها!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى