المخرج المصري كمال الشيخ والإعلامية وفاء كمال وجها لوجه (2)

في الحقيقة. جاء حواري مع المخرج ” كمال الشيخ ” بالصدفة وباستغلال موقف اصطدامي به. فلم أكن على موعد مسبق معه. بل كنت أقف لأترصد الفنانين وأنتقي منهم من أتمكن من محاورته حواراً فكرياً. ولأنني لم أتوقع رؤيته في المهرجان لم أتذكر الكثير عن أعماله. سوى الإشكالات التي حدثت حول فيلمه ” الهارب ” وفيلمه “على من نطلق الرصاص” لكنَّ طبيعة الحوار كانت تقود ذاكرتي للانفلات. قلتُ: لقد تمكَنْتَ في فيلمك ” الهارب “من لفت الانتباه نحو سطوة السلطة .كيف مر هذا الفيلم بأمان ؟

ج: في الحقيقة لم يمر بأمان. فقد رُفع به تقرير . على أنه يهاجم مراكز القوة، عندما ذهبنا إلى الداخلية لطلب المساعدات بملابس ومعدات الشرطة من عربيات وغيرها. وتوقف الفيلم رغم تظلمنا لوزارة الثقافة وقال يومها “يوسف السباعي” : إن البلد يمر في فترة عصيبة لا يجوز فيها التهجم على الداخل مهما حصل. قمت بعدها أنا ورأفت الميهي كاتب السيناريو بتغيير بعض التفاصيل “عشان نقدر نصور الفيلم”. وبعدها حصلت الحرب ” واحنا بنصور ” فتوقفنا عن التصوير، وتم عرضه  بعد معالجته.

***

_ س : بعد تولي السادات الحكم كنتَ مع مبادرته للسلام. مع ذلك قدمتَ أفلاماً تجرَأْتَ فيها على  نقد الفساد الذي انتشر بعد الانفتاح، ولم يتوقف الفيلم.هل كان وضع الرقابة في عصر الانفتاح أكثر ديموقراطية ؟

ج:لا ..ولكن الفيلم من عنوانه يوحي أنه تساؤل، كان السؤال هو هل الوضع سيكون أفضل من سابقه أم لا؟ ولم أقصد أن إطلاق الرصاص هو الحل

***

لم أستطع الاسترسال في النقاش لأنني لم أتذكر تفاصيل الفيلم .

قلت: لقد استطعتَ أن تكسر القالب التقليدي في أعمالك .ولكن في محاولات كسر المألوف قد يقع الكثيرون في مطب تقليد الغرب .مارأيك ؟

ج : فعلاً لقد وقع الكثيرون من أبناء الجيل الجديد في هذا المطب لأنهم حاولوا التجديد دون أن يفهموا أن معنى التجديد هو الانطلاق من معطيات وحاجات العصر ،ومن الأنماط المتغير ة للحياة نفسها . وبأنه يتوجب عليهم البدء من واقعنا وبيئتنا وحضارتنا .وذلك بمنح الأشكال القديمة حياة وآفاقاً جديدة مع الحفاظ على طابعنا وموقفنا الخاص.

***

س : وماذا عن فيلمك الذي لم أعد أذكر اسم بطله الذي كان يجري تجارب بالمختبر على غرار الغربيين

_ج : تقصدين قاهر الزمان ؟

_ نعم…نعم , إنه هو

_ ج : كثيراً ماكنت أخشى أن أُ تهم بتقليد الغرب في هذا الفيلم . لكنني اعتمدتُ فيه التجديد لا التقليد فالطبيب في القصة يجري تجاربه في مختبر. فهو لايستعمل سفناً فضائية. أو وحوشاً عملاقة تسيطر على عقول البشر، أو ديناصورات تصمد اكثر من ” كينغ كونغ ” .وقد قام ذلك الطبيب بأشياء معقولة ظلت في حدود التجربة. والحديث الذي يدور في بداية الفيلم بين الصحفي والطبيب حول التحنيط الذي كان يقوم به المصريين ، يؤكد أن الفيلم مأخوذ من البيئة المصرية وطبيعتها وحضارتها.

***

_ س :  وأفلامك البوليسية ألم تتأثر فيها بمخرجين أجانب .

_ ج : لقد تأثرتُ بمخرج عالمي هو ” فريدز لانك “لأنه أحد أقطاب السينما القديمة. فقد وَجَدْتُ في نفسي تجاوباً  مع الأفلام التي يخرجها هذا المخرج .قدمتُّ أفلاماً فيها طابع بوليسي ،ولكنه يختلف عن الطابع السائد فبالإضافة إلى أنه يحمل التشويق، ويجذب المتفرج ويشد انتباهه ،فإنه يعتمد قصصاً تستند إلى تحليل النفس البشرية ،دون الاستناد إلى العصابات والمافيات والقتل وسفك الدماء.

***

_ س :لقد كنتَ أول من صور الصراع العربي الصهيوني في السينما من خلال فيلمك ” أرض السلام “. هل تعتقد ن السينما العربية استطاعت أن تحرر أفكارها بذكاء كما فعلت السينما الصهيونية

_ ج :القيام بمثل هذه الأفلام يحتاج دعماً مادياً كبيراً ومؤسسات ضخمة وكيانات إقتصادية تتحمل ضمن إنتاجها نماذج من هذه الأفلام. ولو أُتيح لنا كسينمائيين عرب فرص من هذا النوع بالتأكيد لن تتكرر . فأنا بعد فيلمي ” أرض السلام ” لم أحظَ بفرصة ثانية للقيام بفيلم آخر إلا عام 1978 بفيلم ” الصعود إلى الهاوية ” الذي عرض شكلاً من أشكال الصراع الخفي بين المخابرات المصرية والمخابرات الإسرائيلية. وقصة الفيلم مأخوذة من ملفات المخابرات المصرية .وأسماء أبطالها الذين أُعْدِموا هي حقيقية. وقد شهدتْ الساحة العربية إنتاج أفلام روائية وتسجيلية  تمس قضايا الشعب الفلسطيني.

***

_ س :  ولكن عموماً هل تعتقد أن السينما العربية نجحت في مواجهةالسينما الصهيونية ؟

_ ج : لاأعتقد ذلك. لأن الصهيونية دأبت منذ مؤتمرها الأول إلى وضع خطة إستراتيجية للاستفادة من السينما بأقصى مايمكن. ومن اجل هذا أحكمت قبضتها على شركات الإنتاج والتوزيع. ووظفت أموالاً طائلة في هذا المجال. وخلقت نجوماً وفنانين من مختلف الإختصاصات لخدمة أهدافها الاستراتيجية. واشترت ذمم كثير من الفنانين العالميين واستخدمتهم استخداماً في غاية الخطورة والذكاء.

***

_ س : ولكن الإمكانات المادية متوفرة  عندنا فلمَ بقيت جبهة المواجهة ضعيفة ؟

_ ج : إن التصدي للسينما الصهيونية لايحتاج لإمكانات مادية فحسب. وإنما لثقافة سينمائية تساعد المؤسسات على انتشارها لتشجيع الكتابات التي تخص صراعنا مع العدو ، وتمنح الكاتب والناقد فرصاً للبحث لتكوين مكتبة سينمائية تضم إنتاجات السينما الصهيونية من أجل دراستها بشكل علمي وكشف ألاعيبهم. وعلى مؤسسات القطاع العام ،طرح أفلام تشرح الواقع العربي دون تزييف أوتشويه.

***

انتقلنا بعدها للحديث عن القطاع العام والخاص بالسينما لكنني سأنهي الحوار هنا. لأن هذا الحديث تكرر في حواري مع المخرج صلاح أبوسيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى