من أسرار اللغة.. مفردة: (الكفار)

 

أ.د. عنتر صلحي عبد اللاه | مصر – أستاذ اللغويات التطبيقية – جامعة جنوب الوادي

لفظ الكفار مشتق من فعل (كفر) بمعنى غطى وستر، وهو بذلك يتطابق مع أصوات ومعاني كلمة cover   الإنجليزية، واستعيرت الكلمة للدلالة على كل من أنكر الإيمان، فصار الكافر هو الجاحد للإيمان، وفي الإنجليزية تحورت الكلمة قليلا لتعطي هذا المعنى convert ، واشتقت من الكفر الكفارة -هي التي تجبر كسرا في عبادة بمعني تستر النقص والعيب – ككفارة اليمين أو كفارة الإفطار في رمضان إلخ. والرجل كافر وجمعه كافرون، والمرأة كافرة وجمعها كوافر (ولا تمسكوا بعصم الكوافر)، وللجميع كفرة.

والكفار لفظ قرآني يشير إلى المخالفين في الدين، وهناك ألفاظ أخرى استخدمها القرآن في مخاطبة غير المسلمين؛ مثل: يأيها الناس، ويا بني آدم، ويا أهل الكتاب. لذا يفرق في اللغة الإنجليزية بين عدد من الكلمات التي تشير إلى المخالفين في الدين، ولا يصلح أن تستخدم كلمة واحدة – لها ظلال معانيها وإيحاءاتها- في كل السياقات.

وأول هذه الكلمات هي كلمة infidel  وهي كلمة تعني الآخر المعادي الخائن المتربص ومنه تشتق infidelity  أي الخيانة (خاصة الزوجية)، وكانت هذه هي الكلمة الشائعة عند الصليبيين لوصف المسلمين في القرون الوسطى، وأشتهر The Infidel  بحروف استهلالية كبيرة لقبا خاصا لصلاح الدين الأيوبي. ولما كانت الكلمة سيئة الدلالة سيئة الاستخدام، فهي من الكلمات التي ترفع عنها معظم مترجمو معاني القرآن.

ثم هناك كلمة disbeliever  وهنا ينبغي التفريق بينها وبين nonbeliever  فرغم أن الكلمتين تشتركان في الأصل وأن الفرق الوحيد هو في أداة النفي، إلا أن النفي ب dis تعني شدة الإنكار والمخالفة، أما النفي ب non فتعني المغايرة فقط (لاحظ مثلا  resident, nonresident في مقابل approval, disapproval )، لذا فالأنسب لترجمة الكفار -المحاربين- هي disbelievers ، أما nonbelievers  فتعني (غير المسلمين) وليسوا بالضرورة محاربين، بل ربما يكونون أعوانا وحلفاء ومساندين، فالمطعم بن عدي مثلا كان nonbeliever  ولم يكن  disbeliever  وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم -في أسرى بدر- لو كان المطعم حيا وكلمني في هؤلاء لوهبتهم له.

أما عند الحديث عن شركاء الوطن المخالفين في الدين، فلا يصلح لهم أيا من الألفاظ السابقة، وإنما يقال عنهم  Other believers  أي المؤمنون بأديان أخرى، والفرق واضح في تركيب الكلمات السابقة التي تنفي الإيمان، وتجعله حكرا على فئة معينة، وبين التعبير الذي يثبت الإيمان بعقائد أخرى، وهذا هو التعبير الذي أختار البابا فرنسيس أن يعنون به كتابه : Dealing with Other Believers  عند الحديث عن غير المسحيين. وأجمل منه التعبير القرآني People of the Book.

أخيرا، رغم كل هذه المعاني التي ذكرناها، فإن في القرآن آيةً بها الكفار ولكن لا علافة لها بالإيمان أو إنكار الإيمان، وإنما جاءت على الأصل بمعني من يقوم بتغطية البذور من الزراع، وهي الآية رقم 20 في سورة الحديد:

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)

فالمثل المضروب هنا للحياة الدنيا هو الغيث الذي ينزل من السماء فيؤدي إلى إنبات البذور التي غطاها -الزراع- فيعجبهم ذلك، ثم سرعان ما يورق ويخضر ثم يصفر ويسقط ثم يكون حطاما.

إذن ترجمة الآية هنا بأي من ألفاظ إنكار الإيمان لا تصلح، فلنرى ما صنع المترجمون:

Sahih International: like the example of a rain whose [resulting] plant growth pleases the tillers

Yusuf Ali: Here is a similitude: How rain and the growth which it brings forth, delight (the hearts of) the tillers;

Mohsin Khan: as the likeness of vegetation after rain, thereof the growth is pleasing to the tillers

استخدم خان ويوسف علي والصحيحة الدولية لفظ tillers  وهم الذين يقومون بحرث الأرض، من فعل till  بمعنى حرث أو زرع أو سوى الأرض.

Pickthall: as the likeness of vegetation after rain, whereof the growth is pleasing to the husbandman

Shakir: like the rain, whose causing the vegetation to grow, pleases the husbandmen,

واستخدم بيكتول و شاكير الكلمة القديمة husbandman  التي كانت تشير للمزارعين في القرون الوسطى والتي اشتقت منها husband  بمعنى القائم على شؤون الأسرة.

The Study Quran: the likeness of a rain whose vegetation impresses the farmers;

Jusur: like a rainfall producing plants that delighted the farmers

AbdulHaleem: It is like plants that spring up after the rain: their growth at first delights the sowers.

وفي الترجمات الحديثة، استخدم سيد حسين نصر وفاضل سليمان الكلمة الحديثة farmers  في حين كان عبد الحليم أكثر دقة فاستخدم sowers  أي الذين يقومون بنثر وتغطية البذور.

Muhammad Sarwar: It is like the rain which produces plants that are attractive to the unbelievers.

Arberry: It is as a rain whose vegetation pleases the unbelievers;

Ghali: It is as the likeness of succoring (rain) whose growth (looks) wonderful to the steadfast disbelievers.

أما أغرب الترجمات فهي التي لم تر المعنى المختلف للكفر هنا، فاعتبر سرور وأربري أن الكفار هنا unbelievers   رغم أن الفرح بإنبات الزرع يحدث لكل الزراع مؤمنهم وكافرهم. أما غالي فلم يكتف ب unbeliever  بل جعلها  disbeliever  وزاد عليها وصفهم ب  steadfast  أي الكفار المعاندين المتمسكين بالكفر، وأظن أن الخلل هنا ربما يكون من توحيد اللفظة في كل السياقات دون النظر لتباين المعاني، أو من الاعتماد على تفاسير غير شائعة للكلمة، ويكون المعنى عندئذ أن فرح الكفار زائل كما هذه الدنيا زائلة، وأن المؤمن يرجو ما عند ربه ويدخر فرحه له… وهو معنى متكلف، لأن الآية لم تخصص الفرح لفئة دون أخرى، خاصة وأنه شعور طبيعي عند كل من يرى ثمرة زرع يده، والله أعلم.

***

الترجمة السيميائية (علامات الترقيم)… الفتح 29

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى