تاريخ

بارك عند أولاد أمبارك.. يكتب ملاحظات عن اللوتس ويحلم بالحرية

حمود ولد سليمان غيم الصحراء| موريتانيا

     لا أحد في هذه  الدنيا، كان يملك تفسيرا حقيقيا  لما حدث لبارك عندما أبحر يوم 9 /نفمبر/ 1805 في رحلته الثانية نحو نهر النيجرغيرامادي فاتومي الذي التقي باحد الأفارقة الذين كانوا معه، بعد عام من اختفائه، ونهايته الفاجعة التي تعرض لها علي سفينته اسكونر التي صنعها بيديه برفقة مجموعة من رفقائه، عندما تعرضوا لهجوم من قبل السكان عند منحدر بوسا، وتم اطلاق النار علي مركبهم فقفزوا في النهر وماتوا، ليبقي موت بارك ورفاقه مثار سؤال كبير ولغزا ما زال يشغل الباحثين والمؤرخين وكتاب سيرة مانجو بارك ،هذا الرحالة المستكشف العظيم الذي يعود له الفضل في اكتشاف نهر النيجر والذي باعتراف الجمعية الملكية الجغرافية  قدم خدمة جليلة للجغرافيا عندما أثبت أن النهر يتدفق من الشرق وليس من الغرب كماقدم معلومات قيمة عن ثقافة وتاريخ واساطير وعادات وتقاليد افريقيا.
مانجو بارك كما يذكر كتاب سيرته، رحالة قوي الشخصية، كان شجاعا  ومغامرا استطاع أن يعبرنهر النيجر ستة عشر مرة كان خلالها يحمل أصحابه المرضي، ظل يحلم بأن يحقق هدفه حتي مات  علي مسافة 720 ميلا من النقطة التي أراد الوصول إليها، ولد بارك 1771 في بيت من وسط الفلاحين وكان هو السابع بين أخوته، في بلدة سلكيرك القريبة من نهر يارو، درس بارك الثانوية في تلك البلدة  وأكمل دراسته في كلية  الطب في ادنبرة وتخرج  منها طبيبا، لكنه لم يكن راضيا عن ماحققه في دراسته إذ كان الطب في تلك الايام مهنة بسيطة لاتجلب الشهرة والمال ،وكان بارك طموحا يفكر في ابعد من تضميد جراح المرضي والاستماع الي شكواهم .كان بارك تواقا  للمغامرة وحب الاكتشاف ،في تلك الفترة تزايد اهتمام أوربا بسب اطماع التوسع بالكشوفات الجغرلفية وكان بارك قد عاد من رحلة من جزر الهند الغربية كان يعمل فيها طبيبا علي متن سفينة،وعند عودته كانت الجمعية الجغرافية تخطط لإرسال بعثة إلي افريقيا وبالتحديد الي نهر النيجر ، فعرض احدها علي بارك مهمة القيام بهذه المهمة فقبل العرض ،وان يذهب  الي غرب افريقيا بحثا عن منبع نهر النيجر ،في سنة 1795 م وكان بارك آنذاك في ريعان الشباب وكان قويا في الرايعة والعشرين من عمره ،،ابحر بارك  من ميناء بورتس موث ،ووصل نهر غامبيا بعد شهر من رحلته (1)
    في رحلته الأولي من غامبيا إلي السينغال عندما مر بارك  بموريتانيا  الحالية  بمملكة لدمار البيظان  آنذاك/ التي كان أميرها أمير أولاد امبارك أعل أسر ومكث أربعة أشهر في معسكر أولاد امبارك،وبعد محاولات الهرب تمكن بارك من الهرب ليلا إلي أرض بمبارا  مالي الحالية.
      يسرد بارك في رحلته يومياته  ما لاقاه من شدائد ومعاناة الأسر في معسكر الأمير أعل،في صورة ليست بعيدة من تلك التي قدمها لنا جاك فولي في  كتابه: كنت عبدا في المغرب (1783/ 1784) وكاميل دولز (1864) في كتابه/ خمسة أشهر لدي البيظان في الصحراء الغربية جنوب المغرب، صورة تفدم البيظان/ العرب  علي أنهم همج متوحشون ليست لديهم  شفقة ولارحمة ولا أنسانية 

    في بلدة “سامي” ارسل أعل جنوده وامرهم بالقبض علي مانجو بارك وان يقتادوه إليه وكانت زوجة اعل فاطمة قد سمعت عن يارك النصراني  المسيحي وكعادة  الكثيرمن  أهل البلد المسلمين الذين كان يأخذهم الفضول للتعرف علي لباس النصاري وسلوكهم وحياتهم وألوان بشرتهم .كانت فاطمة تتمني أن يجلبوا لها هذا النصراني الرحالة الذي قدم من بعيد في مهمة لا أحد منهم كان يعرف عنها شيئا 
وصل بارك رفقة جنود أعل إلي بلدة بنعوم مقر خيام الامير أعل  وكانت عبارة عن “عدد كبير من الخيام الوسخة،منصوبة بدون نظام في وسطها أعداد هائلة من الإبل والبقر والماعز ” (2)
      ويصف بارك دهشة هؤلاء  العرب  البيظان، عند رؤيته ،فقد تجمهروا حوله وأخذوا يجذبون ثيابه وينظرون في سترته وعند خيمة الأمير أعل كانوا يتجمهرون، أمامه  وكان أعل يقص شاربه وبجانبه خادمة تحمل له المرآة،وكان جالسا علي وسادة وسأله هل يتكلم بالعربية فاجاب بارك بالنفي، وكانت النسوة تسأله في استغراب وتنظرن في ملابسه وتفتشن جيوبه وترغمنه علي فتح أزرار  صدريته لرؤية بياض بشرته ومنهن من أخذت تعد أصابع رجليه ويديه،،كان بارك بالنسبة لهن من عالم آخر ،ليس من الإنس كأنه هبط من السماء 
في الليلة الأولي يصف بارك شعوره الحزين ودهشته من البيظان بعد صلاة المغرب بدأ شابان يطاردان خنزيرا بريا كان أعل قد أمرهم بذبحه وإعداد الطعام لبارك منه (هذا أمر ليس مألوفا عند البيظان/ العرب / المسلمون آنذاك،وأغلب الظن أن بارك المسيحي  أراد أن ينقل صورة منافية للتعاليم الإسلامية فيها ما فيها من الإنحطاط)، وإن كان هنالك تأويل  يفرض نفسه من سياق الحكاية إن كانت  الحادثة صحيحة أن يكون أعل أراد أن يكرم بارك بالخنزير لكونه طعام محبب لدي الأوربين وهو بتقديمه له يعبر له عن حسن ضيافة وتقدير. والله أعلم 
     ومع ذالك وبالرغم من أن بارك كان يشعر بالجوع فقد أبدي امتعاضه الشديد ورفضه أن يأكل لحم الخنزير. وكان بارك كما يقول يريد بذالك أن يظهر احترامه لتعاليم الإسلام التي تحرم أكل الخنزير، وأن  يكسب ود الأمير 
    في تلك الليلة قدم له طعام من الذرة الصفراء وبات علي حصير أمام خيمة أحد عبيد أعل في العراء وكانوا يحرسونه، ثم جهزوا له كوخا،أصبح مقر إقامته طوال مدته عند معسكر أعل ويذكر بارك أن هذا الكوخ كان مبنيا علي أعمدة في أحدها ربط خنزير بري،كان مصدر إزعاج لبارك إذ كان الأطفال يمرحون أمام الكوخ ويستفزون الخنزيز فيقفز وينطح كل ما حواليه، وكانت الناس تتجمهر حوله وتسأله وتنظر إليه عندما يخلع ثيابه أو يلبسها.

بعدها أرسل أعل في طلبه  وكانوا يريدون أن يختبروه في الحلاقة، فأعطوه موسي كبيرا وكلفوه بحلاقة ابن أعل يقول بارك إنه امتثل للأوامر لكنه جرح  الطفل ابن الأمير جرحا خفيفا في رأسه (عن قصد لكي يبدو أنه لايعرف الحلاقة) ولما أى أعل ذلك طرده من الخيمة وكان بارك يتعمد ذالك ليبدو أنه عديم الفائدة،لكي يمنح حريته ويخلي سبيله.
في اليوم الثالث أخذوا أمتعته وفتشوها وعثروا علي ساعة وبوصلة في جييه، وكانت لبارك بوصلتان واحدة عند مقدمه أخفاها في الرمال والأخري جعلها في جيبه. ومن الطريف أن البوصلة شكلت لغزا محيرا للأمير أعل وأراد أن يعرف لماذا إبرتها تتجه دوما نحو الصحراء الكبري 
   وكان يسأل بارك عن ذلك وشعر بارك بالحيرة والإحراج، ثم قال لأعل : إنه يستدل بها على مكان إقامة أمه، وإنها مادامت علي قيد الحياة ستتجه البوصلة نحوها وتكون لها دليلا حتي يأتيها، وعندما تموت هي ستتجه البوصلة إلى جهة قبرها، وكانت الإجابة محيرة أكثر من السؤال وظل الأمير أعل مندهشا يقلب البوصلة في يده ثم ردها لبارك قائلا: إنه يعتقد أنها سحر وأنه يخافها ولايريد أن يحتفظ بها.
   في اليوم الرابع عقد اجتماع عند الأمير أعل  وكان حول ماذا يتقرر بشأن بارك، وقد رأى بعض  المجتمعين  قتل بارك  ورأي  بعضهم أنه يجب الاكتفاء ببتر يده اليمني  ورأى آخر  نزع عيناه (وهذه الأقوال الغريبة قد تطرح أكثر من سؤال، خصوصا الأخير أن تنتزع عيناه).
يقول بارك إن الأمير أمرهم بالإبقاء عليه أسيرا حتي عودة زوجته فاطمة ليري ماذا ستأمر بشأنه. وأنه توسل لأعل أن يخلي سبيله فرفض وأصر علي أن  يبقي معه حتي تقدم فاطمة وبعدها سيعطيه حريته ولم يكن بيد بارك خيار سوي البقاء فلا حول له ولاقوة وهو أسير مراقب  في كل وقت ،وقد انتزعوا منه جواده .
    مرض بارك واصابته حمي شديدة في معسكر اعل وكاد ان يموت بسبب سلوكه ،عندما اخذته الحمي خرج يترنح واستلقي تحت شجرة قريبة من مقر اقامته  فظن رجال اعل انه يخطط للهرب فاقبل نحوه ولد اعل ومعه الجند وسحب أحدهم مسدسه وهدده بالقتل ان هو خرج مرة اخري من مكانه   واقتاوده الي اعل الذي استشاط غضبا واخذ المسدس وصوبه نحوه والشر يتطاير من عينيه ،وظل ينظر فيه مهددا ومتوعدا ،ومحذرا اياه ان يفعلها ثانية 
     يسرد بارك في فترة مقامه بمعسكر اعل صنوفا من العذاب تعرض لها من ذالك معاناة العطش الشديد الذي عاناه اذ كانت خيام المعسكر في الصحراء وكان الماء نادرا وكان يعطي منه القليل يوميا ثم سمح له بان تكون لديه قربة لكن لايحق له ملاها اكثر من مرة في اليوم  ويذكر بارك أنه عطش ذات مرة عطشا شديدا في الليل وسار يبحث عن بئر غير بعيدة من المخيم ولما جاءها وجدعندها ناسا يسقون ومنعوه الماء فذهب الي اخري ووجد عندها شيخا نظر فيه ثم صب ماء الدلو الذي كان يمسكه في الحوض امامه وقال له انت نصراني وكانه خاف ان يلوث بشفتيه دلوه ثم قال له اشرب وكرع بارك في الحوض مع الابقار وشرب حتي ارتوي ، 
      عاش بارك وحيدا في كوخه وكان طعامه غالبا حفنة من ثريد معه ماء وملح  ولقتل الروتين بدا يتعلم العربية وكان ذالك يجلب البيظان  ويزيد من اهتمامهم به ،وزادت معاناة بارك عندما لاحظ ان العبيد المكلفين بإطعامه أصبحوا ينقصون من وجباته اليومية بل وابعد من ذالك  مضي يومان عليه  ولم يحضروا له الطعام (3)
لم تات فاطمه  واراد اعل الرحيل الي معسكرها وامر بارك ان يصحبه الي  مضارب خيامها عند ” بوبكر ” فارتحل معه وعند خيمة اعل قال اعل لزوجته الأميرة   هذا هو النصراني بارك الذي كلموك عنه وكانت تسأله فيجيبها ويقول بارك انها كانت 
سمينة  ومسرورة وقد عطفت عليه وقدمت له اناءا من اللبن ،وخلال ايام اصبح  بارك محبوبا عند فاطمة وكان لذالك اثر ايجابي في تحسين كمية وجبات طعامه  كما كان له دور كبير في مساعدته علي الهرب ،اذ من خلالها تمكن بارك من الهرب  بعد ان طلب منها ان تتوسط للامير  للسماح له بالذهاب معه  إلي جارا ففعلت وكانت جارا بالنسبة لبارك هي الملاذ والطريق الوحيد الي حريته،عند جارا بدأت الشكوك تراود اعل في ارجاع بارك الي مضارب بوبكرولم يقل ذالك لأحد ،وعلم جونسون ان اربعة من البيظان / العرب  جاؤوا ليعيدو بارك الي ” بوبكر ” وانهم تفقدوا حصانه ولما راوه منهكا تركوه وانهم كانوا يتناجون بينهم ثم قالوا : 
انه لايستطيع ان يهرب علي هذا الحصان المنهك وولوا نحو “بوبكر” ولما اخبر جونسون بارك قرر الهرب الي بلاد بمبار ليواصل رحلته التي جاء من اجلها الي نهر النيجر،وعزم على الهروب واسر بذالك لجونسون وطلب منه مرافقته فرفض وفي موهن  الليل حزم امتعته وكانت قمصان  واربعة سراويل وسترة صدرية وقبعة ومعطف. وودع جونسون وسار على رؤوس اصابعه كي لا يوقظ الجند والعبيد ،وفي الأدغال ظل يتقدم ملتفتا وراءه خائفا من ان يكون احدا يتبعه ،يقول بارك ان الرعاة طاردوه وعندما اختفي عنهم فاجأه  ثلاثة فرسان يصيحون في اثره ثم حاصروه و امسكوه وقالوا له انهم سيردونه الي معسكر اعل وانهارت أحلام بارك ودمعت عيناه وبدا له ان كل شيء تهدم وأنه سيرجع عبدا عند اعل مرة اخري 
وكان ان مربه هؤلاء البيظان قرب غابة كبيرة  ثم توقفوا وبداوا  يفتشون اغراضه ولم يجدوا معه شيئا مهما ،سوي معطف كان يرتديه عند المطر ويتدثر به في الليل ليحميه من الناموس ،فأخذوه منه
وتوسل اليهم كثيرا ان يدعوا له معطفه فرفضوا وانطلقوا يعدون
وفرح بارك عندما رآهم  يهربون وتأكد له إنهم ليسوا من رجال اعل وانما هم لصوص أرادوا سلبه وهربوا وسار بارك وتوغل في الغابة متجها  إلى بلاد بمبارا 
خلال اسره  ومقامه عند مملكة لدمار او مملكة اولاد امبارك 
بالرغم من انه كان اسيرا  لايفكر كثيرا إلا في حريته ،مع ذالك كان يارك يدون ملاحظااته الدقيقة عن كل مايري عن 
الامير وحاشيته وعن الناس الذين يعيشون في المعسكر وقد وصف يارك في هذه الملاحظات حياة اهل مملكة اولاد امبارك في تلك الفترة .فوصف الطبيعة القاحلة ،آنذاك التي كانوا يحيون فيها ،ووصف الرمال والاشجار فيها ،ووصف معاناة العطش فيها ووصف الطعام الذي كانوا يتغذون به ، كذالك عاداتهم وتقاليدهم ولمحا من تاريخهم ،ووصف المناخ ، والنساء فيها ومعايير الجمال البدوي .ومعاناة العبيد والفروسية عند البيظان  ،  ، و راي بارك ان البيظان / العرب اجلاف متوحشون  بفعل البداوة ومع ذالك كان يتعجب في نفسه من هؤلاء / البيظان / العرب  ” المحمديون ” كما كان يسميهم نسبة للرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم  الذين توجههم روح دينية عميقة نحو الإيمان بالخالق العظيم ،والتي تتجلي بقوة  في اوقات الصلاة 

ولو ان بارك امضي كثيرا في مملكة اولاد امبارك وكان يشعر بأمان أكثر لكان كتب  لنا كتبا اكثر قيمة وجهدا ومعلومة  مما دونه من ملاحظاته التي كتبها علي عجالة ،ومع ذالك فإن 
،بارك في ملاحظاته يبدو دقيقا جدا وان كان في بعضها يتحامل تحت تأثيرات ضاغطة وخلفية حضارية متاثرة بتصورات مسيحية  .عن العرب والمسلمين .
من يقرأ بارك يعجب لشجاعته وقوته وصبره الكبير علي تحمل الشدائد .وهو في بعض مما كتبه يشبه كثيرا في تصوراته ما كتبه جاك فولي عن أسره  وكاميل دولزعن البيظان وإن كان يختلف عنهما في دقة الملاحظة . ونعتقد ان الصورة التي قدمها هؤلاء عن مجتمعاتنا العربية الإسلامية تحتاج لدراسة متأنية  تعمل علي 
تفسيراسبابها وتفكيكها بغية الوصول إلي تجلياتها في الثقافة والفكر الغربي  وما تراكم فيهما عبر التاريخ عن الشرق الخيالي والعرب المسلمون والصحراء ،
يكاد بارك يكون مثل اصحابه في نقل تلك الصورة عن عرب الصحراء تماما مثل  رينه كايي وهاينريش بارث االذين عبرا من موريتانيا نحو تمبكتو وان كان بارث عند وصوله لتمبكتو ومقامه مع الشيخ البكاي الكنتي قد تغيرت  لديه الصورة النمطية عن المسلمين ، لما لقيه من حفاوة وتكريم ودفاع مستميت عن حريته وانقاذه من الموت من قبل الشيخ البكاي الكنتي 
بارك في رحلته لم يكن مبشرا مسيحيا ولم يكن توسعيا استعماريا 
بارك كان يحلم بالمال والشهرة وكان فوق ذالك يريد ان يخلد اسمه  وبلده في تاريخ العلم باكتشاف نهر النيجروحل الاشكال الذي ارق الجغرافيين الاوربين  حول منبع نهر النيجروكان له ذالك  عندما اثبت ان النهر يتدفق من الشرق وليس من الغرب 
 **
ويبقي  ضياع بعض مذكراته ( 4) التي غرقت معه في النهر 
( هكذا يقول كتاب سيرة بارك )خسارة كبيرة لرحلته وللتاريخ وللعلم  والقراء. يبقي ذالك الجزء من رحلة بارك يطرح اكثر من سؤال ؟ 
  مثل موته الذي لايزال يثير الكثير من الاستفهام عن من قتله ؟!   ولماذا لم يعثر عليه ؟!

______
(1)
المستكشفون في افريقيا / جوزفين كام 
ترجمة الدكتوريوسف نصر / دار المعارف / مصر / 1982ص88
(2)  من رحلات المستكشفين خلال  القرن الثامن عشر إلي الإمارات العربية في بلاد الصحراء 
رحلة المستكشف الانجليزي مانجو بارك إلي إمارة اولاد امبارك 
اهل اعمر ولد هنون ولد بهدل ولد محمد الزناكي / ترجمة الدكتور محمد بن بواعليبة بن الغراب / دار جسور / 2012/ انواكشوط / موريتانيا / ص 85
(3) نفس المصدر / ص /100و 104

(4) travels in the interior districts of afrika/ mungo park 
كتاب الرحلة الذي كتبه مانجو بارك بعد عودته من رحلته الاولي 
حسب معلوماتي لم يترجم  ترجمة كاملة  الا قريبا عندما قامت نعيمة الحوسني بترجمته ب في اعماق افريقيا 
وهو الكتاب الذي نالت به جاىزة بن بطوطة لادب الرحلة وقد قامت المترجمة بترجمة الكتاب عن الاصل الانكليزي ،وقد اطلعنا علي فصلين من هذه الترجمة  علي تطبيق ابجد ولم يتح لنا الاطلاع علي الكتاب كاملا 
هناك ترجمات اخري  اهتمت بالاساسي في الرحلة وتجاوزت القليل 
وهذه الترجمة  مدرجة  في كتاب  / أشهر الرحلات  في غرب افريقيا /  ل  س هوارد ترجمة عبد الرحمن عبد الله الشيخ / صادرة  في القاهرة 1996 /  عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 
وتكاد تكون هذه الترجمة متوافقة تماما مع ترجمة الكتور محمد ولد بوعليبة لجزء الرحلة المتعلق بموريتانيا ،الا ان خلوها من لقاء مانجو بارك بالاميرة فاطمة وعدم ورود ذالك فيها جعلها مختلفة عن ترجمة ولد بواعليبه  .كما ان عدم اهتمامها بشرح الامكنة والمسميات وتعريف الاعلام وبعض القصور والضعف فيها اصاب الترجمة ببعض الهلهلة والخلط في اليناء السردي للرحلة،وهو ماجعلنا نعتمد علي ماكتب ولد بوعليبة مع انه لايختلف كثيرا عن ماورد في اشهر الرحلات في غرب افريقيا 
لكنه في نظرنا اكثر وضوحا 
في  ترجمته   لجزء الرحلة المتعلق بموريتاتيا وهي ترجمة كاملة عن مرور بارك بامارة اولاد امبارك  في موريتانيا واسره وهروبه الي بلاد.بمبارة وهي الترجمة   التي اعتمدنا عليها هنا في السياق السردي لرحلة بارك ،وذالك لعدة اسباب اولا لانها في نظرنا أكثر وضوحا من الترجمة التي وردت في كتاب اشهر الرحلات في غرب افريقيا ،ويزيد من قيمتها واهميتها ان صاحبها بذل فيها جهدا كبيرا ،اضافة الي ذالك كونه  من اهل البلد المترجم عنه مما يجعله اكثر الماما بالسياق الثقافي والتاريخي والجغرافي للرحلة  الذي ينقل عن حقله الترجمة، 
ومع أهمية ترجمة الدكتور ولد بوعليبة فإنها مع ذالك  لم توفق في تبيان  المجال الجغرافي / ونعني بذالك  ذكر اسماء الامكنة 
آنذاك  وما يطلق عليها حاليا 
،وقد يكون هذا من الامور الصعبة ويتطلب بحثا وجهدا كبيرا لكنه مهم جدا في السياق البنيوي للرحلة والعام ذالك انه 
يساعد في تجلية اللبس عن الرحلة ويجعلها اكثر وضوحا ،إذ عندما تتضح الامكنة ومسارات الرحلة يكون القاريء يسير وفق بوصلة تحدد له اتجاهات الرحلة .وهو ما لاحظنا ان الدكتور لم 
يتوقف عنده كثيرا.وكمثال علي ذالك هناك اسماء وردت في ترجمته لم يخبرنا هل هي الامكنة الحالية المعروفة من تلك الاسماء / تارا ،تركمبو 
كذالك في ترجمته  لم يتعرض للتعريف بالاعلام التي وردت في النص وهو امر مهم لأن كل ذالك يساهم في فهم النص بشكل عام 
وان كان الدكتور ولد بوعليبة مهد لترجمته  تمهيدا تاريخيا قيما 
ولكن القاريء الذي ليس متخصصا وليست لديه معلومات عن 
 عن  الشخصيات والاحداث التاريخية ” في الرحلة ” 
 التي حدثت بين ممالك الزنوج ومملكة اولاد امبارك وغموض بعض الاسباب التاريخية ،وفقدان الحلقة التي تربط هذه الاحداث 
كل ذالك يشوش علي ذهنه ويساهم في عدم فهمه للنص من خلال ما قرانا عن هذه الرحلة نعتقد  ان ترجمة ولد بوعليبة قد تكون أقرب ترجمة  لنص بارك وفي نظرنا انها لاتفتقد للموضوعية العلمية  (مع ملاحظة أنها في القليل منها صفحة او صفحتين فيها عدم ترابط في بعض الفقرات في السياق النصي ،وربما يكون الخلط والخطا من المطبعة) ومع ذالك فهي ترجمة قيمة وجميلة من الناحية الأدبية 
 وواضحة  من حيث السياق السردي العام للرحلة. لفت انتباهنا ان س هورد في اشهر الرحلات  يترجم المور/بالمراكشيون / وهي ترجمة مستمدة من سياق تاريخي ،يري ان ارض البيظان آنذاك / وموريتانيا جزءمنها ،كانت تتبع لسلطة سلاطين المغرب.
بينما تترجم جوزفين في كتابها  المستكشفون في أفريقيا المور ” البيظان ،بكلمة  البرابرة وهي كلمة قدحية / مشحونة بمعاني الذم ،بينما يعتمد ولد بوعليبة في ترجمته كلمة  المور التي تعني البيض/ البيظان/ العرب بدل البربر والمراكشيون.
 وتبقي ترجمة رحلة مانجو بارك في جزئها المتعلق بموريتانيا ترجمة قيمة ومهمة من عدة نواحي فهي اولا وثيقة ادبية وتاريخية واجتماعية وجغرافية وثقافية عن موريتانيا لايمكن الاستغناء عنها في سياقها العلمي العام الذي يعني فيما يعني كيف رأي الرحالة الاوربيون موريتانيا وكيف  كان الموريتانيون يعيشون، وكيف مهد أولئك الرحالة للمستعمر في سلب ثرواتنا والتخطيط لإحتلال اراضينا بدءا من البرتغالين مرورا بالرحالة الذين جاؤوا من بعدهم وصولا إلى مجيء القائد الفرنسي كبولاني ومجي المستعمر الفرنسي لاراضينا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى