قراءة في (نوفيلا شارع بسادة) لـ”سيد الوكيل”

مرفت يس | ناقد وأديبة مصرية – جامعة القاهرة

استوقفنى العنوان قليلا،  ولماذا قصد الكاتب كتابة كلمة ”  نوفيلا “قبل العنوان “شارع بسادة ” وماذا تعنى ؟

النوفيلا» NOVELLeمصطلح أوروبي يطلق على نوع معين من الكتابة، .تقول الناقدة الأمريكية جوديت لايبوفيتز فى كتابها “السرد وغايته فى النوفيلا ” أننا لسوء الحظ نستخدم مصصطلحات “النوفيلا ” و”النوفليت ” والرواية القصيرة ” بمعنى واحد وهذا خلط سيئ لأن ” الرواية القصيرة ” نسخة مصغرة من النوع القصصى المسمى ” رواية ” بينما ” النوفيلا ” شكل أدبى مختلف ، يتماثل عرضآ مع ” الرواية القصيرة ” فى طولها فحسب ، ففى الوقت الذى تقوم فيه الرواية القصيرة بتضييق المادة وتقوم الرواية بتوسيعها  ، تقوم النوفيلا بالدورين معآ، وبطريقة تؤدى إلى نوع مخصوص من البنية السردية ، أثرآ ممزوجآ يجمع بين التكثيف والتوسيع ، بل له سمات وملامح كتابية معينة، إذ تدور الأحداث في مدينة صغيرة وتتميّز الشخصيات بطابع قدري متناقض بعيد عن أي طابع احتفالي وهي ليست راسخة في المكان.وهذه طريقة السرد ف شارع بسادة للروائى سيد الوكيل

تظهر سمات أساسية ارتكز عليها السرد وهى نفسها سمات النوفيلا كشكل أدبى وهى :

  جدة الحدث 

ونقطة التحول اللافتة

والشخصيات التى تخضع للقدر

أولا جدة الحدث

ويظهر هذا بداية من مقدمة الكاتب التى يستلهم فيها   أيه من الاصحاح 23

 (ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون فى مجامعكم وتطردون من مدينة إلى مدينة )

وهذا استهلال يدل جدة الحدث وعلى  الاغتراب كتيمة  ستتناولها الأحداث فيما بعد

لنبدأ مع أول عنوان استهلالي وهو “الغرباء (الذين يعرفون طريقهم جيدآ حتى فى الظلام” 

العنوان الاستهلالى الذى تفتتح به الاحداث هو مفتتح لتعريفنا بشخوص النوفيلا 

العربجى 

الشيخ وهدان

موظف السجل

مدير بنك ناصر وسكرتره

مدرب فريق مصنع الغزل

شيخ المعهد الأزهرى 

هؤلاء الغرباء يستقلون رحلتهم فى قطار الغرباء كرمزية لرحلة الحياة بداية من محطة الركوب حتى نصل الى محطة النهاية

هذا القطار الممتلىء بالشخوص والمصادفات على اختلاف أنواعهم وحكاياتهم وأقدارهم التى سيكشف عنها السرد تباعآ 

يقول 

“ذات مرة جاء بولد فى ….ص7

هنا الشخصية الاساسية هى الولد  وهى العنوان الثانى فى النوفيلا

” الولد الذى يرسم الوجوه فى حجرة مهجورة كان مرصودا للعشق وممسوسآ بالجمال كلما هده الشوق نام وحلم بشوارع وبيوت وناس يسكنونها “

الحلم هنا ركيزة أساسية اعتمد عليها السرد الحلم مع التناقض بين الولد والجدة التى تحلم بالملاك الذى يقبلها وهى نائمة ذلك الملاك الذى سنراه رفيق درب الولد فى الاحداث فيما بعد

” كان كلما هده الشوق، نام ، وحلم بشوارع وبيوت وناس يسكنونها  “

ثانيآ نقطة التحول  الافته 

تيمة تختص بها شخوص النوفيلا حيث تتحول كل الشخصيات تباعآ لأقدارها 

حيث الشيخ الأزهرى الخجول ويقول أنه منتدب فى إشارة لانتهاء قصته سريعآ فى النوفيلا حيث  ينتهى دوره بفضيحة ، ” كان يحتاج إلى فضيحة ليشعر به الناس ” فتلك الفضيحة وتحرشه بابنة صاحبة البيت نقطة التحول التى جعلت الناس يشعرون بالشيخ بل ويتذكرونه كلما مرت فى شوارعهم بنت بعيون شقية ونهدين لعوبين “لابد أتعبا الشيخ الصغيركثيرآ حتى يمسك بهما ” صــ7

الولد الصغير الذى تركته أمه مع جدته وذهبت بلا عودة ” ذات صباح استيقظ ، فوجد نفسه وحيدآمع جدته ،بكى نهارآ كاملا ، كان يعرف ما للمسافات البعيدة من قسوة  “

من هنا كانت نقطة التحول اللافتة فى حياة الولد الذى بدآ يرسم شخوصه ويكون عالمه الخاص به مع الملاك صديقه

وعلى النقيض أيضآ هناك شخصيات أختفت مثل لاعب الكره ، مدير  البنك  وموظف السجل هى شخصيات محددة الملامح متواجدة فى حياتنا بشكل أو بآخر غرباء عبرو دون أن يشعر بهم أحد حتى فى محاولة بائسة للاعب الكرة الذى أحرز فريقه هدفآ لأول مرة فى عادل هيكل فدخل التاريخ دون قصد منه تظهر السخرية لافته من الصورة التى لم يظهر فيها سوى قدمه التى شاطت الكرة يقول ويلتقط مصور جريدة المساء صورة يظهر فيها هيكل وهو يطير والكرة تدخل فى مرماه يظهر فى الصورة كل شىء الا الذى شاط الكرة

” أنا الذى شاط الكرة والله …بص ….دى رجلى “

ثالثآ الشخيصات التى تتبع القدر الخاص 

وباقى شخصيات النوفيلا تتبع قدرها المحتوم والمرسوم فى لوحات الولد البدين الذى يكبر فتتمرد شخصياته التى يرسمها لتتبع قدرها الخاص، الولدهنا  تعبير عن الذات الكاتبة التى ترسم صورا لشخصيات عالمها  وتضع لها قدرها الخاص 

 فيرسم صورة  الملاك والشيطان ويحدث تداخل بينهما  فالشيطان فى رمزية للفضول الذي أدى للمعرفة واكتشاف الذات   “الشيطان هذا هو الذى نبهنا – بعد ذلك – إلى أن الشمس مثيرة كزينب سليمان . وحين قبس منها ،ومررها فى أصلابنا ،نبت فى عاناتنا شعر ، ثم دفع فى جيب أحدنا صورآ لنساء ورجال عرايا وفى أوضاع يخجل الواحد منها “

 ، وفى إشارة أخرى الشيطان هو الشر الذى تجسد فى الوشاية والغواية وتتكشف الاحداث بعدها عن الواشى الذى قصد به الولد البدين  أنه الشيطان ،  “الشيطان هذا كان كامنا لعلى ومارسا تحت السرير ، وهو الذى قال لناشد على كل شىء ودله على سر جرح فى شفة على ،والخدوش الطويلة فى ظهره ، وشرب معه ثلاث زجاجات عند شنودة ، وشنودة أيضآ شرب معهما  ، وكان فى الحقيقة مندهشآ ، فناشد لا يشرب نهارآ ، والشيطان أصغر كثيرآ من أن يشرب كل هذا .  قال الشيطان وهو واقف يتطوح : سيكون هناك دم .

” الشياطين ياجدة لا تحفظ الأسرار ، فليست لها آبار عميقة ، وهى التى ترسل الريح فى ذيل فستان زينب القصير أصلآ ،وتفرصفحات كتاب الجغرافيا  ، فلا تفهم زينب منها  شيئآ ، وتوسوس لجدتها فى تلك الساعة  نأن اذهبى ياذينب  لأم على واطلبى منها غربالا ضيق الثقوب لا تنفدمنه  ولاحتى العفاريت .وهو الذى أشعل الفرن فجرآ  ، وبث فى جسد زينب صهدآ لذيذآ ، وهمس فى أذنها أن دعى أصابع على  تتسلل تحت فستانك  “

وتظهر تيمة والاغتراب كذلك، فنرى الملاك  يرغب أن يتحول لأدمى ليلمس مارثا الجميلة ، كذلك نرى شخصية الشيخ وهدان الأكثر اغترابًآ بين شخوص النوفيلا فهو يغترب عن جسده واسمه؛ ومارثا التى أطلقت جسدها الحبيس لعلى  لتنسج أسطورتها  االخاصة  التي تنتهي بمقتل علي بعد سنوات ألم وجوع ، الولد نفسة الذى يعانى اغترابا بدأ منذ رحيل والدته وتركه مع جدته وحيدآ مع جدته  ثم باقى شخصيات النوفلا . فتظل تيمة الاغتراب هي التيمة الأساسية التى سيطرت على كل الشخوص ، فكلهم ركاب قطار،  فى رحلة من الأغتراب النفسي والمكاني ووالجودى والجسدى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى