أغلال الحرب

سحر هاني السالم | دمشق

وأنا أجلس على الأريكة خلف النافذة
أصغي لصمت المساء
أسمع رفيف أجنحةٍ بعيدة وحفيف أوراق الصفصاف
فيُساقط الهواء رذاذاً على وجهي
النسمةُ باردة وآخر ما كان يفكر فيه
ذلك الجندي الذي نجا من الموت
هو المساومة على الحياة.
عاد منتصراً من الحرب وفي جعبته أصوات رفاقٍ قضوا، ووسام شرف
وراحة يدٍ متحركة
يدُه لم تقوَ على الإمساك بالعصفور
فزرع الشجرة في قلبه
واحتفظ بريشةٍ موشاة في كفه
الحرب ذاتها بدت متعبةً ومتهالكة في طريق عودتها
شعرها الذهبي المتأجج صار بلون السنابل المتفحمة
وأحداقها النارية انطفأت
فلم ترَ بريق تيجان الأشجار الملتهبة المتوهجة
ولم تنتبه للعشب الذي نما فوق أسطح الدور وفوق سحنةِ الركام
على وجوه الناس أيضاً نمت أعشابٌ وطرقاتٌ وخطوطٌ غائرة
فلم تلقِ بالاً لصفير الريح الخاوية وهي تمر بالقرب
الحرب كانت تصفر لكنها لم تكن خاوية تماماً
ففي صدرها وتحت منكبيها ومخالبها تكدس الكثير من الفتات
خراطيش فارغة، شظايا معدن حادة،
شظايا عظام حادة، شظايا أحقاد حادة،
ودماء متجمدة داكنة، ونظرات هلع.
قد لا تتعب الحرب …
لكنها متعبةً مرت فوق النهر البارد
النهر تلحف برداء هشٍّ من الجليد رغم قدوم الربيع
النهر صافٍ ومنعشٌ وعذب
لولا أن الحرب رمت بقايا أشلائها على سطحه
ومثل بلّور رقيق تهشم الصقيع على وجه النهر
وتكشّفَ من بين كسر الزجاج
وجهٌ دائري مضيء بلون الثلج الشاهق
يتراقص بانكسار
أشجار الصفصاف تدمع حتى في الأفراح
وربما احتفلت للتو بمرور الريح القاتمة
فتركت أغصانها متدليةً على حافة الماء
كشعر حورية تغتسل بالضوء
وعلى وجنتيّ سالت قطرات دافئة
بنكهة الملح
مذ سمعت حفيف الشجر ورفيف الأجنحة
لأنني عرفت أن العصافير طارت بعيداً
وتركَت في راحة يده المتحركة ريشة موشاة.
والشجرة التي كبرت في قلبه
امتلأت بأقفاص ٍخالية أقفلت أبوابَها يدُ الحرب.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى