رأيي في الفعل (تَوَفَّى) المبني للفاعل

د. أيمن العوامري | باحث مصري

كثر الخلاف والكلام حول الفعل (تَوَفَّى) المبني للفاعل، ومدى صحته وفصاحته عندما يراد به استيفاء الأجل، والذي في المعجمات أن يقال: (تَوَفَّيْتُ) الشَّيْءَ و(اسْتَوْفَيْتُهُ) إذا أخذته كله حتى لم تترك منه شيئًا، ومنه: (توفاه الله)(1)؛ لكن هل يعني (توفاه الله): أخذه كله ولم يترك منه شيئًا؟! لا أظن هذا؛ لأن المعنى هنا غير مستقيم؛ إذ الموت من الأمور التي لا تقبل التفاوت؛ أي: لا يقع الموت بدرجات متباينة بين الناس؛ وهذا يجعلني أذهب إلى القول بأن (تَوَفَّى) مع الموت عند إسناده إلى المولى -عز وجل- إنما يراد به أحد ثلاثة معانٍ؛ أحدهن: (وَفَّى)؛ أي: أتم الله له أجله، والمفعول هنا محذوف اختصارًا (2)، ثانيهن: (استوفى)؛ أي: طلب وفاءه؛ فيكون المعنى: أن الله -سبحانه- أمر ملائكة الموت بقبضه، ويستلزم ذلك توفيته أجله؛ أي: إتمامه له، ثالثهن: (أوفاه)؛ أي: جعله يتوفى؛ أي: يستوعب أجله ويستكمله، كما نقول: ترضيتك؛ أي: أرضيتك.
وقد يسأل: إذا كان المراد بـ(توفاه الله) وفَّاه أو استوفاه أو أوفاه، فلماذا لم يُعبَّر بذلك من البداية؟ والجواب عن ذلك: أن هذا من التضمين في الصيغ؛ فهو (التضمين) ليس مقصورا على الأفعال؛ فيُعَبَّر بالصيغة عن معنى وظيفي لصيغة أخرى، وبالمادة عن معنى معجمي يصلح لأكثر من صيغة، وفي النهاية المعاني كلها واردة.
أما (تَوَفَّى) عند إسناده للعباد على جهة الفاعلية، فإما أن يكون مع غير الأجل أو مع الأجل؛ فإن كان مع غير الأجل، فهو فصيح كما قرَّر أرباب المعجمات واللغويون؛ فيقال: (تَوَفَّى زيدٌ حقه)؛ أي: أخذه كاملًا من غير نقصان.
فإن كان مع الأجل، فتشهد لصحته، بل فصاحته قراءة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ورواية المفضل الضبي عن عاصم (3)؛ وذلك في قوله جل شأنه: {وَالَّذِينَ يَتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 234]؛ بصيغة البناء للفاعل، وليس بعد السماع إلا القبول والقياس؛ ومن ثم فالفعل (توفى) مع الأجل سواء بصيغة البناء للفاعل أم المفعول فكلتاهما فصيحة لا غبار عليها ولا تثريب على المستعملين.
وأود أن أشير إلى أن صيغة (تَفَعَّلَ) فيها ما فيها من إيقاع الحدث بعد جهد ومزاولة وممارسة (4)؛ فدلت الصيغة نفسها (تفعَّل) على حرص النفوس على الحياة وتشبثها بالدنيا وخوفها من الموت؛ وكأنها وهذه حالها تحتاج إلى معالجة وممارسة وجهد؛ وهذا عندي من الاستعارة التصريحية التبعية في الصيغة؛ إذ شبه الإفعال بالتفعُّل، بجامع المزاولة والممارسة، ثم سرى التشبيه من الكليات إلى الجزئيات؛ فصار بين بين أفعل وتفعَّل، ثم حذف المشبه، وصرح بالمشبه به.
___________________
(1) ينظر: ابن فارس: مقاييس اللغة، مادة (وفى).
(2) يريدون بالاختصار الحذف لدليل، وبالاقتصار الحذف لغير دليل؛ وهو تنزيل للمتعدي منزلة اللازم.
(3) ينظر: ابن عطية: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1422هـ، (1/314).
(4) ينظر: سيبويه: الكتاب، تحقيق: عبد السلام هارون، ط3، الخانجي، 1988م، (4/72).
___________________
أيمن العوامري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى