التسبيح أقوي علاج للهم وضيق الصدر

د. عادل المراغي| أكاديمي وأديب مصري.

من أجمل الكلمات التي قرأتها عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله 🙁 لَمْ أَرَ أَنْفَعَ لِلْوَبَاءِ مِنَ التَّسْبِيح) ولو تأملنا كلمة الشافعي ودندنا حولها لوجدنا أن الكون كله يسبح تعظيمًا للخالق.. ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)، 

فالتسبيح كامن في صوت الطيور  وخرير الماء وحفيف الأشجار وهديل الحمام وهدير الرعد، وعواء الذئاب وزئير الأسود ونقيق الضفادع ودوي النحل، وصياح الديكة وزقزقة العصافير وعباب البحر ونسمات الهواء.(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)( يسبح لله ما في السموات والأرض).

ولقد جاء التسبيح في القرآن بمختلف تصاريفه وصيغه في سبعة وثمانين موضعا، وافتتحت به سبع سور سميت (المسبحات) وهي: الإسراء والحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن والأعلى، وختمت به سور الحجر والطور والواقعة والحاقة.

والفعل «سبح» قد يتعدى بنفسه بدون اللام كقوله تعالى: ﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 42]، وقد يتعدى باللام كقوله﴿سَبَّحَ للهِ﴾ [الحشر:1]، وعلى هذا فسبحه وسبح له لغتان كنصحه ونصح له، وشكره وشكر له.

ومن تصاريف التسبيح، الفعل الماضي (سبح) والفعل المضارع (يسبح)  والفعل الأمر (سبح) والمصدر ( سبحان).

وإنما عبر بالماضي تارة وبالمضارع تارة وبالأمر تارة أخرى وبالمصدر تارة رابعة ليبين أن ذلك التسبيح هو شأن أهل السماوات وأهل الأرض وجميع المخلوقات والجمادات ، ودأبهم ولا ينقطع ابدا، فالله تعالى سبح نفسه بنفسه وإن لم يسبحه العباد.

 و يأتي لفظ سبّح بمعنى قدّس ونزّه ومجّد عن كلّ نقصٍ وعيب، والتّسبيح: هو قول لفظ ( سبحان الله) الذي يعني؛ تمجيد الله تعالى وتنزيهه عن كلّ نقص؛ فهو الكامل عن كلّ عيبٍ سبحانه. والمسلم يسبّح الله تعالى حتّى ينزّهه عن النقص، وليحمده ويثني عليه؛ لتمام كماله، ويسبّح الله تعالى كذلك حين ينبهر ويتعجّب من رؤية مظاهر قدرته وعظمته سبحانه، فيذكر الله تعالى بتسبيحه، ولقد تكرّر لفظ التّسبيح في القرآن الكريم مراراً؛ حتّى يتدرّب لسان المسلم على لفظه ويتعوّد تكراره على الدّوام، فورد التّسبيح في القرآن الكريم عند ذكر تفرّد الله تعالى بخلق المخلوقات دون سواه، حيث قال تعالى: ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ).

 كذلك ورد التّسبيح في القرآن الكريم؛ ليتحدّث عن حِكمة الله تعالى في خَلقه.

 وورد التّسبيحُ حين ذكر الله تعالى مظاهر قُدرته في تبديل الّليل والنّهار وطلوع الشّمس وغروبها، قال تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ).

 فضل التّسبيح. 

يعدّ ذكر الله تعالى عموماً من أعظم العبادات التي يتقرّب بها المسلم إلى ربّه سُبحانه، وقد ورد في فضل الذكر أحاديثٌ عظيمةٌ جداً، منها قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ( ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مليكِكُم، وأرفعِها في درجاتِكُم وخيرٌ لَكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ، وخيرٌ لَكُم من أن تلقَوا عدوَّكُم فتضرِبوا أعناقَهُم ويضربوا أعناقَكُم؟ قالوا: بلَى، قالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى قالَ معاذُ بنُ جبلٍ: ما شَيءٌ أنجى مِن عذابِ اللَّهِ من ذِكْرِ اللَّهِ)، فهذا شيءٌ من فضل الذّكر عموماً.

وقد أمرنا الله تعالى بالذكر وخص التسبيح من بين الذكر لأهميته ،ومن باب ذكر الخاص بعد العام عند علماء اللغة لأهمية،قال تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا).

 وللتسبيح فضائل مخصوصةً ورد فيها العديد من الآيات الكريمة، منها ما يأتي.

١- التّسبيح سببٌ لإزالة وهن النّفس ورفع الهمّة، فقد أوصى الله تعالى نبيّه أن يسبّح الله تعالى بعد كلّ التّكذيب الذي عايشه من قومه؛ وذلك لرفع همّته وإزالة الوهن والضّعف الذي صار إليه، قال تعالى: (فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ).

٢-التّسبيحُ سببٌ جالبٌ للنّصر ومعونة الله سبحانه إذا قُرن بالاستغفار؛ فقد قال تعالى موصياً نبيّه عليه السّلام: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ).وقال تعالي: ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِين* ).. [الحجر – 97 : 98]. وهذه الآية الكريمة تضمنت علاجين لضيق الصدر وزوال الهم .

أولهما: التسبيح وهو ما ورد في القرآن الكريم في العديد من المواضع المختلفة.

ومن فوائد التسبيح:

– يرضي الله عز وجل.

– تطرد الشيطان.

– تجلب الرزق، وتبارك فيه.

– تقوي عزيمة القلب، والنفس.

 فالتسبيح أنجع علاج يقي من وَحَرِ الصدر ومما يتعرض له الإنسان من ضغوط عصبية ونفسية وبشرية.

 والله تعالى يقول: (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) لأنه كان في ضائقة كبيرة، فقد كان في ثلاث ظلمات، ظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر، ومن دخل بطن الحوت كيف يخرج؟!!.

فكان في غم وكرب وهلاك محقق أحاط به من كل جانب، فمالذي أنقذه منه؟ وأفضل الذكر وتاج التسبيح ووصية الخليل عليه السلام لسيد الخلق في رحلة المعراج وهي الباقات الصالحات (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

ومن لطائف القرآن الكريم أن الله تعالى قرن بين الباقيات الصالحات والمال والبنين في سورتي الكهف ومريم، قال تعالي في سورة الكهف:( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا).وفي سورة مريم قال جل شأنه:( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا).

ثم جاء الحديث بعدها عن المال والولد (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا)والسبب في ذلك أن الناس يتفاخرون في الدنيا بالمال والبنين، أما الفخر يوم القيامة فيكون بالباقيات الصالحات وهي الكلمات الأربع.

وكلمة (سبحان الله) التي نقولها عقب الصلاة ثلاثا وثلاثين مرة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلَّم في كنهها:

{(الْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)تملأ ما بين السماء والأرض حسنات وخيرات ومبرات لقائلها عند الله سبحانه وتعالى.

ولذلك كان سلفنا الصالح يعلموننا أن الإنسان لو تعجب من أمر، أو أصابه أمر يعرضه لضيق، فأول ما ينطق به ( سبحان الله) فلو قال لي أحد كلمة تغيظني أقول: (سبحان الله) فسبحان الله تطفئ نار الغيظ بداخلي على الفور، لأنها كلام أناجي به  من يقول للشيء كن فيكون.

الأمر الثاني:

السجود لقد فرض الله تعالى علينا الصلاة وجعلها من أهم العبادات التي يُسأل عنها العبد يوم القيامة، وجعلها عز وجل من أهم أركان الإسلام الأساسية التي لا يكتمل إيمان المرء من دونها، ويتشدد الإسلام مع تارك الصلاة عمداً معتبرًا إياه خارجًا عن الدين وغير مسلم، ومن تركها متكاسلاً يصبح عاصياً وعليه التوبة.

والسجود في معناه العام هو الخضوع والتذلل لله ابتغاءً لفضله وغفرانه ورحمته، ويتم ذلك بوضع الجبهة على الأرض مع ملامسة اليدين والركبتين والأنف وأصابع القدمين للأرض، وهذه الطريقة تنطبق على جميع أنواع السجود من سجود الصلاة العادية، وسجود السهو، وسجود التلاوة، وسجود الشكر.

 ومن فوائد السجود:

١- إن السجود يقرب العبد من ربه، ويوثق الصلة به، ويعتبر السجود رفعة للعبد، ففي كل سجدة يرتفع درجة، وينهى السجود عن الكبر.

٢- وإن السجود يهدئ النفس ويزيل التوتر والقلق.

٣-والسجود يجعل الإنسان يشعر بضآلته وضآلة مشاكله وهمومه ومخاوفه أمام عظمة الله وإعجازه فيشعر بالاطمئنان.

٤- وأثبتت الدراسات أن السجود يزيل الغضب، ويزيل الأرق ويساعد على النوم العميق والمريح.

٥- وتتساقط الذنوب عن العبد في سجوده وكلما طال سجوده تساقطت عنه ذنوب أكثر.

والمتأمل لحياة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه مر علي جسر من الابتلاءات والمصائب التي لو صبت علي جبل لتصدع .

*صبت عليه مصائبٌ لو أنها*..

                  *صُبت على الأيام صرن لياليا*..

 تعرض لضغوط عصبية ونفسية لا تتحملها الجبال، مرة يقولون عنه ساحر، ومرة يقولون عنه مجنون، ومرة يقولون عنه كاهن .. أوصاف تولَّى الله بذاته الرد عليها.

يقولون: شاعر، فيرد الله تعالي عليهم: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ)ويقولون: كاهن،فيرد  الله تعالي عليهم : (وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ)  واتهموه بالجنون ،فرد الله عليهم بقوله (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) 

اتهم في عرضه وشرفه، فنزل الوحي الشريف آمرا له بالتسبيح حتي تنجلي الهموم وتتبدد الغموم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى