بين نزار وصديقي والحرية

طه المراغي / مصر

صديقي محب للشعر ، مغرم برقيق الكلام ولكنه ليس خبيرًا بمترادفات العربية ومعانيها ودقائقها ، عرضت عليه من شعر نزار في حنان الأم قوله :
“مضى عامان يا أمي
على الولد الذي أبحر
وخبّأ في حقائبه
صباح بلاده الأخضر
وأنجمها وأنهرها وكل شقيقها الأحمر
وأحلامي عصافير ..
تفتش – بعد – عن بيدر
عرفت نساء أوروبا ..
عرفت عواطف الاسمنت والخشب .
عرفت حضارة التعب
وطفت الهند ، طفت السند ، طفت العالم الأصفر .
ولم أعثر على امرأة تمشط شعري الأشقر”

فطرب وتهلل واستحسن وبالغ في الثناء .
رائع لكن ما معنى (بيدر) التي يبحث عنها العصفور ؟ ، سألني .
قلت -مداعبًا- سأعطيك اختيارات وخمن ..ما عساه يكون المعنى؟
قال مبتسمًا “هاتِ ما عندك” .
قلت البيدر هو ” القمح – القفص – الجناح” ، اختر.
قال : الجناح مستبعد ؛ جناحه رفيقه وملاصقه ؛ فلن يفتقده حتى يبحث عنه.
الإجابة ما بين القمح والقفص ، الأمر محير .
قلت : لله أنت ! أيبحث العصفور عن قفص ؟! أيبحث صاحب الجناحين يحلق بهما في كون الله الواسع عن قضبان تضرب بينه وبين متعة الحياة وسرها حاجزًا؟!
يسبح في دنيا الله متنقلًا تحت سماء الكون الواسع محلقًا فخورًا تقله أرض واسعة وتظله سماء ماتعة ، يأتيه رزقه رغدا من كل مكان ، يعلو أنّى شاء ويهبط متى أراد ، ثم يبحث عن قفص يرديه وحبس يشقيه ؟! يستبدل جور البشر بعدل الله؟!
سامحك الله وغفر لنا ولك .
رد صديقي مبتسمًا : عذرًا ما دار بذهني كل هذا .
لكن دعني أشاكسك ، أليس القفص لهذا الضعيف خيرٌ مكانًا وأكثرأمنًا؟
ماله يضيق بقفص يؤويه وبيت يحميه ؟ أليس مخلوقًا ضعيفًا ، حريته في معترك الحياة خطر عليه ؟
ألا يكمن في قفصه مطمئنًا بعيدًا عن المخاطر ، يأتيه طعامه وشرابه ، لايشغله تربص صقر في جو السماء ولا شَرَك صياد على سطح البسيطة ؟
قلت : هذا حال الأنعام وقانون وجودها ، ترضى بمقودها وتتبع من يطعمها ويسقيها ، لايُرفع لها رأس ولا يرى لها بأس ، ثم يكون مآلها الذبح .
أما ما فوق الأنعام فتأنف نفوسهم أن تستبدل أطايب الحياة ب ” فومها وعدسها وبصلها ” .
يفهمون أن الحرمان من الحرية بدعوى البعد عن المخاطر موت معجل .
فما قيمة هذه الفانية إذا فقدوا أثمن ما فيها ؟!
يا صديقي لا يقبل من اصطنعه الله حرًا أن يرضى بسجن وطعام بيد متحكم إذا شاء أعطى وإن أراد منع .

انتهى المقال ، ويبقى أن أشير إلى عشقي لقصيدة نزار ؛ لذلك قمت بتسجيلها ورفعها على قناتي على اليوتيوب ، وهذا رابط القصبدة
https://www.youtube.com/watch?v=BBQ6xNP-x24&t=8s

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى