وا شوقاه للبدايات…

واشوقاه للبدايات الجميلة ..
والدوحات الظليلة
والنسمات العليلة..
والطيور على أشكالها،
والشمس بجدائلها وضفائرها..
و الازهار بخمائلها .
والندى على العشب الأخضر مع ضوء الصباح لؤلؤ منثور..

كنت أسير والكون يلفني
والسماء تظلني
الأرض، بساط أخضر يمتد أمامي
، والحقل المزركش باخضراره وجداوله يحيط بي ويملؤني..
أسمع شقشقة العصافير عند الغلس ..
ولا أعبأ بنعيق غراب عابر يتخللها
.. ألمس الزهور الناعمة بيدي
ولا أحزن حين تنال من أصابعي الصغيرة وخزة سريعه لشوكة مختبئة، غافلت عين حارث ، فلم تُخَضد بعد..

أسيل مع جداول الماء.. مترقرقا عند البحر الصغير .. وأتذكر جهادنا ضد الحملة الفرنسية التي كانت تمخر بمراكبها عباب بحرنا لتلاحق المجاهدين من آل طوبار..

أقفز إلى الماء جذلا.. ليبتلعني البحر الي حين
أخرج بعدها للشمس الدافئة..
فيتبخر بلل ملابسي أمام عيني في لحظات
.. أصنع من الطين الأسود حصانا ..وأفشل في تثبيته متوثبا على الأرض غير المستوية
… يناديني أبي :.. تعال … خذ هذه..
فأمد يدي الصغيرة في حبور ..
وأتناول منه مشدوها ثمرة عنب أحمر برى، تدلت عنوة متهادية على غير إرادتنا، بين اوراق زرع غرسته أيدينا ، ولم نغرسها!

.. أرمي بصنارتي في البحر ..
وأتوهج طربا حينما تداعبها سمكة شاردة..
وأظل أرخي لها خيطي توددا.. حتى أخرجها من عالمها فرحا بها ..كما لو كنت انا من صاغها في قالب براءتي الصغير
كنت أحب الناس جميعا ..
ولا أعرف أنه كان ينبغي عليّ أن أقتصد في محبة بعضهم،
كنت أمشي بين الحقول
مشرع العينين..
مورق القلب ….
حافيَ القدمين
.

أفرح حين يدنو العيد متبسما
كان مظنة لهو ولعب وحلوى..
ونعل جديد ..وثياب قطنية قد حاكتها يد الحائكة من فرح الحقول ..وألق الربى ..
كنا .. وكنا.. وكنا…
ثم..
ولّى الزمان ..ولم يستدر كهيئته …
مات أبي وأنا ارسف في ربقة الأسر بائسا مكبلا …!
وحتى تحررت ارادتي
وانفلت قلبي من بهو الطغاة..
هجرتُ الحقل مكرها…
ومنذ سنوات لم أزره ..
حتى إذا ما دنوت منه عن غير قصد ..أو أخذتني إليه خطاي غريبا على حين سهو ..أو شرود..
أسرع مبتعدا ولا أدرى لماذا ؟!!.
.
ليتنا نعود صفحة بيضاء كيومها ..
ولكن هيهاااااااااات ….
تكدّر الماء بعد نقاء
ورنق بعد صفو
و كثر النقش على الصفحة ..
وكثر المسح أيضا ..
فتغبشت الصورة ،
واستحال بياض الأوراق إلى لون قاتم ،
تتخلله نقاط رمادية، وثقوب سوداء …..

تذكرت هنا ما أضناني الهروب من تذكره..

تذكرت شيئا قد مضى لسبيله
ومن عادة المحزون أن يتذكرا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى