رفائيل فلسطيني..!

أسامة العيسة |  فلسطين

في داخل مقبرة الروم الأرثوذكس في بيت لحم، يختبئ كنز، ممثلاً بهذه المنحوتة الحجرية (الصورة)، تمثّل جانب قبر حوفظ عليه ببناء مقصورة عليه.

القبر لشاب مغترب من بيت لحم ولد في هاييتي، ومات شابًا عام 1932، فبنى والده له قبرًا. من الواضح أنه اشترى خدمات أفضل نحاتي البلد في بداية عقد الثلاثينات.

فن النحت على القبور في فلسطين، لم يدرس بعد على ما أظن، ويهتم به الآن المثّال جورج نسطاس، الذي يتفق مع حارس المقبرة، على أن هذه المنحوتة هي الأفضل والأكثر فنيًا من غيرها في المقبرة.

تمثّل اللوحة مشهد إنزال المسيح عن الصليب، وهو موضوع شائع لدى الرسامين، ومن أشهر اللوحات لوحة لرفائيل، التي رسمها عام 1607.

لست في وارد المقارنة بين لوحة فنان عصر النهضة التي أظهر فيها إتباع المسيح وهم ينزلونه عن الصليب مفعمين بالحزن، والفنان الفلسطينيّ الذي نجهل اسمه، ولكن الاختلاف واضح جدًا في مسألة التعاطي مع الحدث، والذي يُمثّل في درب الآلام في القدس، في المرحلة الثالثة عشرة وقبل الأخيرة، في مسيرة آلام السيّد المسيح. من الغريب أن تأثير ذلك ضعيف في الأدب العربي، سنجده فقط لدى شعراء حقيقيين، مثل بدر شاكر السياب:

بعد أن سمّروني وألقيت عينيّ نحو المدينة

كدت لا أعرف السهل و السور و المقبرة

كان شيء مدى ما ترى العين

كالغابة المزهرة

كان في كلّ مرمى صليب وأم حزينة

قدس الربّ

هذا مخاض المدينة

تظهر في اللوحة، مريم العذراء والدة السيّد المسيح، بوجهها الذي دوره النحات الفلسطينيّ، وهو يستوحي وجهًا نسائيا مغرقا في المحلية. نعرف ذلك من بعض الصور لنساء بيت لحم، التقطت منذ منتصف القرن التاسع عشر.

تمسك السيدة العذراء بيدها اليسرى، يد المسيح المنهك المتألم اليسرى، بينما ترفع يدها الأخرى نحو السماء، وتشيح بوجهها، متألمة وآملة. “فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَعْظُمُ النَّوْحُ فِي أُورُشَلِيمَ” زكريا 11:12

إلى يسارها يقف، ما أعتقد أنّه يمثّل يوحنا، القريب إلى المسيح، والذي أوصاه بأُمّه العذراء. يوحنا صاحب الإنجيل الأهم، غير الإزائي، وأيضًا مؤلف سفر الرؤيا، القصيدة الخالدة.

يضم يوحنا يديه معًا، ويراقب ويتأمل، ويفكّر في مسؤوليته تجاه والدة معلمه. إلى يمين اللوحة، يقف ما أعتقد أنّه يوسف الرامي، مؤيد المسيح الخفي، الذي طلب من بلاطس جسد المسيح، ليدفنه. يظهره النحات وقورًا مسؤولاً يشي زِيه على مكانته الاجتماعية، ويشرف على عملية إنزال المسيح، تمهيدًا لدفنه.

وبدا كأنه يوجه نيقوديموس تلميذ المسيح بالخفاء أيضًا، الذي ساعد يوسف الرامي على الدفن، يظهره النحات الفلسطيني، كرجل صغير، ربما ليوحي بمكانته كمساعد أو خادم لدى يوسف الرامي. ومنفذ أوامر.

لم تتوفر للنحات الفلسطيني، أيّة أدوات كهربائية، تساعده على إنجاز منحوتته، التي لا يجب النظر إليها، من منظور المدارس الفنية الأكاديمية، إنما من أهمية فطرة النحات الفنية عميقة الغور، وامتلاكه لتقنيات أبرزت تفاصيل اللحى، والأردية، والوجوه، وجسد المسيح، الذي تجسدت فيها نبوآته من الصلب، وتحطيم الركبتين، والاقتراع على ملابسه.

يمكن فهم مستوى المنحوتة الفني بدراسة أوسع، عن النحت الفلسطيني المحلي، في تلك الفترة، التي برز فيها مثّالون، في ظروف سياسية واجتماعية حرجة، ولكن ازدهرت فيها حركة البناء بالحجر، وكانوا أوفياءً لترث طويل من فن الحجر الفلسطيني، لم يدرس بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى