أميركا والعالم على مفترق طرق :إما الفاشية أو قدر من العدالة للمضطهدين

سعيد مضية | فلسطين

حلفاء أميركا لم يخفوا الحرج من الأحداث المترتبة على اغتيال الأميركي الأسود، جورج فلويد. حتى أن جونسون، رئيس الحكومة البريطانية خاطب ترمب بشيء من التقريع، إذ عبر عن الاشمئزاز والامتعاض لدى مشاهدة طريقة الاغتيال. وهذا رد فعل لما اظهره ترامب في هذه الأزمة من تبلد الأحاسيس وخلو الوجدان من قيم الإنسانية. هذا الذي وصفه نعوم تشومسكي “مصاب بجنون العظمة”، كشف استخفافه المتكرر بالقوانين وبالقرارات الدولية وبحقوق الإنسان عن مرض نفسي، وليس مجرد صلف الدولة العظمى.
ترمب متورط حتى أذنية في قضية إيبستاين ، تاجر الجنس بالقاصرات. نقل عن ترامب، زبون إيبستاين، إدمانه مضاجعة القاصرات لدرجة ان ابنته تدخلت لمنعه من ذلك. ونقل عنه ان إحداهن توسلت اليه ان لا يقربها ، لكنه هجم عليها كالوعل. وبعد انتهاء العملية اشتكت كيف تتصرف لمنع الحمل! اخرج محفظته من جيبه وألقى اليها بأوراق نقدية وقال إذهبي لأي طبيب وهو يحل مشكلتك ! كأنّ إيفان شبيغل، الرئيس التنفيذي لشركة “سناب” (المسؤولة عن “سناب تشات”)، يعبر عن غضب الجمهور الأميركي، حين كتب في مذكرة، “قلبي منفطر وأشعر بالغضب حيال طريقة التعامل مع السود والمتحدرين من عرقيات مختلفة في أمريكا”.
اميركا والرأسمالية عموما تحتوي على جرثومة الفاشية؛ والعهد قريب بالمكارثية، استبدت وجمحت تطارد حرية التعبير، والعهد أقرب إذ صادقت مجالس سبع وعشرين ولاية أميركية خلال السنتين الماضيتين على تجريم انتقاد إسرائيل. الديمقراطية البرجوازية مؤقتة ومشروطة باستتباب الهيمنة للرأسمال الاحتكاري.”فإذا ما تأزم الوضع بإخفاق الفئة المهيمنة (وهذا ما يجري الآن في الولايات المتحدة) في فرض هيمنتها على الفئات الأخرى في داخل الطبقة المسيطرة بما يحقق هذه السيطرة”.
كتب مهدي عامل قبل عقود، “فإن جهاز الدولة المنوط به الحفاظ على هذه السيطرة يتدخل بصورة مباشرة، ويتراجع دور الأحزاب لصالحه، فيعمل على تعليق الديمقراطية الليبرالية لصالح فرض هيمنة الفئة المهيمنة بالقوة والقمع الفاشي المباشر، بما يضمن تجديد سيطرة الطبقة البرجوازية بوصفها كلا”.
يفصل هذه الحالة مقال للكاتب الأميركي التقدمي، باول ستريت، نشر في 3حزيران، اورد فيه: كشفت المظاهرات في الولايات المتحدة عن حقيقة بأربعة بنود: اولا في البيت الأبيض نظام فاشي عنصري؛ وثانيا طبقة حاكمة من البيض تتحكم في الجمهور بطرق عدة، بما في ذلك فرق تسد. يتداول الإعلام الموالي لترامب عبارة “المعتاد الصحيح”، وترجمتها أن يقبع الجميع في بيوتهم، ويدعوا الطبقة الحاكمة تدير البلاد والعالم بينما ضباط البوليس البيض وحراس السجون وحرس الحدود يغتالون الناس الملونين ويفلتون من العقاب.
والبند الثالث الأوليغاركية، الفاشية اتهمت زورا المتظاهرين ب”سكب الدم البريء” يا للفظاعة!، وأطلقت صفة “الجريمة ضد الرب” على المظاهرات. لم تنبس الطبقة الأوليغاركية بكلمة حول اغتيال الشرطة لجورج فلويد التي شاهدها الملايين في أميركا والعالم – الحدث الذي قدح شرارة الاحتجاجات الوطنية. اما ترامب فقد شوه الحراك الشعبي متهما إياه انه من أيدي “فوضويين محترفين، رعاع عنيف، مخربين ونهابين وحركة ‘انتي فا’[مناهضة الفاشية] وغير ذلك”، وهدد باقتراف جريمة حرب بتوجيه الجيش ضد الجمهور لقمع حقه في حرية التعبير والاجتماع. الشعب بات يدرك أكثر من أي وقت مضى أنهم واحباءهم فائضون عن الحاجة في حسابات لوردات الرأسمال، ومالكي المننتخبين للهيئات التمثيلية بعد أن تم شراؤهم وتقبيضهم الثمن.
“اما الحقيقة الرابعة فالعديدون فهموها كما لم يفهموها من قبل ان عنصرية ترامب جزء من فاشية جديدة متعددة الجوانب يقتضي الخلاص منها، مكافحتها في الشوارع وليس فقط في صناديق الاقتراع”.
وأضاف ستريت، “بدلا من التركيز على شكاوى المحتجين – مثل العنصرية المنهجية ووحشية الشرطة فإن ترمب ، حسب تعبير إن بي سي نيوز” قد حول تركيزه بصورة متزايدة على سحق الاضطرابات المدنية التي رافقت المظاهرات، واتخذ موقفا متشددا لاستعادة النظام. أطلق ترامب صفة الحركة الإرهابية على حركة مناهضة الفاشية، ويمكنه الثبات على اتهامه كي يدعي انه “يردع الإرهاب”. حتى بريت بهارارا، الذي عمل مدعيا عاما في المنطقة الجنوبية من نيويورك إبان إدارة اوباما صرح لفضائية سي إن إن يوم الأثنين (1يونيو) الماضي أن لترامب ساق يقف عليها بقانون التمرد… وأي ورقة تين قانونية يمكنه تسخيرها، فهو القائد الأعلى لأعظم قوة عسكرية في العالم.”
ثم مضى الى القول، “أصاب ويليام ريفرز كبد الحقيقة، إذ كتب على موقع ‘تروث إن ميديا’ يقول ‘إنها لحظة تجمّع الأسباب بالنسبة لأميركا ، لحظة يمكن أن تميل لهذا الجانب او ذاك. فإما أن نحصل على قدر من العدالة عبر الجهود المثابرة، او أن ردة فعل السلطوية التي شرعت التحرك سوف تقذفنا الى ظلام دامس لم نجربه أبدا إذا ما ضعفنا او تعثرنا. علينا ان لا نضعف أو نتوقف. بمقدورنا كتابة مستقبل أفضل إذا ما صدقنا مع بعضنا البعض ومع كتيبة الضحايا ، الذين يصرخون من أجل العدالة من خلف ستار هذا الأسى بدون قرار’.
وتقحم الصراع الدائر على كل الجبهات داخل الولايات المتحدة باول كريغ روبرتس، مساعد وزير المالية سابقا ومحرر سابق في وول ستريت جورنال، ويكتب حاليا على موقع “كاونتر بانش”، فألقى الضوء على تغييب الحقيقة في الولايات المتحدة: لا تروج غير الحقيقة الرسمية قي أميركا “الحرية والديمقراطية”، وهي أكذوبة كبرى. وكل من يتكلم الحقيقة ينبذ ويعتبر “منظر المؤامرة”، “عميل روسي، “عنصري” او “معاد للسامية”، أو اي اسم من هذا القبيل بهدف نزع المصداقية من الرسالة والمرسل. وهذا أسلوب الفلشية في التصدي للأفكار المخالفة. وفي زمن مكافحة الشيوعية يكفي القول هذا شيوعي، او تلك فكرة شيوعية !
ويقول: عندما كتبْتُ في عرض كتاب ديفيد إيرفينغ، “تواريخ الحرب العالمية الثانية”، نقلت ما توصل اليه المؤلف أن يهودا كثر قتلوا على أيدي النازيين، غير أن الهولوكوست التي حدثت تختلف عما أوردته الحكاية الرسمية. وفي الحال ضمن عملاء الصهيونية لقب “ناكر الهولوكوست” سيرة حياتي؛ ببساطة فإن نقْل ما توصلَتْ اليه ابحاث مؤرخ لدى عرض الكتاب هو كل ما يتطلبه الأمر لدمغ الناقل بما يمكن أن يدخله السجن لو توجه الى أوروبا، حيث سيطلب الصهاينة هناك اعتقالي.
ولأنني قمت بتقصي حادث الهجوم الإسرائيلي على البارجة الأميركية ، ليبرتي، من خلال إجراء مقابلات مع الناجين، وذكروا الحكاية كما جرت، الصقت بي تهمة “اللاسامية”
ولأنني كتبت عن استنتاجات العلماء والمهندسين والمهندسين المعماريين ممن بحثوا في تفجيرات 11 أيلول صرت “منظر مؤامرات”. بكلمة في أميركا اليوم لا يتسامحون مع كل معارض او مع ما يكتبه المعارض، بغض النظر عن الحقيقة.
وواصل الشكوى المرة: وإذا كنت صاحب شركة أدوية كبيرة او تعمل في البحوث الدوائية معتمدا على منح تقدمها شركات الأدوية، وترغب في ابتكار مصل، وليس دواءً، فأنت مضطر للانتظار طويلا ، بافتراض احتمال التوصل الى مصل فعال وسليم، وليس الدواء. وإن كنت طبيبا منخرطا في معالجة مرضى كوفيد 19، فأنت تطلب الدواء أو معالجة تمنع تطور المرض. أدوية أثبتت نجاعتها مثل هايدروكسيكلوروكوين أو الزينك او فيتامين سي بالوريد. الدواء الأول تعرضَ للذم من قبل شركات الأدوية الكبرى وعملائها. تثار حول الدواء دعايات مغرضة يسبب أزمات قلبية، كل ذلك من أجل المال. وبكلمات الأرباح تقدم على الرعاية الصحية وإنقاذ الأرواح؛ فلا أرباح تصب في خزائن شركات الأدوية الكبرى ما لم يوقف استعمال هذا الدواء. السباق من أجل المصل جار على قدم وساق، نظرا لكون الجميع يرغب في الأرباح من وراء براءة الاختراع. بدلا من ذلك يتوجب بذل الجهود في تجربة ما يفيد كعلاج أو على الأقل منع تطور الفيروس. اما المصل فقد يكون بلا جدوى، وإذا ما تم الاندفاع في العملية فربما يلحق الضرر بالناس جراء المصل، تماما مثل الفيروس.
خلاصة الأمر، بات كوفيد 19 حاليا بيزنيس ضخم لشركات الأدوية ولمحامي الإفلاس وللقطط السمان الذين بمقدورهم بمبالغ قليلة شراء شركات تعرضت للإفلاس، وكذلك لمتعهدي العمال، يستأجرون أولئك الذين فقدوا وظائفهم ليقدموهم بأجور أدنى الى الورش التي استغنت عنهم. مصالح عديدة تستفيد ، والجمهور هو الخاسر.
أميركا بلد العنصرية والجنس والعسكرة ورهاب الأجانب، حيث سياسات ترامب تمثل القيم الأميركية خير تمثيل. هذا ما نقله المؤرخ الأميركي، لورنس دافيدسون، في الرابع من ديسمبر 2018 عن مقال نشرته فضائية الجزيرة، كتبه حميد داباشي، البروفيسور بجامعة كولمبيا. تحدى حميد داباشي في مقاله المنشور في الخامس عشر من نوفمبر 2018 ما يشاع على نطاق واسع من أن “الروح الأميركية شيء جيد وحتى نبيل بشكل لا قرين له بالكون”.
ومضى حميد الى القول بأن معظم من يحملون هذه الفكرة يؤمنون ان الرئيس الأميركي دونالد ترمب وسياساته وممارساته لا تمثل القيم الأميركية الحقيقية. ينطلق داباشي من أن هذه المعتقدات المثالية ليست سوى ‘خدع تاريخية’. في الحقيقة، قد نكِلّ في البحث كي نجد لحظة في التاريخ الأميركي لم تكن المظاهر الكريهة للعنصرية والجنس والعسكرة ورهاب الأجانب تغلف هذه الروح الأميركية. علاوة على ذلك يخطئ من يتصور الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يمثل القيم الأميركية. حسب وجهة نظر داباشي فإن سياسات الرئيس ترامب وممارساته تمثل حقا ما هم عليه الأميركيون حقا. وفي الأغلب فإن الديمقراطيين والجمهوريين قد دعموا ديكتاتوريين وتعهدوا قيم التوحش لدى شعوب بكاملها.
لاحظ حميد داباشي أن اوباما هو الرئيس الذي “منح إسرائيل بلايين الدولارات كي تذبح على راحتها شعب فلسطين”. وفي مجال السياسات الخارجية فكل رئيس سبق اوباما تصرف بنفس الأسلوب المقيت ، او أسوأ.
أخيرا لاحظ لورنس دافيدسون ان حميد داباشي “اتهم الحزب الديمقراطي المعارض لترامب أنه ‘فاسد بنيويا’، لا ينطوي على أي سياسة تقدمية”. وحقا ما ذهب اليه داباشي فالخلاف بين الحزبين شكلي لذر الرماد بالعيون. لو كان الحزب الديمقراطي جادا في تقديم ترامب لمحاكمة تدينه لأورد حيثيات قضية المغدور إيبستاين الذي قضى او قضي عليه وهو داخل زنزانة انفرادية بالسجن، فأغلقت بوفاته ملفات حافلة بالإجرام شارك فيها ترمب، منها جريمة تجنيد القاصرات للدعارة والتقاط صور زبائنه في الفراش لأجل ابتزازهم للعمل لصالح جهاز مخابرات. والصور عديدة تجمع إيبستابن وترامب. والحقيقة إن قيادة الحزب الديمقراطي عملت على ترشيح بايدن، لأنه من شاكلة ترامب، عميل الاحتكارات ، وهو غير مؤهل لمنافسة ترامب على منصب الرئاسة.
ربما كان حميد دباشي مغاليا حين اعتبر أميركا ليست، كما يزعم الليبراليون، منقسمة على نفسها؛ فهي بدون أدنى شك، مجتمع عنصري، متحيز جنسيا مصاب برهاب الأجانب يسوده العنف، مهووس بالعنف المسلح في الداخل والغزو العسكري في الخارج، مع شراذم مبعثرة هنا وهناك من الليبراليين أصحاب النوايا الطيبة. غير ان المظاهرات إثر اغتيال فلويد قد أكدت وقوف معارضة شديدة حين تفرز تلك الممارسات الفاشية والعنصرية.
أخيرا نقدم شهادة ضد انصار ترمب من الإنجيليين، مؤيدين لإسرائيل وفي نفس الوقت معادين للسامية: أرييل غولد مناضلة يهودية ضد الأبارتهايد في إسرائيل. قدمت إلى إسرائيل في زيارة، و”بعد ساعات سبع في حضرة المحقق الإسرائيلي، أُبلِغْتُ ان إردان قد الغى الفيزا الممنوحة لي لدخول إسرائيل وسأعود مباشرة الى الولايات المتحدة”. كتبت في مقال لها نشر في 15 أيار 2020.
إردان كان يشغل منصب وزير الأمن الداخلي في حكومة نتنياهو السابقة، وعين سفير إسرائيل في الولايات المتحدة. كانت غولد قد وزعت أشرطة فيديو يظهر فيها الجنود الاسرائيليون وحرس الحدود في مواجهة المدنيين في مدينة الخليل، واتهمت الجنود بالأبارتهايد والقمع، وان أفعالهم نلك لا تتطابق مع القيم اليهودية”. تواصل القول: “من السخف، كما يبدو أن بلدا تدعي انها ‘الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط’ تشعر بالخطر مني، انا المناضلة من أجل السلام.
وإردان لا مشكلة له مع البيانات المعادية لليهود الصادرة من أصدقائه الإنجيليين بالولايات المتحدة، قادة المسيحيين الأصوليين من امثال جون هاغي، زعيم مسيحيين متحدين من أجل إسرائيل، أكبر المنظمات الموالية لإسرائيل بالولايات المتحدة. وفي تسعينات القرن الماضي كتب هاغي أن هتلر “صياد” مبعوث الرب لتنفيذ رغبة الرب لتأسيس دولة يهودية عصرية بفلسطين. وفي كتاب أصدره هاغي عام 2006 عنوانه ” جروساليم في العد العكسي : مقدمة للحرب”، اتهم هاغي اليهود انهم تسببوا في الهولوكوست من خلال معصية الرب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى