كتاب خلف العبيدي وأدب السيرة

رائد محمد الحواري | فلسطين

 

صدر في الأسابيع القليلة الماضية كتاب “خلف العبيدي- رجل من هذا الزّمان” للكاتب علي عطا أبو سرحان، يقع الكتاب في 188 صفحة من الحجم المتوسط.

في هذا الكتاب يتناول الكتاب سيرة القاضي العشائري “خلف العبيدي” ممتحنا شخصيته “خلف العبيدي”، لهذا جاء الكتاب على صورة سيرة ذاتية، رغم أنه سيرة غيرية، فهو يتحدث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وكيف كانت في القرن الماضي، مبديا تفاصيل الحياة التي عاشها الفلسطيني في خمسينات وستينات القرن العشرين، وبالتأكيد فإن هذا التناول يضيء نواحي (خافية) على الكثيرين من جيل اليوم، وقد ركز الكاتب على المرأة والظلم الذي وقع عليها، فهي كانت محرومة من التعليم، وينظر إليها كمخلوق من درجة الثالثة، لهذا كانت تضرب من أهلها ومن زوجها وتُعامل كجارية، “لكم اللحم ولنا العظم” رغم أنها كانت تسهم في الحياة الاقتصادية كالرجل وأكثر، فيتم تزويجها ـ دون أخذ رأيها ـ وهي لم تتجاوز الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة.

في المقابل كان الرجل هو السيد، وله كل الحق في كل شيء، حتى أن صرامته وقسوته جعلته (إلهًا قاسيا) لهذا استغرب الراوي بكاء أبيه بعد هزيمة 1967، “كانت المرة الأولى والأخيرة التي رأيت فيها أبي يبكي،…والذي كنت أخاله أقوى رجل في العالم، وكنت اعتقد أن البكاء للنساء فقط” ص75، وهذه إشارة إلى قسوة الهزيمة وواقعها الثقيل على الفلسطينيين.

وبما أن الراوي من سكان منطقة القدس، فقد أشار إليها في أكثر من موضع في الكتاب، وأعطانا تفاصيل عديدة عن عملية تهويدها، خاصة في مجال التعليم والإسكان، فألباب الأول من الكتاب جاء على شكل سيرة، وكانت اللغة سلسة وشيقة، وتقدم معرفة وأفكارا عن ظروف الحياة القاسية التي عاشها الفلسطيني إن كانت في عهد الإنتداب والعهد الأردني أو تحت الاحتلال.

لكن في الباب الثاني يأخذ السارد في الحديث عن الأعراف العشائرية ويستخدم مثل: “أولاد المجالس غلبوا أولاد المدارس” ص 112 و138، وهذا التكرار يعكس الثقافة الضحلة التي أراد السارد تقديمها للمتلقي، حتى أنه يقول “العادة أقوى من القانون، ونحن نركز على العقلية العشائرية كون الأعراف والعادات أقوى من القانون الذي تسنه وتشرعه الدول، لذا فإن أي خلاف بين شخصين أو أكثر لا يكتفي بحله في المحاكم النظامية وإيقاع العقوبة على المعتدي، إذا لم يُحل عشائريا، مع أن القاعدة العشائرية تقول: “لا يوجد حقّان لأي مشكلة” وبالتالي فهذا يطرح مقولة “يا حق دولة يا حق عرب” والمقصود بحق العرب هنا هو الحق العشائري” ص119، وكأن السارد يؤكد على أن (نظام القبيلة والعشيرة أقوى وأكثر ديمومة من النظام المدني، لكنه يتجاهل أن بروز النظام العشائري لم يكن مهيمنا منتشرا قبل قدوم السلطة، وأن إخراجه من القمم وانتشاره، قضى على نظام الأحزاب لصالح العائلة والعشيرة العائلة، فنحن قبل أوسلو لم نكن نعطي نظام القبيلة والعشيرة ما أعطيناه بعد أوسلو، وكانت الأحزاب تمثل (القضاء) الفلسطيني، وبالتأكيد الأحزاب تعد أعلى اجتماعيا في سلم النظام المدني، بينما نظام القبيلة هو نظام بدائي متخلف، فمحاولة السارد تقديمه على أنه أصبح نهج حياة، فهذا ضرب للمشروع المدني الاجتماعي، الذي يميز المجتمعات المدنية المتطورة عن المجتمعات القبيلة المتخلفة، وهنا تكمن خطورة الكتاب، فلو أنه جاء بصورة بحث أكاديمي، كدراسة، لمررنا تلك المقولات والأفكار، لكن أن يتم استخدام أسلوب سرد الروائي لتمرير تلك المقولات والأفكار، وأن تأتي ضمن “سرد روائي، أو سيرة، فهنا تكمن خطورة الطرح، فطريقة تقديم الأفكار هي الخطرة والمشكلة، لأن السارد يحاول أن يمرر أفكارا مسمومة اجتماعيا ومدنيا من خلال الكتاب، يقول: “نظرتنا للعقلية العشائرية المترسخة في عقول الشعوب، فإن الدول العربية وحكوماتها في غالبيها قائمة على تحالفات عائلية وعشائرية، ولا تزال بعيدة عن بناء الدولة المدنية التي تحكمها القوانين والأنظمة، وتفصل بين سلطاتها الثلاثة “التنفيذية والتشريعية القضائية” ص120بعدها يأخذ في تقديم نماذج عن الأحزاب والطوائف في لبنان مثل حزب الكتائب وحزب الاشتراكي التقدمي، وتيار المستقبل وهكذا، متجاهلا أن النظام الطائفي في لبنان من أقذر الأنظمة في العالم وأسوأها، ولحجم آثاره السيئة على المجتمع تم استنساخه في العراق من قبل :”بريمر” ، وكان على الكاتب أن يسترشد بالأحزاب الوطنية والقومية في لبنان “الحزب الشيوعي، السوري القومي، البعث العربي، الأحزاب الناصرية بكافة تنظيماتها”؛ ليتأكد أن هناك تنظيمات خارج نظام الطائفة والقبيلة، وأن هناك من يعمل ضمن النظام المدني، وقد تجاهل الكاتب طبيعة التركيبة للتنظيمات الفلسطينية، التي هي أيضا خارج نظام القبيلة والعشيرة، فلا يوجد في فلسطين أي تنظيم سياسي يعتمد على القبيلة أو العشيرة، وكل التنظيمات مكونة من خليط متنوع اجتماعيا واقتصاديا وطائفيا.

من هنا نقول أن الأفكار التي يقدمها الكتاب ملغومة، وكان على الكاتب أن يستخدم طريقة البحث (المجرد) ويقدم أفكاره بحيادية، بأن يقول مثلا: (هكذا يتم التعامل في النظام القضاء العشائري) حتى يمكن للقارئ أن (يهضم) الأفكار، لكن أن تقدم بهذا الشكل (الناعم) فهو أمر خطير وخطير جدا.

الكتاب من منشورات مطبعة أبو خليل، الطبعة الأولى 2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى