رسائل أدبية بين الراحل نازك ضمرة والمقدسية نزهة الرملاوي

الأديب الناقد الكاتب نازك ضمره في ذمة الله..
رحم الله الأديب الروائي الفلسطيني ابن قرية بيت سيرا نازك ضمرة (عضو رابطة الكتاب الأردنيين، عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب) إنا لله وإنا إليه راجعون.

رسائل أدبية بين الكاتب الناقد القاص نازك ضمرة والكاتبة المقدسية نزهة الرملاوي
أحببت أن أنشر هذه الرسائل التي جرت بيني وبين الناقد الفاضل نازك ضمرة الفلسطيني الأصل، والمقيم في أمريكا مع عائلته الكبيرة هناك، بعد استئذانه بنشرها، على اعتبار أنها رسائل أدبية تمحورت حول القدس، ورأيت بمكنوناتها إفادة واستفادة..
لقد جرت مراسلات بيني وبين الناقد بعد أن أرسلت له نسخة الكترونية من كتابي عشاق المدينة حسب طلبه لقراءته.. لقد شكرته سلفا على الماسنجر (قبل إرسال النسخة بالبريد الإلكتروني) ولكني تفاجأت برسالته هذه إليكم نصها:

الرسالة الأولى:
تحياتي نزهة، وصباح الخير من هنا.. وصلت النسختان (المجموعة القصصية .. عشاق المدينة/ الكترونيا) وحفظتهما ، عندما أقرأ سأتواصل معك، بس أكيد أنت مش من القدس أصلا، ربما كان المفروض أن تكتبي ثلاث أربع كلمات مع الكتاب، مثلا: …. الأخ أو العم نازك، ارفق لك كذا كذا حسب تفاهمنا . . . . الخ فهذا سيكون ، لها معنى كبير ومهم، والأدباء حساسون يا استاذة نزهة، وأنا ناقد معروف، وصفة المجاملة من أهل مدينة القدس الأصلاء، تحية لك ثانية وبالصحة وطول العمر
نازك
2018-03-17 18:38

ردا على ما جاء برسالة الناقد نازك ضمرة كتبت ما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم
تحية مقدسية وبعد: إلى الأستاذ الناقد الفاضل نازك ضمرة ..
لقد وصلتني رسالتك الجارحة وما فتحتها وقرأت ما فيها إلا قبل قليل، لقد جاءت كلماتها كما السياط على جسد العبيد، فكيف تتهمني بقلة الأدب في فن المراسلة بطريقة غير مباشرة، وأنا الذّواقة اللّبقة ومن حولي على ما أقول يشهدون.. والذي أنزف جرحي وأسكب دمعي.. اتهامك لي بأني لست مقدسية أصلية.. وأني لو كنت مقدسية أصيلة لكتبت بعض الكلمات قبل إرسال المجموعة القصصية لحضرتك …كيف لا أكون مقدسية؟ وقد تنفّس أجدادي هواء المدينة، وحملوا على كاهلهم أوجاعها.. ومضوا عبر الزّمن حاملين مجدها وعزّها.. مدافعين عنها في سنيّ انكسارها.. مدينتنا ولادة المحبّين والعاشقين، والأدباء والمبدعين، أجدادنا زرعوا من جراحها شجر صبار ومضوا مرابطين عاشقين للزيتون والزعتر والتّين، ومضوا يلملمون الجرح في زمن أشعث أغبر.. نحن هنا.. في مدينتنا نقاوم الأسر والتهويد والتهجير، واختناق المدينة تحت أقدام المستوطنات..
لله درّك.. فلقد حملتني ما لا أحتمل من اتهام.. فأين حلم الكاتب وإحساسه حين يتكلم فيجرح الآخرين بكلماته؟؟
وأين العتاب اللطيف الذي يأتي كغيمة صيف تداعب وجدان المتسامرين؟؟
عذرا.. أستاذ نازك.. لقد أرسلت لك النسختين على البريد الالكتروني.. دون كلمات سابقة للمحتوى، لأني كنت أحدثك على الماسنجر قبل إرسالهما بدقيقة وشكرتك سلفا، أنا أعتذر عن موقف غير مقصود بتاتا.. ولكنك مدين لي باعتذار.. مع فائق الاحترام والتقدير.. نزهة الرملاوي
25/3/2018

ردّ الكاتب نازك ضمرة برسالة جميلة مفادها:
الرسالة الثانية:
معلمتي نزهة الرملاوي
السلام عليكم
ختيار يريد أن يتكلم ، أول شيء أفيد سيدتي إنني في ال ٨١ من عمري واحد وثمانون عشت حتى الآن، وبصراحة لا أذكر أنني اطلعت على رسالتك أدناه أو ربما أكون أجبت عليها، لكنني والله لا أذكر يا سيدتي، وبصراحة أكثر ، لا أذكر الحادثة حتى، لكن كلامك العربي المقدسي المديني سحرني أخجلني، فإن رضيت باعتذار لك فدعيني أبادر به فورا، أعتذر عن تسرّعي، وأتمنى أن تثقي بي وتعزميني على القدس وتعطيني معلومات عن بعض المواقع وخاصة في القدس الإسرائيلية، وأريد ان اقرأ لك، وأنا الآن في عمان لشهرين على الأقل مع زوجتي، وبانتظار أخبارك لك المحبة والتقدير يا ابنة قدسنا الغالية والتي هي رمز وجود الشعب الفلسطيني
المخلص الختيار أبو خالد،
نازك ضمرة
Sent from my iPad
On Mar 25, 2018, at 3:07 AM

أعجبت برسالة الناقد وقبلت اعتذاره فكتبت رسالة موجهة لشخصه الكريم مفادها:
إلى الأستاذ الكاتب والناقد الكبير نازك ضمرة.. تحية طيبة وبعد:
وصلتني رسالتك المؤرخة 10/7/2018 والتي تحمل في طياتها مشاعر اعتذار صادقة تجاه موقف غير مقصود، وما أجمل أن تكلل صفاتنا وأخلاقنا التي تربينا بالاحترام وتقدير الآخر بغض النظر عن جنسه وعمله ورتبته وانتمائه.. من رسالتك نتعلم حسن الإصغاء، ومن كلماتك نتعلم حسن الرد، ومن اعتذارك نتعلم فن التعامل مع الآخر.. وأكثر ما نتعلّمه هو أن نلتمس لبعضنا عذرا.. شكرا لك معلمي..

في رسالتك الموجه تطلب مني كمقدسية منتمية أن أعزمك على القدس وأعطيك بعض المعلومات وخاصة عن القدس الإسرائيلية..
لقد أخفقت يا معلمي بطريقة توجيه طلبك، فكيف تكون القدس إسرائيلية وهي الكنعانية العربية الإسلامية؟؟
أو ربما أنا من فهم طلبك خطأ.. ربما تقصد ماذا حدث للقدس العربية إثر احتلالها؟
حينما نكتب للقدس وأحيائها، نكتب عن البقاء، مدينتنا يا سيدي.. لكل حجر فيها رواية، ولكل قوس حكاية، ولكل حارة ميلاد، ولكل قرية حولها تاريخ، ولرائحتها عبق آخر، يسري في وجداننا حتى النهاية.. نحن إن سألت عنا.. مقدسيون قابعون خلف غيوم حزن وضباب، إحمل أوراقك واكتبني، أغنية فرح أشتاقها بعد كل غياب..
احمل ألوانك وارسمني.. قمرا يقتل الخوف، يتوهج نورا في ليل الأغراب..
أيقظ أحلامك توجني..
أميرة تمسح الدمع من عيون الأحباب..
الوجع يكبر في صدر مدينتنا.. تتغير أسماء المعالم والأماكن فيها.. فلا يعرفها العابرون، تتبدل أسماء الفاتحين بأسماء المغتصبين، تختلق الروايات فيحتفلون بميلاد الخلاص والنشوء، تتغير الحروف والكلمات والمعاني، والذاكرة تأبى أن تغيرها، أو تنكرها أو تنساها، كانت ولا زالت في ساحات الحب تنمو ..عناقيد فرح تعانق السماء.
يعود الغائب بعد سنين، يسأل العنوان والبيت الذي كان يأوي الأحباب، يخبره المكان أن لا بيوت هنا…نبتت على أنقاضها بيوت المغتصبين.
تتغير الأحلام وتتساقط الأمنيات كأوراق مصفرة في خريف الذاكرة، يصرخ العائد من خلف الجدار:
يا وجعي..
يا وجع المدينة المتزايد..
يا قهرا يبدد في سمائها حلم أسراب العائدين
يا شلال حزن يدفن آخر فرح في وجودها..
أخبرني يا سيدي..
من يجدد في وجهها الأمل والحياة؟
من يبعد الأشباح والساقطين من أحيائها وشوارعها؟
من يلملم النبض المتساقط في باب العامود ومقبرة الرحمة ومأمن الله ويعيده إلى قلبها النازف؟
من يعيد وحدتها في خرائط الانقسام؟
هنا ولدنا.. هنا مشينا
في العقبات والسرايا.
في الحارات والأزقة..
في الخانقات..
لتكاياها الحالمات برغد العيش غدونا..
جاءتها بطون جياع خاوية..
هنا لعبنا.. هنا ركضنا..
خلف جدرانها البهية اختبأنا..
وفوق قراميدها وأشجارها..
بنى الدفء أعشاشا لتسابيح الطيور..
وفي موالد زواياها النائمة في عيد المتصوفين ..
هامت أرواحنا.. وزهدت في أعماقنا الحياة..
في ساحاتها تصافحت أيادينا
وتحت أفيائها هدأت خطانا..
وكنا نرجسا طافت حوله الفراشات والأعياد..
***
من سبل تاريخها شربنا
ومن قداسة طهرها كان ميلادنا الأول..
في نوافذها تلاقت أرواحنا
وعلى أبوابها أرخى العناق جدائله بعد الغياب..
حول أسوارها صهلت خيلنا
وعلى تلالها مشت خطانا ثابتة في وجه الريح..
فكنا كنور القناديل حين يجمعنا؛
ليحكي لنا في برد الشتاء حكاية الأمير..
يأتي على صهوة جواده ويرحل بلا هزائم..
في مساجدها..
كان عهدنا مع الله ..
في وقوفنا كنا ثورة وغضب..
وفي ركوعنا صمود وبقاء..
بل وفاء للمعشوقة…
وفي سجودنا كرامة وحرية..
بانتصار الفاتحين..
***
من عهد تكوينها كنا
مقدسيي الهوى ولا زلنا..
من مجد الله في علاه
جاءتنا آيات خالدات
كانت بشائر وحبل نجاة ..
***
في حضن أحبائنا تربينا
في سرائرنا سردت حكايانا
في أعيادنا تباهت ملابسنا
بين أهدابنا غفت دمانا
من طفولة مواسمنا
ضحكت سنين صبانا ساخرة..
***
هنا حلمنا.. هنا ركعنا..
هنا سجدت لربها البرايا..
لأوليائها الصالحين نذورنا
على طاقاتها قدمنا العطايا..
تراتيل عشقها لازمتنا،
سليمة في قلوبنا النوايا..
لوالدينا أصول أنبتتنا
فتجذرت في أخلاقنا الوصايا
***
في خاناتها والمقاهي..
تباهى فرسان الحكايات..
داهمتنا رياح الباطل..
قلبت موازين الحق..
أمسينا ضحايا القلع والتهجير
والتزييف والتهويد والتدمير
ولكنا ما زلنا هنا.. والقدس كلها لنا..
حتى تأتينا المنايا.
15/7/2018

الرسالة الثالثة: رد الناقد نازك ضمرة:
نزهة أصبحت كلماتك نزهتي، عشت معها بكل جوارحي وما يختزنه قلب من شوق ولوعة على ارض أجدادي، وقبل أن أنسى دعيني أستعيد ملامح من ذكرياتي عن القدس في العامين 1954 و 1955 كنت مراهقا، أدرس المرحلة الثانوية في دار المعلمين الريفية، لأصبح معلما لمدارس الريف ،وكنا كل يوم جمعة ننزل بمجموعة أو مجموعتين لا تقل الواحدة منها عن عشرة، شباب مراهقين نذهب لحارة النصارى ونجلس في مقهى هناك نلعب الشدة، لا أذكر اسم المقهى ولا أعرف الآن أين كانت، ويصعب علي تصور تلك الحارات، لكنني مشيت غربا في ذلك الشارع حتى قالوا لنا هذا باب الخليل من بعيد طبعا، مقفل، ولا أعرف هل كان الحراس عربا ام يهودا، و لست متأكدا أن مسجد عمر كان قريبا من المقهى أو جنوب كنيسة القيامة، هذا ما أذكره كولد، لكن اذكر انني استطعت مرة أو مرتين أن أدعو حبيبتي وربما صديقتي المعلمة من بيت لحم لنأكل كنافة في محلات جعفر، ولست متأكدا إن كانت ما زالت جعفر موجودة، المهم، نصوصك وتقطيعاتك جميلة، سحرتني، فعشت بك ومعك في نزهة ، وصارت نزهة من نزهة وتحول إعجابي بتلك النصوص إلى عشق الارض التي تحيا عليها . انها القدس لب الارض المباركة ورمزها جمال كلام نزهة اثار لواعج الشوق في نفسي للقاء مدينتنا القدس وتدثير كل من يحيا غلى ارض القدس اشتقت أن أبوس أرض القدس وأيادي من يعيشون على ارض القدس والعشق هو ومض غامص بجاذبية ساحرة وقوية أحبك واكتفي بهذا القدر من الاعجاب بك وبالقدس يا نزهة.
14/7/2018

ردا على ما جاء في رسالة الأستاذ نازك ضمرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
كل التحية والاحترام لقلبك النبيل.. أرجو لك عمرا سعيدا ومديدا متوجا بالصحة والعافية أستاذنا.. وأرجو أن تزور القدس.. مهد الحضارات والرسالات.. اشكر ردك وقلبك النبيل استاذنا..
بالنسبة للأعوام التي ذكرتها1954 1955 كانت القدس تحت القيادة الأردنية..حارة النصارى تفضي الى باب الخليل ..كل الحارات تفضي الى خارج الاسوار..الاسوار دائرية في داخلها درر ثمينة .. أجمل المواقع الاثرية والدينية في العالم.. يردها الحجاج المسلمون والمسيحييون لأداء الشعائر الدينية، الا وهي المسجد الاقصى.. ومسجد قبة الصخرة والكثير من الكنائس .. ككنيسة القيامة والكنيسة القبطية، وحارة الارمن وسوق افتيموس ما زالت كنافة جعفر.. وما زال المسجد العمري بجانب كنيسة القيامة، هناك المدارس العتيقة من العصور الاسلامية القديمة.. كالمدرسة الصلاحية والخانقات والتكايا.. لن أضيف الكثير لتاريخ المدينة او عمارتها أو الإصلاحات التي مرت بها عبر العصور.. فكتب التاريخ تزخر بإنجازات الخلفاء والحكام فيها عبر الحقب التاريخية لأهميتها التاريخية والدينية.
لكن الأيام تتبدل، والأوقات تتغير ..ولا تبقى الاشياء على حالها.. الخوف الذي يحيط بالمدينة هو تهويدها وتهجير سكانها بشتى الأساليب، كما حدث لحارة المغاربة.. فقد نهشت الجرافات الحارات وبنيت المستوطنات على انقاضها، والقدس الغربية كما تحلو لهم التسميات.. يقطنها المستوطنون الآتون من شتى البلاد.. يسكنون البيوت العربية التي مازالت قائمة.. لقد أقيمت على الأراضي العربية الآلاف من المساكن والمستوطنات.
القدس كما هي مدننا محاطة بجدار عنصريّ يتلوّى كالأفعى نهش المدن والقرى.. فرق الأهل وقسم المجتمع والبيت الواحد، تقام فيه المعابر، وبشروط تستطيع دخول المدينة، لقد هجر أهل الاحياء الغربية للمدينة منها.. وعملت المستوطنات والمعابر على تقطيع اوصالها بسكانها الاصليين، وذلك عبر ضمها لأملاك الغائبين.
لا يسعفني الوقت لذكر نوائب المدينة وما آلت إليه بعد خروج القضية من بني يعرب.. حزن عميق يجثم على صدرها.. لأبوابها قصص احتفظت بأصوات البشر هنا، وكتبتها على حجارة الحارات وأقواسها، ولشمسها معنى آخر يعني نهار البقاء رغم الظّلام، وعلى أسطح منازلها يكتب العشّاق أشعار وفاء ومحبّة، ممزوجة من الدّمع والأشواق، كزهر ياسمين ينام على حيطانها بدلال، ويرسم من رائحته ألف قصّة حبّ مقدسيّة، نشمّها كلّما هبّت نسائم الذّكريات.
وللأسواق والخانات والتّكايا فيها معانٍ أخرى غير التي تعرف، لا يعرف معناها إلا العاشق، يعجز اللّسان عن الكلام أمام بهاء مساجدها وكنائسها، وقداستها وعظمتها، وشموخها وعزّها، وانتصاراتها وتحدّياتها، وهدوئها وانفعالاتها، وغضبها وابتساماتها. هي المعشوقة عبر العصور، ونحن عشّاقها المتيّمون بفجرها الذي يعانق عبق التّاريخ، وبشمسها التي تتوّج معالم الحضارة ورسالات الأنبياء ومعابد الزّهاد والمتّقين.
نزهة الرملاوي
15/7/2018
ملاحظة: النصوص المكتوبة مقتبسة من كتابي عشاق المدينة ومن نصوص كتبتها هنا وهناك..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى