طوفان الإلحاد متى تدفق وإلى أين؟

بشرى بوغلال | المغرب

بزغ نجم الإسلام منذ أن وطأت  قدم الإنسان على الأرض، ومزامنة مع بزوغ فجر الإنسانية،  حيث إن آدم ونوحا وإبراهيم  وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام كانو مسلمين طبقا لما ورد في القرآن الكريم.

قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).{البقرة: 131}. وقال جلَّ شأنه (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا ) {آل عمران : 67} , وقال عن نوح عليه السلام: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ){يونس: 72}. وقال يوسف عليه السلام:( تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) {يوسف101}. وجاء في القرآن على لسان ملكة سبأ: (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). {النمل: 44}. وجاء معبرا بلسان سحرة فرعون لما أسلموا: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ.) {الأعراف: 126}. وقال الحواريون للمسيح عليه السلام: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) {آل عمران: 52} والآيات في هذا كثيرة, وإنما يختلف الأنبياء فيما بينهم في الشرائع، فشريعة موسى تختلف عن شريعة عيسى، وشريعة عيسى تختلف عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي خاتمة الشرائع وناسختها.

 لذا فإن الإسلام المحصًّل بالخضوع إلى الله هو أمر إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن الإسلام قديم قدمَ التاريخ وهو دين شامل فُطِرَ عليه بنو آدم، بيانا لما جاء في الفرقان المبين حيث قال الله جل جلاله في سورة الروم ٣٠ ؛ (فَأَقمْ وجهَك للِدينِ حنِيفًا فطْرة اللهِ التي فَطَر الناسَ علَيها لا تبْديلَ لخَلقِ الله ذَلِك الدِّينُ القيمُ ولكِن أكثرَ النَّاسِ لا يَعلَمُون.)

 

وبناء على ما تقدم فإن الإيمان فطري عند البشر، كما قال ابن كثير رحمه الله: “[ فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره.]

وقد ساد الإسلام العالم وفرض وجوده على سائر الأجيال والأمم، ما يربو على الألف سنة  من عهد آدم عليه السلام إلى أن تسللت خرافة الإلحاد في ثنايا الأفئدة المعتمة لقوم نوح عليه السلام،  فاستحوذ عليهم الشيطان فأخرجهم من نور الإسلام إلى ظلمات الزندقة والإلحاد والكفر والشرك.

وقد أشار إلى هذا المعنى نبينا صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّ العزَّة تبارك وتعالى: (وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا ، وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الكتاب)رواه مسلم

 وبظهور طوفان الإلحاد في قوم نوح عليه السلام غاص العالم في أمواج متلاطمة، وموجة كفر عاتية لطمت خد الفطرة النقية التي فطر الله الناس عليها وقصم ظهر العروة الوثقى،  حيث غرزت في أوصال التوحيد والعقيدة خنجر المذهب المادي السفيه الذي ينكر وجود ” الله ” ويعيش بمنطلق أن وجود العالم مادي وأن الكون ذو حقيقة مادية تشكل تكوينه، وتصر على أن الروح شيء لا وجود له بتاتا ،حيث تكفر المادية بكل العقائد الغيبية أو الدينية،  ولا مكان فيها للإيمان بالله ولا بالنفس ولا بالنبوة كما أنها ترفض التصديق باليوم الآخر رفضا قاطعاً وتنكره إنكارا جازماً حاسما.

وقد وقفت علي مناظرة للشيخ المرحوم أحمد ديدات- رحمه الله- وقد سأله ملحد : ما هو شعورك لو مت واكتشفت أن الآخرة كذب ؟ فقال له الشيخ ديدات: ليس أسوأ من شعورك إذا مت واكتشفت أن الآخرة حقيقة.!!

و يدعي مذهب الإلحاد “الفلسفي” هذا  أن الكون وُجِدَ بلا خالق، وأن المادة أزلية أبدية وهي الخالق والمخلوق في نفس الوقت.

وقد كشف هذا الفكر العدمي على ارتقاء أصحابه لأعلى درجات الغباء، وذلك باعتقادهم أن الكون والإنسان والحيوان والنبات وجد بمحض الصدفة، وسينتهي كما بدأ، ونكرانهم بالحياة بعد الموت ودأبهم الملعون في تصديق النظرية الداروينية والتي تزعم أن الإنسان جاء نتاجا لتطور الطفرات الجينية لدى القردة.

والغريب في الأمر أن مؤسسها الذي يدعى “تشالز داروين” اعترف بأن هناك حلقات مفقودة في نظريته العبثية والتي لا أساس لها من الصحة، وذلك لأنها تنافي كل قوانين الطبيعة و تُنَاقِض جل المناهج الدينية و المفاهيم  الأخلاقية، مما ترتب عن هذه الزندقة العاتية والإلحاد الأعمى،إنتشار غمامة جهل هائلة في أوساط ” اللادينيين “.

فَهُمُ الذين يقيمون إيمانهم على عمىً، بينما يقيم المسلمون إيمانهم على بصيرة، وهذا ما يعد دليلا صارخا على أن الإلحاد صديق الجهل، حيث يستند الكثيرون من أتباع “أبيقور” وغيره من الملاحدة لقانون “السببية” والذي يزعم أن لكل عمل سببا ، بينما نحن كمجتمع مسلم نعلم أن هذا القانون من أكبر الأدلة الدامغة والحجج التي لا مهرب منها ، بل وهو عمدة براهين إثبات وجود “الذات الإلهية “.

لهذا قد صح ما قاله البعض بشأن أن الإلحاد “عدم علم لا علم” .

كما جاء على لسان عالم الفيزياء الألماني《فيرنر كارل 》والحائز على جائزة نوبل حيث أبدع قائلا: ” قد تجعلك أول جرعة من كأس العلم ملحداً.. ولكن حتما في قاع الكأس ستجد الله في انتظارك.”

ورجوعا بكم إلى أسباب انتشار هذا الورم الخبيث “الإلحاد ” وتفشيه في جسد المجتمع وعمقه، وتمكنه من أحشاء الجهلة العِلمانيين ودعاة الشيوعية، وكذا اتساع رقعة المنكرين لوجود الخالق من أتباع الوجودية و الدارونية.

ولقد كان للحركة الصهيونية يدا طَوْلى في نشر الإلحاد عن طريق العلمانية، وذلك لإفساد أمم الأرض وتجريدهم من كل الضوابط التشريعية والأخلاقية،  لتحقق بذلك دأبها الإبليسي المتخفي وراء انتشار نظريات ماركس في التفسير المادي للتاريخ، وتعميم نظريات “فرويد ” في علم النفس، وكذا إفساح المجال أمام “الوحش الدارويني” في أصل الأنواع.

مما جعل من كل هذه العوامل والنظريات الشاذة وسطا ملائما لنمو الفطريات الملحدة في مستنقع الكفر هذا ،وانتشار نتنها ورائحتها العَفِنة في كل أصقاع أرضنا المقدسة.

وقد يطرح الكثير منا تساؤلات حول المارد الجهنمي هذا “الإلحاد” والأسباب التي تؤدي للوقوع في شراكه،  وبما أننا من جنس بشري فضولي فقد تراود عقولنا أحيانا سيول جارفة من الأفكار المتناقضة والتي يدفعنا الفضول إلى التعاطي معها ، والإستسلام لدواماتها الخطيرة الساحبة نحو عمق سحيق.

ومنها نذكر حب الشهوات من غرائز جنسية ومال وغرور وكبرياء، قد يجد فيها الملاحدة غايتهم المريضة والمتمثلة في تفريغ رغباتهم في جو منعدم الضوابط، وبيئة تفتقر للحساب والعتاب ،مما يؤدي بهم إلى الكفر والعياذ بالله، وبينما هم في غيهم يلعبون وفي طغيانهم يعمهون، قد يدفعهم الخوف الشديد الذي يعتريهم من وجود “الله ” إلى التفكير في  إنكاره فعليا ليصلون بعدها لعدم الإيمان به.

فيَتَوَعَّدَهُم المنتقم الجبار في كتابه الكريم بشديد العذاب ،حيث قال جل وعلا في سورة الحج ٢٥: (ومن يريد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) صدق رب العزة والجبروت.

فلطالما كان الإلحاد فكرة شيطانية للهروب من تكاليف العبادات، حتى أصبحت ظاهرة عالمية تتنامى بشكل خطير وكبير ، نتاجا للعنة العولمة والثورة التكنولوجية.

إلا أن العقلاء بتأملهم في آيات الله وقرآنه العظيم يجدون أن الانتصار كان حليف التوحيد في أشد موقعة كلامية، وأبلغ غزوة إعجازية أزهق فيها المولى روح الباطل، لتلوح أنوار الحق في الأفق، حيث كانت بمثابة قصف جبهةٍ لقدماء الزنادقة الملاعين الكفرة من وزن النمرود و فرعون. ونصرةً لدين التوحيد .. ونستشهد على هذا النصر المبارك بمشاهد جبارة أُخِذَتْ من معركة طاحنة جمعت بين “خليل الرحمن” صلوات الله وسلامه عليه، وبين أكبر رموز الإلحاد وأشدهم عوتا ونفورا.

قال تعالي: ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أُحيي وأُميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فَبُهِتَ الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين.)، سورة البقرة ٢٥٨.

فلكم أن تتأملوا في هاته الآية الكريمة وحجم الأدلة التي ساقها سيدنا إبراهيم ودقتها ،حيث جعلت إلحاد النمرود يجر أذيال الخيبة ويتجرع مرارة الهزيمة، أمام عظمة الخالق وذكاء نبيه الخليل، ليبهت الذي كفر و ادعى الألوهية لنفسه الخبيثة، مُتَلَقيا بذلك صفعة موجعة على خد كيانه الملحد.

وبعيدا من غباء النمرود المتجبر، يسافر بنا الزمن إلى الماضي لما يقارب حوالي ١٤٠٠ سنة، حيث تلقى أحد الأعراب سؤالا موجها إلى فطرته السليمة، 《فقيل له: كيف عرفت ربك؟  فقال : البعرة تدل على البعير ،والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، وجبال وأنهار،  أفلا يدل ذلك على السميع البصير ،؟؛ وذلك لأن العقل السوي المتزن يصدق بوجود الله الواحد الأحد وذلك من خلال تأمله في آياته سبحانه وتعالى، والإقرار بها.

والخطير في أمر ما يسمى بالإلحاد أو ” إنكار وجود الخالق ” أن الله يغفر كل شيء قد يخطر في بال المرء،  ويتجاوز عن كل ما تقترفه يداه من ذنوب ومعاصي، إلا أن يُنْفَى وجوده أو يشرك به سبحانه وتعالى عما يصفون… فلماذا يجازف البعض بآخرتهم؟  ماذا سيخسرون لو أنهم آمنوا بخالقهم ونافخ الروح فيهم؟

إذا ماتوا ودبت فيهم الروح من جديد لن يخسروا شيئاً، لكن فلنتخيل معا لو ماتوا وأُحيوا فوجدوا الله ووجدوا ما وعدهم ربهم حقا، وإذ بالملائكة تنتظرهم بالعذاب؟ فماذا ستكون ردة فعلهم؟..(وأسروا الندامة لما رأوا العذاب).

يا بني آدم إن لديكم فرصة واحدة في هذه الدنيا ، فإياكم وإهدارها، وكونوا كالذين قالوا ” (ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)

  ومع كل ما سبق ذكره يجدر بنا كأمة مسلمة عاقلة، تحت راية التوحيد أن نقر بأن سقوط الشيوعية في الوقت الحاضر ينبئ عن قرب سقوط الإلحاد و ونفوق جرثومة الكفر بإذن مالك الملك والملكوت.

(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى