ومضات حول مدارك ومهالك التقنية والإنترنيت في يد الأطفال والتلامذة

أجدور عبد اللطيف

قبل عشر سنوات مضت كان التوفر على هاتف محمول أو حاسوب علامة على اليسر أو على بلوغ الرشد ومعه الاستقلال المادي والمعنوي، أما قبل عشرين سنة فالتوفر عليهما كان نوعا من النخبوية وسمة للثراء والتفوق الإجتماعي. أما اليوم فإن توفر مراهق بل وطفل في الصف الخامس أو السادس على هاتف أصبح شيئا عاديا بل ضروريا ونقيضه هو الشاذ، وقد بلغ الأمر أن أطفال الأربع سنوات والخمس يجيدون تصفح الهواتف المحمولة واستخدام تطبيقات معينة أفضل من الكبار أحيانا كثيرة.

لقد اقتحمت التكنولوجيا إذن الزوايا والنوايا، ولا ينكر فضل التقنية مع ما جلبته من وفرة ويسر الولوج للمعلومات والمهارات إلا متجن أو معاند، فهي تفتح للطفل آفاقا رحبة وتقوده لارتياد عوالم العلم والمعرفة والإبداع، كما تشبع نهمه حول انشغالات يضج بها عقله الصغير، وكذا تختزل عليه الكلفة في التنقل لطلب العلم فتجده يكد أمام حاسوبه أو هاتفه وأبواه قريرا العين به.

ولا ينكر بالتوازي خطورة التقنية والأنترنت على أبنائنا إلا مغال مجانب للصواب، فإدمان الهاتف مضرة لا يسلم من مغبتها أحد، بسبب تنوع المحتوى وتشعبه بشكل لا يدع لمستعمله من بد إلا التنقل بين ردهاته بشكل مرضي، فيبدو الأمر كدخول باب يفضي لعشرة أبواب، وبعدها لمئة وهكذا دواليك، والطفل الغض الطري بالضرورة لا يملك القدرة على انتشال نفسه من تلك الدوامة، وهذا الإدمان يفضي لمشاكل صحية كضعف البصر وتعب عضلاتهما تبعا لإجهادها لساعات طوال بأشعة الأجهزة، ثم قلة النوم وقلة الحركة وبالتالي قلة الأكل وعدم أخذ القدر الكافي من الهواء النقي والشمس وهذا بدوره سيفضي لا محالة لجملة من الأعراض والامراض المتناسلة.

يسري على الجانب النفسي ما قيل على الجانب الجسدي، فالإنكباب على التكنولوجيا يورث انكفاء على الذات، ولا يطيق الشخص المدمن الإجتماع بالآخرين ولا التواصل معهم بأية حال، وذلك يهدم ملكاته التواصلية الإجتماعية وقدرته على التموقع في المحيط والمكان، ويجعله عاجزا أمام مسؤوليات الحياة المتطلعة إليه، حيث يكون تفكيره هلاميا وغير واقعي نتيجة لانخراطه لمدد طويلة في العالم الإفتراضي، ناهيك عن ميله للعنف وانفتاحه على الأفكار الشاذة سلوكيا وعقديا وجنسيا بسبب ما يوجه لللأطفال والمراهقين في منصات شرائط الفيديو ومنصات الأفلام وحتى الألعاب الإلكترونية الشهيرة.

ويكفي التكنولوجيا شرا أيها العقلاء، أنها تفصل الطفل عن الكتاب وتفسد عليه حب المطالعة والتفاعل مع الورق كتابة وخطا ورسما مع ما ينطوي عليه ذلك من تنمية ملكات الحواس بالغة الشأو .

يشفع لوجود التكنولوجيا في يد الأطفال خاصة في سن مبكرة، أن نربطها بشكل كامل بالتعلم ونوجهها نحو التحصيل وتنمية المهارات، وفق برمجة مضبوطة يشرف عليها الآباء أو المربون وبأقساط زمنية محدودة جدا، لا أن يعطاها رغبة في إسكاته والحد من حركيته الطبيعية أو طمعا في صرف انتباهه عن لعبة أو حلوى، فتكون بذلك كمن يشعل النار في ورقة مئة دولار ليستضيء بحثا عن عشر سنتات في العتمة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى