رحلة إلى الجنوب اللبناني قامت بها وفاء كمال (17)

سحمر قاع الدم الأول ( 17)

لم تكن القيادة في شتورا تتأخر في الرد على المقاتلين, خاصة وأن النساء في تلك الجبهة, كنَّ يجاهدْنَ جهاد الأبطال لإيصال الرسائل وأخبار الداخل للخارج …  وجاء الرد سريعاً من الخارج. وكان تحذيراً من مغبة حدوث مجزرة في أهل القرية على غرار القرى الأخرى, وليس أمامهم حل سوى الدفاع عن أنفسهم, أو أن يموتوا ميتة الجبناء.  سرى الحذر بين عناصر المقاومة.. فاجتمع أربعة من رؤساء المجموعات . وأبدى الجميع استعدادهم للاستشهاد. فيما لوتعرضت حياة أهل القرية للخطر.. من كل الحهات.اختبأ ثائر في منزل خالته .. يتلقف أخبار الخارج من بنات خالته. لاحظت خالته حيرته وارتابت من دخوله السريع لغرفة ابنها ثم خروجه. وقد كرر العملية باستمرار ثم حمل مجموعة من القنابل كان قد خزنها عند خالته في غرفة ابنها المسافر . وأراد الخروج .وقفت الخالة بوجهه ( وقالت : ماهذا ياثائر أتنوي خراب بيتنا يجب دفن هذه الذخيرة والتخلص منها).

 
ـ لن أدعك تخرج فأمك قلقة عليك واليهود.يقومون بجولات مكثفة . .

وبينما كان اليهود يفتشون الحي وصل شقيق ثائر الأصغر مسرعاً وهو يلهث .
توجه نحو ه وقال : اليهود يسألون عنكَ .

ـ هل غادر بابا المنزل ؟

ـ بابا هرب .ويقول : أنه عليك ان تختفي بمكان آمن في الأحراش قبل أن يصلوا إلى العين ويسدوا منافذ النهر . قال ثائر : هيا عد الى البيت بسرعة ولاتغادره سأكون بخير.

حمل قنابله وغادر وهو يملك إصرارا كبيراً على تفجيرها لو داهموه فجأة .

أما فواز المقاوم الصغير ،الذي علم ان التفتيش سيطال منزلهم بعد أن بلَغَه ان الإسرائيليين سألوا عنه. فقد انهدَّت قواه تماما . ولم يعد الوضع يسمح له بإخراج الذخيرة . فوضع غطاءً فوق

صندوق القنابل. وجلس فوقه وطلب من أمه مريلة لتضعها على صدره, وتبدأ بدس اللبن بفمه . وحين اقتحم اليهود منزلهم بدأت الأم بإطعام فواز وهو يفتح فمه بصعوبة وقد وصل اللعاب نحو ذقنه. وكان شعره يبدو طويلا ومتشابكا وقد غزاه الوسخ .. شعر الإسرائيلي بالاشمئزاز وطلب من صديقه مغادرة المكان . .

وما أن وصل الجنود نهاية المفرق, قبَّل فواز صندوق القنابل وقال : أتعلمين ياأمي لو انهم رأوا هذا الصندوق لفجرونا نحن والمنزل؟. فزعت الأم وقالت: أنت والغزال وحيدر ستوصلوا أبوكم للمقبرة . هيا أبعد هذه المصائب عن البيت مشيرة لصندوق القنابل. قال فواز: لاتخافي فهي ستنفذ بعد يومين .

اتفق فواز مع جارته واختها على نقل القنابل في حقائب نسائية لتتوليا مهمة إيصالها إلى المقاتلين حينما يرخي الليل سدوله . ثم طلب من شقيقته تزيين شعره قبل أن يغادر المنزل باتجاه رفاقه . كان الضجيج يملأ آخر الحي حيث كانت المرعية تمنع النساء والأطفال من الحصول على الماء من الإسرائيليين .

قال جندي:

ـ نحن نقدم لكم الماء مجاناً وأنتِ تمنعين النساء من أخذه .

ـ كفوا أيديكم عن مياهنا وهي تنساب لوحدها . أنتم تسرقون ماءنا وتمنعوه عنَا لتتصدقوا به علينا . إن بلادنا هي مصدر الماء  ولسنا بحاجة لنستجديها منكم.

قالت أم ثائر : (من دهنو سقيلو ياحجة(

استغلت زوبا تلك المشاحنات لتنقل جزءا من القنابل نحو الحفر المتفق عليهاعند المقبرة القريبة من منزلها . بينما تولى أحد المقاتلين إخراجها من الحفر متوجها بها نحو خنادقهم. وعند حلول المساء كانت الذخائر موزعة بشكل كامل على المجموعات. وتوزع المقاتلون في أربعة مجموعات كل مجموعة من أربعة مقاتلين لزرع ال (ت ـ ن ـ ت) في مكان تجمعات الإسرائيليين. وتوجهت مجموعة كرّار الانتحارية لتزنر أحد الأماكن بال (ت ـ ن ـ ت) إذا ب (لاند ويلز) إسرائيلي فيه أربعة ركاب مع سائقهم. مر اللاند بمحاذاة المجموعة التي اغرقت نفسها بالأعشاب إلى ان ابتعد اللاند وأنزل أحدهم عند حافة الطريق. فاستدار ورجع فتوزع ضوء مصباحه على المجموعة التي كانت قد خرجت من بين الأعشاب فاكتشف وجودهم. وعاد اللاند وحده .دون ان تعرف المجموعة السبب.

 بدأ العناصر في اللاند برش المكان برصاص 500 .. لم يجد كرّار الوقت لرفع ال( بـ ـ 7) على كتفه الأيمن فقذف اللاند وهو يحمل القاذف على جنبه الأيمن خارقاً بذلك المعادلة العسكرية في القذف. مما أدى لقطع رأس السائق في الحال ومقتل الجنود الأربعة الموجودين في اللاند وجرح خمسة آخرين .حين تنبه الإسرائيليون للعملية بدأوا بتمشيط المكان عن بعد لكن الأمين وكرّار هربا باتجاه النهر..

غادر فواز المنزل من الاتجاه الخطأ. فبدا مكشوفا هذه المرة للإسرائيليين. فأهالوا فوقه الرصاص. فقذف نفسه في واد عميق وهو يحمل رشاش (ب ـ ك ـ س) مما أدى لجرحه جرحاً بليغاً, دفن الرشاش في الحرش وعاد يزحف باتجاه المنزل حيث شعر كأن هذا اليوم هو نهايته, أحس بحاجة للإحتماء بأمه التي تنبأت له بمصير أسود بسبب طيشه وانفعاله.

فرغم الطول الفارع الذي امتلكه منذ صغره, وصوته الأجش ,وقوته الجسدية , كان يخفي قلبا كقلب عصفور يبكي لو رأى طفلا يبكي. ويغضب لأتفه الأسباب ..

ما أن وصل فواز المنزل حتى وجد الإسرائيليين يطوقون المنزل. والحجة انيسة تقف مجفولة وسط حشد الجنود الذين كان يتطاير الشرر من عيونهم . قال قائد المجموعة: دون أن يحدد الاسم: سلم نفسك فأنت مطوق من جميع الجهات وقف فواز عاجزا عن فعل أي شيء فهو أعزل تماما . تمنى لو انه لم ينقل القنابل. ولم يدفن الرشاش. حاول القفز باتجاه البستان فوجد مجموعة مسلحين. تطلع نحو الشارع فوجده يعج بالجنود.

بكت محاسن, وصاحت الحجة أنيسة (برضاي عليك ياأمي سلم نفسك بكرا بيفرجو عنك). فأنت تحت سن الرشد. فانصاع فواز لطلب أمه التي ملأت الدموع عينيها، وسلَّم نفسه فوضعوا القيد في يديه وساقه تنزف.. وولولات الأم وعويل شقيقاته يلاحقه حتى أخر الممر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى