الوجه الآخر للكارثة

محمد عبد العظيم العجمي | مصر

لكل حدث حديث وعبرة وفكرة، لاسيما إذا كان من نوع الكارثة، ومن لم توقظه العبرة، فيعمل الفكرة فقد أعذر الله إليه..

وقد أراد الله أن يرينا من وجه بأسه -علنا نقف أو نعتبر- كما أرانا كثيرا من وجه جوده ورحمته.. وقد يحول البأس أحيانا إلى لطف ورحمة إذا أفقنا فاعترفنا بذنوبنا.

أما الوجه الذي لم يظهر فهذا الذي رٱه عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه حين كان بصحبة سليمان بن عبدالملك، فأرعدت السماء وأبرقت ونزل المطر وابلا، حتى خشي الناس أن يهلكوا.. فلما سكن.. سأله سليمان: أرأيت يا أبا حفص إلى هذا المطر والرعد والبرق، فبكى عمر وقال: يا أمير المؤمنين، هذا شكل رحمة الله، فكيف بعذابه؟

الوجه الذي لم يظهر.. هذه الدعوات الحائرة، والضراعات الصاعدة، والاستغاثات بجوف الليل من قلوب مخلصة مخبتة، تفتح لها أبواب السماء، ويكرم لأهلها أهل الأرض جميعا، فتعمهم الرحمة ويرفع لأجلها عنهم العذاب..

كمثل هذا العبد الأسود صاحب عبدالله بن المبارك(عابد الحرمين) الذي رٱه يقسم على الله أن ينزل المطر، فلم يرفع رأسه حتى نزل كأفواه القرب، حتى كاد الناس أن يهلكوا، ثم دعاه أن يكفه فكفه، ثم دعاه بعد أن انكشف السر بينه وبينه أن يقبضه فقبضه.

هذا الوجه من أمثال (صاحب النقب) مع مسلمة بن عبدالملك الذي فتح الحصن للمسلمين على يديه، واشترط ألا يذكر اسمه، ولا يقدم له عطاء جزاء ما صنع..

هؤلاء الفلاحون البسطاء الذي هبوا من مضاجعهم وأكناف أولادهم، يحملون فؤوسهم على ظهورهم، يطوفون أمام المياه في جوف الليل والبرد، ثم عادوا بهيأتهم التي تنبي عما أبلوا، مطأطئي الرؤوس، غاضي الجبين، لا يعرفهم منا أحد، ولا يمتلكون حسابات ولا أصدقاء على الفيس بوك، ليصدروا أعمالهم، ويدبجوا بطولاتهم.

ثم هذه الأصوات التي صدحت بالمساجد في جوف الليل تنبه الغافل، وتوقظ النائم ،، وهذا الشباب البسيط الذي طاف الشوارع والأزقة حاملا زخات المطر على ظهره، يجمع فضل العطايا من الفرش والأغطية والطعام والشراب.

ولا يقل عن هؤلاء من جلس في كنف بيته، يحمي ذرية له صغارا، يؤمنهم من خوف، ويطعمهم من جوع.

أما الوجه الذي ظهر، فنسأل الله أن يجازي كل من شارك ولو بكلمة، أو فعل أو جهد،، ولكن..

أن يتحول أصحاب الواجبات إلى أبطال حتى نغرق في الثناء عليهم، وكأن أداء الواجب أو جزءا منه يستحق كل هذا التحفيل، وقد أصبحنا كأننا” حتى يقال: إن في بني فلان رجل أمين”!!

ثم ما هو حد الواجب الذي نتكلم عنه حتى نثمن جهد صاحبه، هل نعرفه؟

لقد أعلمنا عن وقوع هذا المنخفض قبلها بأيام، فماذا قُدِّم من احتياطات المواجهة؟ مجرى السيل المهمل منذ سنين، وقد عملت له (تكسيات حجرية) بمنتهى التهاون والأداء المهني.

الترع والمصارف، وقد كان الأولى أن تطهر بواطنها، وأن تقطع عنها المياه حتى تكون خاوية لمثل هذا الحدث.

فتح الدارس والمساجد لاستقبال المضارين، والتنبيه قبلها بأيام على ذلك، وتوقيف سيارات نجده لنقلهم، ووضع أجهزة الدفاع المدني والتدخل السريع على أهبة الاستعداد. وتوفير الإسعافات الأولية والطبية بالمستشفيات لنجدة المصابين.. وغير ذلك

ثم لماذا يصر البعض أو الكثرة أن نعيش الحدث بعقلية الدراما التاريخية لصلاح أبوسيف، كعقلية الأربعينيات والخمسينيات، واستخراج نموذج البطل المنقذ من الكارثة، وخلع نياشين الثناء والمديح عليه؟!

وهل لا زال أمامنا الكثير، حتى ندشن عقلية العلم، والتعاطي مع الأسباب بالتخطيط المسبق، والجهد المطلوب، وليس التحرك وقت الحدث.

وبماذا إذا يمكن أن نوصف دولة مثل الصين التي استطاعت في أقل من شهرين تجاوز كارثة عالمية، على المستويين الرسمي والشعبي، ولم نسمع عنهم البطولات ولا الأغاني الوطنية، ولا التكريمات؟!!

هذا ما أراه، وما أومن به من حتمية التحول في التفكير والعقل، والانتقال من عصر الدراما الحدثية البطولية، إلى عصر العلم، والتكنولوجيا والتخطيط.

وأخيرا..

لايجدر أن نقيم على هذا النمط الذي نعاه القرٱن، “فإذا مسه الشر فذو دعاء عريض”، وهكذا حاله دائما مع ربه”(وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[سورة يونس 12].

……..

لمشاهدة مقاطع من الكارثة ادخل هذا الرابط :

https://www.facebook.com/1491025441157544/posts/2515457185381026/

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى