مقال

فكرة اليوم الاحتفالي مرعبة

نداء يونس | فلسطين

للأسف، كانت فكرة تحديد أيام احتفالية تحت مسمى “يوم” فكرة عبقرية من السلطات الخطابية في إطار التحكم والسيطرة والهيمنة على البشر من خلال التأطير وتحديد الأجندات وترتيب أولويات الخطاب، فكرة لا يلزمها خطط ولا التزام حقيقي بالتغيير بل استعراض وفرجوية، ولا تراكمات لها وتصنف ضمن الأمل المؤجل: إنهم يفتحون أفق الانتظار على وهم.
يأتي هذا استكمالا لجهد كامل إعلامي يعمل على الاستلاب وتحديد الأجندات والأولويات والتحكم بما يتم قوله، وآخر تجهيلي يمكن بثقة أن أتحدث عنه ضمن ما اسميه سياسات التجهيل العالمية التي مورست وتمارس من خلال الإعلام وبرامجه المحددة سلفا والتوك شو والبرامج الخفيفة أو من خلال التعليم الذي لا يعلم بقدر ما يحدد ما تتم معرفته وما لا تتم وبتلقين لا نقدٍ، وبالتركيز على انتقائية واضحة في العرض والطرح للتراث والتاريخ والاهتمامات السياسية والدينية وغيرها أو عمل المنظمات والمؤسسات الدولية الذي تحول الاهتمام من قضايا رئيسية الى رقص ورسم وعروض أفلام مثلا، بينما يموت الناس ولا يتم تلبية احتياجات حقيقية لهم، والتي تعمل على بناء صورة لشعوب متخلفة لا تناسب المقياس الغربي في ” الحضارة والتمدن” وتحتاج الى الترقية ما يعني تدخلا استعماريا ابيض ومسالما في كل مفصل وكما هائلا من المعلومات المجانية التي يتم استخدامها لهندسة الوعي وتوجيه السياسات والدعم والجماهير.
تنحصر المعرفة الناتجة من كل هذه السياسات وابسطها التدجين بأجندة الايام والمناسبات بمن يدعون ملكية الحقيقة، الحقيقة التي لا تهتم للاخطاء العلمية والمنهجية وانتقائية الصوت الواحد، فلا يمكن لجسم غي الفيزياء ان يكون تسارعه اثناء السقوط سالبا مثل ما يعطى طلاب التوجيهي لدينا.
البديل نهج قمعي تمارسه السلطات ضد حرية الراي والتعبير على من يخالفها، ويمارَس رقميا على منصات التواصل الاجتماعي متمثلا في تحييد وتقييد الوصولية وحجب المحتوى، تلك المنصات التي تعمل كسلطات رقابة وعقاب ايضا.
ان فكرة يوم تؤطر ما يقال، مرعبة نفسيا وفكريا.
كل البشر والإعلام والسوشيال ميديا تحكي بذات الموضوع، البرمجة الذهنية وهندسة الوعي تدفع الى الخلف الموضوعات الاخرى الهامة والمصيرية التي تتحول الى الهامش تلقائيا؛ وتجعل من استلاب المشاعر وتسليعها ايقونة للعصر، فتتبدل مشاعر الناس وردات افعالهم كل يوم بناء على الموضوع المعد سلفا للتفاعل. هكذا يندفع كل فعل سلطوي الى الهامش، هكذا يتم تسليع البشر في بورصة المشاعر والفكر والاستهلاك لمحتوى بايت يتم تسخينه دائما، وعليك ان تتفاعل معه حتى تستكمل حلقة الفرجة والاستعراض و عملية تحولك الى صراف آلي لادوات الاستلاب فرحا وحزنا واستعراضا واستهلاكا. وهذا يجيب عن سؤال دائم لماذا لا نبني على اي حدث مثل انتهاكات الاحتلال وجرائمه، ونغرق بحدث اخر مباشرة في اليوم التالي.
هذا التأطير يعطي مادة جاهزة للمتنطعين السياسيين للوعود .. الوعود ايضا تاطير وتجنب للمساءلة ولا تعني فضفاضيتها سوى امكانية البناء الوهمي على الوضع الحالي من جهة وليوم واحد فقط دون باقي ايام السنة، وامكانية تدوير خطابات الامل والتخدير لمناسبات لاحقة قادمة .
يعني، هل تعكس الخطابات خططا تنفيذية، او وعودا واضحة باتجاهات محددة للتغير ورفع النسب والتغيير، او تحديدا لنوعية النساء اللواتي سيشملهن عطف الرؤساء والمسؤولين بالاهتمام، وهل هناك وعد – وهذا الاهم- بأن يتجاوز الاهتمام تلكم النساء ضمن الفئة ذاتها من زوجات وبنات وسكرتيرات واقارب – بالتمكين والدعم؟ هل هناك جدول زمني وهل هناك تحديد لجهات محاسبية او حتى خطة لتقويم وتصحيح السائد الفاشل الذي نزل بالباراشوت دون مقومات غالبا وما نجم عنه من ظلم واساءة واحتكار لفيء حرب المرأة ومعارك دعمها التي يمكن انهاؤها بقانون واضح او قوانين هكذا بكل بساطة، تلك النتائج لاحتيال والتسلق التي لا تمثل مخرجاتها الا تلك الدائرة ام ان الدائرة ستتسع وتتركز اكثر عليهم، بينما النساء الحقيقيات خارج هذه الدائرة؟ ينطبق ذات الامر على الاعلام: هل هناك نية لتحريك الصور الراكدة؟ ذات الامر ينطبق على الثقافة: امس انشأت مؤسسة ثقافية على غرار مؤسسة درويش لمعين بسيسو، رغم سؤال الاولوية والحاجة وما تقدمه هذه المؤسسات فعليا، هل يمكن ان اسأل لماذا لا يوجد امرأة واحدة في مجلس الادارة الجديد؟ اتمنى ان اكون مخطئة وان ما قرات من اسماء هي احتفاء من رجال برجال فقط وكالعادة.
فضفاضية الخطابات والبيانات والمضمون الغامض وغير المحدد والاستعراض يصنعان افقا وهميا ومريحا لمستهلكي الكلام ومنتجيه.
غدا سنتورط في قالب جاهز آخر، فيما على ارض الواقع، تستمر الباترمونيالية السياسية في ادارة ما تحت الاستعمار كانه لا يوجد استعمار او كأنه انتهى ، الباترمونيالية هي مرحلة ادارة ما بعد الاستعمار وتقوم على الواسطة والمحسوبية والمرجعية الواحدة لكل شيء وخلط الديني بالسياسي.
حتى المناسبة القادمة المعدة للحديث عن المرأة، ستستمر عذاباتنا واقصاؤنا واستهدافنا وتستمر دموعنا وخساراتنا، وحتى العام القادم، يستمر متطق العلف والتسمين قائما لمن ياخذون اكثر من استحقافهم وخلافا للقانون ايضا.
سيكون ٨ مارس القادم فرصة لتبادل التهاني، مع تذكر الشعور بالاستياء من نشر مثل هذه المرافعة، المرافعة التي تخالف منطق الاجندة المفروضة وشكل اليوم المعتاد والمرسوم وبهجته المصطنعة – لزوم الشغل، والتوقعات منا نحن الشعوب التي يتم هندسة وعيها وتدجينها ولا يسمح لها حتى بالتساؤل او المساءلة فضلا عن اختيار عدم المشاركة بالفرجة والاستعراض واستهلاك الجاهز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى