ما الفرق بين (يا ويلي) و (يا ويلتي)

أ.د. عنتر صلحي | أستاذ الترجمة واللغويات – جامعة جنوب الوادي – مصر

من الأساليب الإنشائية في اللغة العربية أسلوب الحسرة، ويعكس تفجع المنادي على فوات أمر ما، وفي القرآن (يا حسرتنا على ما فرطنا فيها)، لكن يكثر كذلك تعبير (يا ويلنا) والويل هو العذاب ومثله الويح، وقد يأتي بدون أداة النداء: ويله، ويلي، والويل لك إن لم تفعل كذا، بمعنى التحذير القاسي من العذاب الذي يصيبك إن لم تفعل كذا. 

لكن هناك كذلك (يا ويلتنا) و(يا ويلتا)، فهل الويلة هي نفسها الويل؟ يقول علماء اللغة إن الويلة تختلف عن الويل؛ فهي تعني الفضيحة، وتستخدم للتعجب وليس للتفجع أو الحسرة. والسيدة سارة عندما بشرت بإسحاق ضحكت (أي حاضت) بعد عمر طويل من اليأس وزوجها سيدنا إبراهيم كان قد تخطى المئة سنة، لذا تعجبت، وقالت :(يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا)؛ فهي لا تتفجع أو تتحسر، وإنما تتعجب أن يحدث هذا الآن، وأكدت هذا التعجب بقولها: (إن هذا لشيء عجيب) ولذا كان رد الملائكة: (أتعجبين من أمر الله؟). وكذلك كان معنى قول قابيل بعد قتل أخيه: (يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي) فهو كذلك يتعجب من قلة حيلته ووسع حيلة الغراب في عملية الدفن، والمشركون يوم القيامة يتعجبون من الفضيحة التي تحل بهم عندما يرون الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة 🙁 وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا). ولا ينفي هذا عنهم التفجع بالعذاب بل يضاف إليه، ومثل ذلك قول الظالم :يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) فالتفجع بالعذاب والندم قد سبق في قوله (يوم يعض الظالم على يديه…).

وهكذا فإن الويلة بمعنى التعجب من الفضيحة تقاس بسياقها، ففي سياق السيدة سارة لا يفيد التعجب سوى الخوف من الفضيحة لظهور غير المعهود، وفي حالة قابيل، التعجب من ضيق الحيلة بلا فضيحة، لكن بندم على ما فعل، ومع المشركين والظالم يقترن التعجب من الفضيحة بالتفجع من العذاب والندم على ما فات. 

لذا ينبغي التفريق بين الأسلوبين:

يا ويل: تفجع بحلول العذاب 

يا ويلة: تعجب من حصول أمر ربما يترتب عليه فضيحة.. 

******

وفي الإنجليزية، اشتهر تعبير  Woe be me, woe betide me ترجمة لتعبير (يا ويلي)، و كلمة woe كلمة قديمة تعني العذاب والألم والمشقة والتعاسة، وكان أول استخدام لها، في ترجمة جون ويكلف  Wycliffe للكتاب المقدس سنة 1382 في سفر النبي أيوب Job حيث وردت عبارة  Woe unto me  (تشابه التعبير القرآني: مسني الضر). ثم استخدم الناس تعبير: Woe betide me  بنفس المعنى، ومن أشهر العبارات في ذلك ما كتبته الروائية الإنجليزية Jane Austin في رواية  Persuasion:

Woe betide him, and her too, when it comes to things of consequence….” 

 ثم استخدم الناس Woe be me، لأساليب التفجع، واستخدموا  Woe is me   للتعبير عن الكآبة والحزن

***** 

وكما قلنا فإن تعبير woe … يبدو مناسبا لترجمة تعبير    (يا ويل)، لكنه لا يناسب ترجمة (يا ويلة) دائما التي لا علاقة لها بالعذاب في بعض السياقات، وإنما هي تعبير عن التعجب والفضيحة بالظهور بمظهر غير معتاد، ويناسبها عندئذ تعبيرات أخرى، فلنرى ما فعل بها المترجمون في آية سورة هود: 

قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ

Sahih International: She said, “Woe to me! Shall I give birth while I am an old woman and this, my husband, is an old man? Indeed, this is an amazing thing!”

Pickthall: She said: Oh woe is me! Shall I bear a child when I am an old woman, and this my husband is an old man? Lo! this is a strange thing!

Muhammad Sarwar: She said, “Woe is me! How can I have a baby when I am barren and my husband is very old? This is certainly strange”.

Arberry: She said, ‘Woe is me! Shall I bear, being an old woman, and this my husband is an old man? This assuredly is a strange thing.’

Ghali: She said, “O woe to me! will I give birth and I am an old woman, and this my husband is an aged man? Surely, this is indeed a wonderful thing.”

Jusur: She said, “Woe to me. Shall I give birth when I am an old woman and this, my husband, is an old man? This is truly an amazing thing!”

The Study Quran: She said, “Oh, woe unto me! Shall I bear a child when I am an old woman, and this husband of mine is an old man? That would surely be an astounding thing.”

Mohsin Khan: She said (in astonishment): “Woe unto me! Shall I bear a child while I am an old woman, and here is my husband, an old man? Verily! This is a strange thing!”

نجد معظم المترجمين لم يفرقوا بين الويل والويلة، فاستخدموا التعبير الشائع woe مع تنويع التركيب، is, to, unto . غير أن محسن خان استشعر الحرج في تفجع السيدة سارة من البشارة، فأضاف بين القوسين إنه تعبير للتعجب، ونسي دلالة التركيب الإنجليزية الأصلية، وتباينت ترجماتهم ل (هذا امر عجيب)، لتحديد طبيعة العجب: strange, amazing, astounding, wonderful, وكلها صفات إيجابية (إلا  strange) لا تستدعي الويل في صدر الآية. 

Shakir: She said: O wonder! shall I bear a son when I am an extremely old woman and this my husband an extremely old man? Most surely this is a wonderful thing.

AbdulHaleem: She said, ‘Alas for me! How am I to bear a child when I am an old woman, and my husband here is an old man? That would be a strange thing!’

Yusuf Ali: She said: “Alas for me! shall I bear a child, seeing I am an old woman, and my husband here is an old man? That would indeed be a wonderful thing!”

عند شاكير، تناسب ختام الآية مع بدايتها، فالشيء العجيب wonderful thing والتعجب في صدر الآية هو  O Wonder! أي ياللعجب، وتكفل تركيب الجملة التالية ببيان غرابة الأمر. أما عبد الحليم ويوسف علي، فاستخدموا تعبير Alas، وهو تعبير عن الأسف والصدمة، فهو أقل من الألم والعذاب في woe  (الويل)، ومخالف لفرحة التعجب (wonder)، وهو مناسب لاستدعاء معنى الفضيحة كذلك. وتعبير Alas  مشتق من الفرنسية  hélas بمعنى يا لسوء حظي، أو يا للأسف.

فإذا أخذنا في الاعتبار سياق الآيات: البشارة، ضحك السيدة سارة (كثير من المفسرين يرون أن معناها الابتسام، والبعض يقول حاضت)، ثم ختم الآية بالشيء العجيب،  وقول الملائكة أتعجبين من أمر الله، والدعاء لأهل البيت بالرحمة والبركة (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت)، كل هذه القرائن تبين أن لا مجال لاستدعاء العذاب  Woe أبدا، وأن Alas  وإن كانت أقل في الشدة إلا أنه يكتنفها الأسى والحزن وهو لا يتناسب مع الضحك (الابتسام)، لذا فأفضل الترجمات في هذا السياق هي – في رأينا- ترجمة شاكير. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى