الصحافة العربية: النفاق والرياء بالعين في كل المقاييس!

د. آصال أبسال | إعلامية وأكاديمية تونسية – كوبنهاغن (الدانمارك)

 

بعد فحص وتمحيص دقيقين ومديدين لاتجاهات أغلبية الصحف العربية المشهورة التي تصف نفسها بصفة «الاستقلالية»، في الداخل والخارج، على الصعيد السياسي تحديدا.. وهذا الواقع الإعلامي، بطبيعة الحال، لا يستثني أيا من الصحف الغربية المشهورة، في الأغلب والأعم، في المقابل.. تبيَّن بكل وضوح وجلاء أن مفردة «الاستقلال»، في هذا السياق التوصيفي السياسي بالذات، لا تختلف من حيث المعنى الفعليُّ عن أي من مفردتي «النفاق» و«الرياء» اللتين تعنيان فعليًّا «التظاهر بخلاف ما في الباطن»، من منظور تضمينية ولامباشرية هذا التظاهر بـ«لطافة التعبير» Euphemism عامة، واللتين تعنيان فعليًّا كذلك «إخفاء الانحياز في الباطن والتظاهر بالحياد»، من منظور تصريحية ومباشرية هذا الإخفاء وهذا التظاهر بـ«سماجة التعبير» Dysphemism خاصة.. وفي مقدمة تلك الصحف العربية التي تمثل هذا «الاستقلال» المتوخَّى بهذين المعنيين النفاقيين والريائيين خيرَ تمثيل، تقف كالمعتاد صحيفة «القدس العربي» الشهيرة بادعائها العلني، على الأخص، بأنها /صحيفة عربية يومية مستقلة/ بامتياز..

ففي متن افتتاحيتها التهكُّمية المضادَّةِ التي ظهرت، قبل حوالي حَوْل من الزمان، تحت العنوان «اليمن: مهازل لا تُضحك أحدا!»، من إصدار يوم 14 آب/أغسطس 2019، لا تتوانى أسرة تحرير هذه الصحيفة «المستقلة» بامتياز في الكلام التقريعي والتعنيفي عن مهازل «التحالف» السعودي والإماراتي في اليمن الحزين منذ «ربيع» العام 2015، مستشهدة في هذا السياق بحديث منسوب إلى الرسول محمد: «الإيمان يمان والحكمة يمانية».. وهو الحديث الذي لا يقصد، في معظم الروايات /إن كانت أسرة التحرير المعنية تدري أو لا تدري/، أكثرَ من أهل الإيمان والحكمة من أهل اليمن، بموقعه عن «يمين» الكعبة في مقابل الشآم بموقعها عن «يسار» هذه الكعبة.. وحتى لو جاء هذا الكلام التقريعي والتعنيفي في محله عن مهازل «الكبار» التي تشير إلى تدخل كل من السعودية والإمارات عسكريا من أجل «حماية الحكومة الشرعية» في اليمن وتخليهما عن هذه الحماية حينذاك سعيا حثيثا وراء «تقسيم هذا اليمن»، من جهة أولى، وتشير أيضا إلى تعبير إيران على حدة، خصمهما اللدود، عن حرصها الشديد، بدورها هي الأخرى، على «وحدة هذا اليمن» من خلال دعم الحوثيين بالمال والسلاح، من جهة أخرى.. فإن أسرة التحرير المعنية لا تتردد البتة كذلك في الكلام التقريعي والتعنيفي المماثل عن فضائح «الصغار» التي تلمِّح إلى بسطِ ما يُعرف بـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» سيطرتَه على عدن، وإلى تمنيات هذا المجلس بأن يحسم المجرم الليبي خليفة بلقاسم حفتر أمره مع قوات «حكومة الوفاق المعترَف بها دوليا»، واصفا إياها بـ«الميليشيات الإرهابية المدعومة من لدن قطر وتركيا والمتسترة بالشرعية في طرابلس»، وعارضا عليه /أي على المجرم حفتر/ حتى المساعدة بما لديه من خبرات قتالية من أجل تفعيل هذا الحسم بأسرع وقت ممكن.. وبالتالي، يتبيَّن بوضوح وجلاء أشد بأن كلا من قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» وقوات «حكومة المجرم حفتر» ليست، في الأساس، سوى قوات مرتزقة تعمل بأوامر ولصالح السعودية و/أو الإمارات، مثلما أن قوات «فصائل الحوثيين» لا تعدو، في الجوهر، أن تكون قوات مرتزقة تعمل بأوامر ولصالح إيران بالذات..

وهكذا، من ناحية أولى، فإن أسرة تحرير هذه الصحيفة «المستقلة» بامتياز لا تتلكَّأ أي تلكُّؤ في هذا الكلام التقريعي والتعنيفي عن مهازل «الكبار» ولا حتى عن فضائح «الصغار»، بالمعنيين المبيَّنين أعلاه، متظاهرةً بذلك بالقلق والتوجُّس الشديدين من إضاعة حقوق الشعب اليماني وكراماته وسياداته على بلاده كلها.. ولكنها /أي الصحيفة «المستقلة» بامتياز/، من ناحية أخرى، تتلكَّأ كل التلكُّؤ في ذكر أي كلام آخر، بأية صفة كانت، عن حقيقة أن آل سعود أنفسهم لَهم الذين جلبوا الحوثيين ودعموهم بالمال والسلاح، بادئ ذي بدء، وذلك بغية القضاء على الثورة الشعبية اليمانية بوصفها امتدادا لثورات «الربيع العربي» آنئذ – تلك الحقيقية الخفية التي لا تختلف، من حيث المبدأ، عن حقيقة أن آل صهيون ذواتهم كذلك لَهم الذين ساندوا الحمساويين وساعدوهم بالمال والسلاح، في البدء، بالطريقة ذاتها، وذلك بغية القضاء على كافة أشكال المقاومة التي أبداها الفتحاويون قبلئذ، والتي أبداها كل من والاهم بعدئذ كذلك.. وفي هذا، فوق كل ذلك، ما يفسر لهاث بضعة من أنظمة «عربية» كمثل السعودية والإمارات /إضافة إلى البحرين/ وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني «الغاشم» /في العرف «المقاوم» و«الصامد» في هكذا «مقاومة»/، بعد أن لهثت وراء هذا التطبيع في الخفاء بضعة أخرى من أنظمة «عربية» كمثل قطر، وما أدراك ما قطر؟.. كل ذلك تمَّ في الجهار والخفاء في مقابل أن تمارس هذه الدول اللاهثات المطبِّعات ما تستطيع من أنواع الضغط «الدبلوماسي» على الجانب الفلسطيني لكي يقدم المزيد من التنازل عن كراماته التي تبقَّت، ولكي يقدم المزيد من التخلِّي عن حقوقه الأساسية، في أدنى تقدير، وخصوصا فيما يخص القسم الأكبر من مساحات الضفة الغربية بالذات، ذلك القسم الذي بدأت براثنُ ذلك الكيان الصهيوني «الغاشم» ذاته تشتدُّ أكثر فأكثر من أجل «ضمِّه» عنوةً، في الآونة الأخيرة، ورغما عن أنوف كافَّة من يريدون ومن لا يريدون..

وهكذا، في الأخير وليس في الآخِر، ومن وجهة نظر أية منظومة إنسانية أخلاقية على وجه الأرض،  فإن إخفاء وجوه الحقيقة كلها لهو الكذب النقيق الصفيق بعينه.. في حين أن إظهار وجه معين من وجوه هذه الحقيقة ذاتها وإخفاء كافة وجوهها الأخرى، في الآن ذاته، إنما هو النفاق الصاعق بعينه وإنما هو الرياء الزاعق بعين عينه، في كل المقاييس.. !!

***

تعريف بالكاتبة

ولدتُ في مدينة باجة بتونس من أب تونسي وأم دنماركية.. وحصلتُ على الليسانس والماجستير في علوم وآداب اللغة الفرنسية من جامعة قرطاج بتونس.. وحصلتُ بعدها على الدكتوراه في الدراسات الإعلامية من جامعة كوبنهاغن بالدنمارك.. وتتمحور أطروحة الدكتوراه التي قدمتها حول موضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة الغربية» بشكل عام.. ومنذ

مقالات ذات صلة

‫13 تعليقات

  1. عاجل جدا وهام جدا
    إلى هيئة التحرير الأكارم
    صورة الدكتورة آصال أبسال قد اختفت من كل مقالاتها
    يرجى تدارك الخطأ الفني بأسرع وقت

    1. جاري تحديث صور الجريدة وسيتم اعتماد الصورة الأخيرة أو نأمل أن ترسب لنا صورة أكثر وضوحا وعالية ابدقة

      1. لقد تعرض الموقع لهجمة هاكرز.. ومحى،صورا كثيرة ومنها صور الدكتورة آصلل.. يرجى إرسال كافة عناوين المقللات السابقة لتسهيل عملية البحث وإعادة إرفلق الصورة مرة أخرى
        رقم الواتس
        0096879010714

  2. عاجل جدا وهام جدا
    إلى هيئة التحرير الأكارم / ما هذا العبث والشواش في الإخراج
    صورة الدكتورة آصال أبسال قد اختفت من كل مقالاتها لأنكم وضعتم حقول (المقالات المتشابهة) في الأعلى
    حقول (المقالات المتشابهة) هذه يجب أن توضع في الأسفل حتى تظهر صورة الكاتبة
    يرجى تدارك الخطأ الفني بأسرع وقت

    1. عزيزي بلقاسم التميمي.. مرحبا بك وشكرا لاهتمامك تم تغيير صورة الدكتورة في جميع المقالات بصورة حديثة وأجمل وأفضل مرسلة من الرائعة الدكتورة آصال آبسال

  3. تنبيه مهم جدا
    أيها المحررون والمحررات
    ما هذه الفوضى ؟؟ لقد اختفت كل صور الكاتبة آصال أبسال الرائعة
    نأمل ان تسترجعوها بالقريب العاجل
    وشكرا

    1. عزيزتي صفاء السبسي شكرا لاهتمامك تم تغيير صورة الدكتورة في جميع المقالات بصورة حديثة وأجمل وأفضل مرسلة من الرائعة الدكتورة آصال آبسال

  4. عاجل وهام الى هيئة التحرير
    نتفهم أجوبتكم على أسئلة القرّاء بلقاسم التميمي وصفاء السبسي
    ولكن صورة الدكتورة آصال أبسال لا تظهر الآن في الأعلى من مقالها كما كانت عليه من قبل
    يرجى تدارك الأمر

  5. يا محررين يا فهيمين : هام جدا جدا حدا
    القراء يسألونكم عن شيء وأنتم تجيبون بشيء آخر
    صحيح أنكم غيّرتم صورة الدكتورة آصال ولكن الصورة لا تطهر الآن في أعلى المقال كما كانت تظهر من قبل

  6. يا محررين يا فهيمين : هام جدا جدا جدا
    القراء يسألونكم عن شيء وأنتم تجيبون بشيء آخر
    صحيح أنكم غيّرتم صورة الدكتورة آصال ولكن الصورة لا تظهر الآن في أعلى المقال كما كانت تظهر من قبل
    يرجى إظهار الصورة في أعلى المقال ، كما تفعل كل الجرائد في العالم

  7. أيها المحررون ، احترموا أنفسكم وردوا على أسئلة القراء واستجيبوا لطلباتهم
    أنتم تقرون بتغيير الصور ، ولكن الصورة لا تظهر حاليا في أعلى المقال كما كانت عليه في السابق
    فيرجى إظهار صورة الكاتبة في أعلى مقالها كالسابق ، وكما تفعل كل جرائد ومجلات العالم
    هذا عبث شائن في الإخراج

  8. كما عُقب على افتتاحيةدالقدس العربي الأخيرة (الانسحاب الأمريكي من أفغانستان…)،
    /وهذا مع فارق أن الطالبان وحلفاءها و«القاعدة» ذاتها كانت في صف أمريكا سنة 1988، وهي اليوم تقاتل السلطة المركزية التي صنعها ميراث الغزو الأمريكي/.. اهـ
    تماما كما هي الحال مع الفارق المقابل بأن حركة «حماس» ذاتها كانت بعد تأسيسها بشهور في صف إسرائيل سنة 1988 (ضد منظمة «فتح»)، وهي اليوم تقاتل السلطة المركزية التي صنعها ميراث الاحتلال الإسرائيلي ذاته.. رحم الله كارل ماركس حين قال ذات مرة إن التاريخ يعيد نفسه مرتين: مرة كمأساة، ومرة كمهزلة.. !!

  9. الهدف من التعليق الأخير بالطبع هو تبيان أن ما نوهت عنه الأخت آصال أبسال منذ سنة ونيف (فيما يخص دعم إسرائيل لحماس ضد فتح في البدء) قد امتنعت عن نشره جريدة القدس العربي المأجورة ولكنها لم تتردد في نشر المقابل في مشهد دعم أمريكا للقاعدة وطالبان ضد السوفييت في البدء كذلك – مما يدل على غياب المبدئية من هذه الجريدة وعلى تحريفها الواقع وتشويهها الحقيقة دون أي رادع من الضمير الإنساني إن تواجد !!!!!؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى