النبي والنبوة

مصطفى سليمان /سوريا

( وهنا ينتهي الحديث المباح وربما غير المباح )!

اليهود- المنحرفون عن تعاليم اليهودية الحقيقية ديناً سماوياً- يحتكرون النبوة والأنبياء في تاريخهم وتراثهم بنزعة قبلية تعصبية فوقية… رغم أنهم معروفون بقتلة الأنبياء( طبعاً دون تعميم على اليهود كلهم بعد ارتقائهم إلى الإيمان بالنبوة الإلهية). ومع ذلك فقد ظل المتعصبون منهم حتى اليوم ينكرون نبوة المسيح ومحمد عليهما السلام.
يقول العقاد في كتابه: الثقافة العربية أسبق من ثقافة اليونان والعبريين: ” سفر التكوين وسفر الخروج صريحان في تعليم الصالحين من العرب لكل من إبراهيم وموسى عليهما السلام. فالنبي إبراهيم تعلم من ملكي صادق، وموسى تعلم من يثرون إمام مديَن وشاعت في السفرين (رسالة الآباء) قبل أن يُعرفوا باسم الأنبياء؛ لأن العبرانيين عرفوا كلمة” النبي” بعد وصولهم إلى أرض كنعان واتصالهم بأئمة العرب بين جنوب فلسطين وشمال الحجاز في الزمن الذي ظهرت فيه النبوات العربية، مما ذكره القرآن الكريم، ومما ذكروه هم عرضاً في أسفار العهد القديم. فالعبريون كانوا يسمون النبي بالرائي أو الناظر أو رجل الله. ولم يطلقوا عليه اسم النبي إلا بعد معرفتهم بأربعة من أنبياء العرب المذكورين في التوراة، وهم ملكي صادق، وأيوب النبي العربي في أرض تيماء الذي كان يؤمن بالتوحيد وينكرعبادة الكواكب والأوثان، وبلعام، المقيم على نهر الفرات، وشعيب الذي يسمونه يثرون معلم موسى، ويرجح بعضهم أنه الخضر للتشابه بين لفظ يثرون وخثرون وخضر في مخارج الحروف.
ويذكر العقاد في كتابه السابق أن الشُّرّاح ومؤرخي العهد القديم متفقون على أن نزاهة التوحيد عند أيوب سبقت كتب الأنبياء في أصحاب الأسفار في العهد القديم. ويستشهد بالمستشرق مرجليوث، اليهودي، الذي قال في كتابه عن العرب والإسرائيليين: ” إن أسلوب المتكلمين عن التوحيد في هذا السِّفر(سفر أيوب) أنزه من أسلوب الأنبياء الإسرائيليين الذين كانوا يضطربون في بيئة وثنية، خلافاً للمتكلمين في سفر أيوب ، فإن البديل من الوحدانية عندهم هو الإلحاد والحجود”.
واقرأ ما يلي في سفر التكوين الإصحاح الرابع عشر عن ملكي صادق( ملك ساليم، سالم، السلام،.. ويعني اسمه إلهي صادق) وهو يرحّب بإبراهيم المنتصر: ” وملكي صادق ملك شاليم( ساليم) أخرج خبزاً وخمراً وكان كاهناً لله العلي. وباركه وقال مبارك أبرام من الله العلي مالك السموات والأرض. ومبارك الله العلي الذي أسلم أعداءك في يدك…” من الآية 17 – 20 .
وقد قدّم إبراهيم لملكي صادق العُشر من غنائمه في النصرعلى أعدائه. ومباركة ملكي صادق لإبراهيم تدل على مكانة ملكي صادق الرفيعة، فالكبير هنا يبارك الصغير فالأعلى مرتبة هو الذي يبارك الأدنى منه مرتبة. والمباركة بالخبز والخمر صارت من تقاليد الكنيسة كما فعل المسيح لأصحابه.
ولملكي صادق الكنعاني- الفلسطيني منزلة سامية جداً في الكتاب المقدس. ومن يقرأ رسالة بولس إلى العبرانيين – الإصحاح السابع يجد أن له مكانة سامية مثالية في رئاسته الدينية تصل إلى حد التقديس, بل وُصف بالخلود الذي لا يحدُّه زمان:
“(1) لأن ملكي صادق هذا ملك سالِيم كاهن الله العلي الذي استقبل إبراهيم راجعاً من كسرة الملوك وباركه. ( 2) الذي قسم له إبراهيم عُشراً من كل شيء. المترجَم أولاً ملك البِر ثم أيضاً ملك ساليم أي ملك السلام( 3) بلا أب بلا أم بلا نسب. لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة بل هو مشبَّه بابن الله هذا يبقى كاهناً إلى الأبد…..
ونقرأ بعد ذلك في الإصحاح نفسه أن السيد المسيح صار على رتبة ملكي صادق إلى الأبد: الآيتان 17…و 21.
وللباحث السوري المتميِّز: فايز مقدسي، الحلبي المقيم في باريس كتاب مثير يدعو إلى التأمل العميق في هذه القضايا كلها وهو( الأصول الكنعانية للمسيحية) طبع بدمشق، مطابع ألفباء الأديب، منشورات أبجدية 16. وقد قرأت للسيد فايز بحثاً مطولاً عنه بعنوان: حكاية الملك السوري العظيم ملكي صادق. فليرجع إليه من يهتم بهذه الدراسات.
ويذكر العقاد أن من بين الباحثين الغربيين في علماء الأديان الذين ذهبوا إلى اقتباس العبريين كلمة النبوة من العرب، عالمَين هما هولشر Holscher و شميت Shmidt يرجحان أن كلمة النبي دخلت في اللغة العبرية بعد وفود القوم إلى فلسطين.
للعرب في أرض كنعان أو فلسطين أو شبه الجزيرة العربية وصحراء سيناء رجال صالحون ونُسّاك أو رسل مبعوثون بالرسالة أو أنبياء غير مبعوثين.
وشخصيّاً أؤمن بأن في العالم عبر التاريخ وفي كثير من الحضارات أنبياء أو رسلاً أو مصلحين إنسانيين اقتربوا من مرتبة النبوة بتعاليمهم وسلوكهم وفلسفتهم الروحية، وإن لم يُذكَروا في أيٍّ من الكتب السماوية الكبرى.
فعندي ان الفيلسوف اليوناني سقراط نبي غير مرسل ! فقد كان لا يؤمن بالوثنية الإغريقية وتعدد الآلهة. وكان عندما يمر به الناس في الطريق يقولون عنه : هذا هو (الملحد) الذي يؤمن بإله واحد!!.
وفي القرآن الكريم: ” ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ..” سورة غافر/ 78
وهناك من الأنبياء من تعلم من عباد الله الصالحين. ففي سورة الكهف عن موسى عليه السلام مع فتاه:” …فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنّا علماً( 65). قال له موسى هل أتّبعك على أن تُعلّمَني مما عُلِّمْتَ رُشْدا( 66). قال إنك لن تستطيع معي صبرا
( 67) وكيف تصبر على ما لم تُحط به خُبرا “( 68).
ولا أريد التفصيل في نبوة موسى عليه السلام وحياته في مصر الفرعونية وقصة التوحيد التي شاعت في مصر زمن الفرعون التوحيدي إخناتون قبل المزامير الداوودية بقرون ثلاثة. وهي من أشهر قصص الأنبياء التوحيديين. وأنصح بقراءة كتاب: موسى مصريـّـاّ، لسيغموند فرويد للاطلاع على وجهة نظر أخرى.
ثم تلاه النبي داوود الذي اشتُهِر بالمزامير. وقد قامت دراسات مقارنة بين مزاميره وبخاصة المزمور 104 وأناشيد إخناتون. اقرؤوا نشيد إخناتون في كثير من المواقع العلمية الموثقة، ومزامير داوود في الكتاب المقدس. وتأملوا.
والحديث في النبوة والأنبياء، في تراثنا العام بكل تجلياته، وفي ثقافة الشعوب الأخرى، له مصادره وموسوعاته الكبرى بدءاً من الكتب السماوية المقدسة، وانتهاء بغير السماوية…
فقط اقرؤوا ما يتعلق بهذه القضية في موسوعة قصة الحضارة لـــ ( وِلْ ديورَنت )، وقصة الفلسفة له أيضاً، وهما يغنيان عن مئات الكتب.
وأخيراً قد يقول قائل: وما بالنا ننشغل بالنبوة والأنبياء والأديان وكتبها…ونحن في عصر العلم وعصر غزو آفاق الفضاء، وأعماق المحيطات….وعصر التصدي للعدو الأعظم المخفي فيروس كورونا ؟؟؟
لكنها رحلة الفكر، ومتعة التأمل، وبهجة المعرفة، في أي مجال كان معك، أو ضدك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى