الشاعر محمود درويش بوصفه شاعرا وسيما

فراس حج محمد| فلسطين

ترتبط الوسامة أحيانا بالرغبة في استحضارها، فنلجأ إلى اقتناص الصورة المشتركة. هنا الوسامة غير بريئة إطلاقا إذ تعمل بالعوامل الجنسانية، فالشاعر الوسيم تحبه الفتيات والنساء ويستحضرنه مؤطرا في صورة، والشاعرة الوسيمة يحبها الذكور فيؤطرونها في صورة وهم يغرسون أحد أكتافهم بأكتافها بدعوى غير بريئة. هذا المنطق يعمل جيدا في حالة ارتبطت الوسامة بالشهرة، هنا الشهرة وسامة أخرى أقوى من وسامة الشكل، فترى كثيرين يفاخرون بأن لهم صوراً مع الشاعر محمود درويش. شعراء الصف العاشر ربما من أصحاب المواقع والصفحات الإلكترونية والذين لم يحصلوا أيضا على اعتراف بالشاعرية، يفاخرون بأن صورة لهم تجمعهم مع الشاعر محمود درويش، يضعها أحدهم صورة خاصة لحسابه الشخصي، أو ربما عرضها صورة له في مكتبه تتوهج فيها من بعيد صورة للشاعر الوسيم بالشهرة مع هذا الشاعر المبتلى بحب وسامة الشهرة. هل تضيف الصورة الملتقطة للشاعر الوسيم شيئا للشاعر القبيح في شهرته، بمعنى غير المشهور. أعتقد أن المسألة ستكون أكثر شجاعة بلا عقل عندما تلعب الدبلجة ببرنامج الفوتوشوب عملها في الصور.

محمود درويش شاعر وسيم وسامة مضاعفة بل وسامة مركبة، وسيم أيضا في اللغة، تشعر وانت تستمع له أن يقدّ لك الجملة ويصنعها ويخرجها من بحر لم يخضه خائض قبله، على الرغم من أن كلماته؛ افعاله وأسماءه هي نفسها الموجودة في المعجم، لماذا تصبح صورة الكلمات أجمل والشاعر يلقي كلماته تلك، ألأنه وسيم وسامة مضافة فنرى كل شيء منه جميلا؟ فالشاعر الوسيم شهرة لا يمكن إلا أن نراه وسيما حتى وهو يلعب النرد في المقهى أو يجهز سيناريوهات لردم فجوة الحكاية المؤلمة.
من أطرف ما رأيته في التمسح بوسامة الشهرة للشاعر محمود درويش أن يعبر شاعر “صغيرون” على رأي الفنان عبده موسى عن فقدانه وحنينه لدرويش، فكتب في ذكراه في سنة ما “أفتقدك”. كيف تفتقده؟ وما الذي تفتقده وتحن إليه معه؟ هل سهرتما سوية؟ هل شربتما النبيذ المعتق على طاولة واحدة؟ هل تنازعتما على حب امرأة جميلة؟ هل أفضى إليك الشاعر بأسراره كما يفعل الأصدقاء في العادة؟ هل أخبرك مثلا متى مارس العادة السرية لأول مرة ليعلمك كيف تفعل ذلك؟ هل افتقدته أم افتقدت وسامة شهرته فغاب قبل أن تنفج وتكبر وتناطحه بصورة أسوة بشعراء الصف العاشر هؤلاء فافتقد مكتبك لتلك الصورة الشهوة المشتهاة للشاعر الوسيم شهرة ولغة وقواما وحضورا؟
سيكون لشهرة الشاعر مجال كبير للكذب عند هؤلاء المرضى بالشهرة، أكثر من صورة جامعة لخيالين بعيدين، ويبقى كل يبحث عن علاج لأمراضه، وإن كان بعضها مزمنا لا شفاء له إلا بالموت. أرجوك أيها الشاعر الصغيرون لا تفتقد درويش مرة أخرى، وكن هادئا واقرأ: أنت لا تحبه هو، يعجبك المجاز في أشعاره، وهو شاعرك المفضل، وهذا كل ما في الأمر.
#الذكرى_الثانية_عشرة_لرحيل_محمود_درويش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى