مقال

اللغة العربية

في اليوم العالمي للغة العربية 18 ديسمبر

بقلم: سمير عبد الصمد | الأردن
اللغة اصطلاحًا: هي نسق من الرموز والإشارات التي يستخدمها الإنسان بهدف التواصل مع البشر، والتعبير عن مشاعره، واكتساب المعرفة، وتعدُّ اللغة إحدى وسائل التفاهم بين الناس داخل المجتمع، ولكل مجتمع لغة خاصَّة به، وتعرف اللغة بأنّها عبارة عن رموز صوتيَّة لها نظم متوافقة في التراكيب، والألفاظ، والأصوات، وتُستخدم من أجل الاتصال والتواصل الاجتماعيّ.

يحتفل العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة العربية، وهو اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة اللغة العربية لغة رسمية معترفًا بها، وهذا يعني أن كل ما يجري في الأمم المتحدة يترجم ترجمة فورية إلى اللغة العربية، كما أن كل ما يصدر من مطبوعات وقرارات يترجم إلى اللغة العربية، وهناك هيئة متخصصة معتمدة لذلك، مما يتيح للناطقين باللغة العربية الاستفادة القصوى والاطلاع على كل ما يدور في أروقة الأمم المتحدة. وهي بذلك تَنْظَمُ إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية والإسبانية، وهي اللغات المعتمدة في الأمم المتحدة.

يتكلم باللغة العربية أكثر من نصف مليار شخص على مستوى العالم، وهي تنتشر في مناطق واسعة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، إضافة أنها لغة القرآن الكريم وهي لغة العبادة للمسلمين في كافة أنحاء العالم.
يسميها الأديب عباس محمود العقاد باللغة الشاعرة، وهو لا يقصد أنها لغة يكثر فيها الشعر والشعراء، بل إنها لغة بنيت على نسق الشعر في أصوله الفنية والموسيقية، فهي في جملتها فن منظوم منسق الأوزان والأصوات لا تنفصل عن الشعر، ولو لم تكن من كلام الشعراء.
ويضيف أن الأمم في تنافسها بمناقب لغتهم ومزاياها ألوان من المفاخرة، فمنها التي تفخر بوضوح عباراتها وعذوبة إيقاعها، ومنها التي تفخر بوفرة كلماتها واتساع ثروتها، من ألفاظ الأسماء والأوصاف والأفعال، ومنها التي تفخر بتراثها الأدبي، وذخيرتها الفنية، ومعظم هذه المفاخر لا دليل عليها بل هي أنانية قومية تشبه أنانية الفرد في حُبِّه لنفسه وإيثاره لصفاته.
ولكن الفصاحة العربية في دعوى أهلها مفخرة لا تشبه هذه المفاخر في جملتها؛ لأن دليلها العلمي حاضر لا يتعسر العلم به والتثبت منه على ناطق بلسان من الألسنة، فلا لبس بين مخارج الحروف في اللغة العربية، ولا إهمال لمخرج منها، ولا حاجة لتكرار النطق من مخرج واحد.

ويقول فاروق شوشة في كتابه لغتنا الجميلة: كان العرب شديدي الاعتزاز بلغتهم الجميلة، حريصين كل الحرص على تقديرها ووضعها في أكرم منزلة وأحسن صورة. يتجلى هذا الحرص في عنايتهم بجودة الإلقاء وحسن الحديث، وفي نفورهم من عيب يشوب النطق أو يشوه التعبير. وكانوا يؤثرون من القول ما جاء وجيزًا بليغًا مركزًا، وكانوا ينفرون من فضول الكلام وحواشيه. لذلك لم يكن غريبًا أن يمتدحوا الشخص الذي لديه القدرة على التعبير والخطابة ويعدونها نصف الشخصية الحقيقية للإنسان.

لقد تطورت اللغة العربية تطورًا عميقًا خلال العصور، لكن هذا التطور لم يفقد اللغة العربية في قرننا الحالي صلاتها باللغة في العصر الجاهلي وما تلاه من عصور، بل إننا نستطيع أن نقرأ ونفهم تلك النصوص، إذا توفر لنا قليل من الدراية بمعاني الألفاظ والأساليب، مع فهم المجاز اللغوي، ونحن ما زلنا ليومنا هذا نستعمل بعض التشبيهات والكنايات من العصور الماضية، وما زلنا نفهمها دون عناء، وإنه وبلا شك كان للقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة أبلغ الأثر في حفظ اللغة العربية وصيانتها من الاندثار، كما حدث مع كثير من اللغات التي تشتت وتحولت اللهجات فيها إلى لغات مستقلة، وكادت الصلة أن تنقطع مع ماضي تلك اللغات.

يجب أن نعلم أنه لا غنى للغة العربية عن أبنائها، ولا غنى للعرب عنها، لذا يجب ألا تتخاذل الهمم ولا تقصر الإرادات عن نصرتها، بل على الناطقين بالعربية أن يهبوا جميعًا للوقوف أمام هذه الحملات الشرسة، داخليًا وخارجيًا، للانتقاص من قيمة اللغة العربية ومقدرتها التعبيرية، تمهيدًا للانقضاض عليها وإضعاف شأنها، وهذا ليس كلامًا عاطفيًا فحسب، بل هو خطاب الـمُحبّ للغته الغيور عليها، في هذا الجو المتلاطم من التشكيك والدعوة للتخاذل، والوقوف أمام الدعوات الهدامة التي تشكك بمقدرة اللغة العربية على مجاراة علوم العصر الحديث، بل وهناك دعوات لاستبدالها بلغات يقول الدعاة أنها أخف وأسهل وأكثر قدرة عن التعبير عن معطيات العصر الحديث المتسارعة. إن التبصُّر الهادئ يدعونا للمحافظة على لغتنا بكل ما أوتينا من قوة وعزم، لأنها هويتنا الدينية والقومية معًا، ولا غنى لنا بإحداها عن الأخرى، علينا أن نبدأ بإصلاح التعليم، علمًا أن التعليم ليس وحده مسؤولًا عن الضعف اللغوي، بل هو مسؤولية المجتمع كافة، يجب الاهتمام بالملكات اللغوية في الإعلام، لتقف سدًا منيعًا أمام الدعوات الهدامة، وعلينا أن ننبه أبناءنا لعدم استعمال الحروف غير العربية في كتابة الرسائل، وهي ظاهرة يسميها الـمُتندرون (العربيزي) فاختلاط اللغة العربية بغيرها مَهلكةٌ أيَّ مهلكةٍ. علينا الاهتمام بترجمة العلوم ترجمة تقوم عليها مؤسسات محترمة متخصصة توفر لها الإمكانات المادية الكافية، لتجعل من قراءة الكتاب المترجم مثل قراءة الكتاب في لغته الأصلية.
وما أصدق القائل: إن تحديات القرن الحالي لا تقتصر على التحدي التقني، بل التحدي الأكبر والأخطر ينبع من داخل النفسية العربية التي فقدت إحساسها بأهمية اللغة العربية الفصيحة، فلم تعد لها تلك المكانة التي كانت عليها، فكيف للغة أن تتطور وأهلها يحاصرونها بالإهمال، ويدفعونها بعيدًا عن واقع حياتهم اليومية.

قلت:
يُسافرُ الحرفُ في أسماعِنا نَغَما
ويستثيرُ صداهُ الرائِعُ الهِمَما

***

اللهُ، يا لُغةَ الضَّادِ التـي ملأتْ
أرواحَنا، وسَمَتْ في ذاتِنا حِكَما

***

يَكفيكِ أنَّكِ مِيثاقٌ يُوحِّدُنا
وأنّكِ البيتُ مَرفوعًا ومُحتَكِما

***

وأنَّ منكِ كتابَ اللهِ، أحرفُهُ
وَحيُ القداسةِ يجلو نورُها الظُلَما

***
وأنَّكِ الفِضَّةُ الـمصقولةُ، احتضنتْ
بدائعَ القولِ، مَنثورًا ومُنتَظِما

***

وأنَّ راياتِكِ البيضاءَ خافقةٌ
في الخافقينِ، يَهُزُّ نَقاؤها الأُمما

***

صُنتِ الشريعةَ ألفاظًا ومُعتَقَدًا
فأشرقَ الكونُ من إلهامِها قِيَما

***

نَشُدُّ باللغةِ الفُصحى إرادتَنا
شرقًا وغربًا وإِقبالًا ومُختَتَما

***

ففي حُروفِكِ خَلَّدْنا حضارتَنَا
وفي دُروبِكِ سارَ العِلمُ والعُلما

***

ومن بيانِكِ أرضُ اللهِ ناطقةٌ
الفِكرُ يُتعِبُ في إبداعِهِ القلما

***

إنَّا المُحِبُّونَ، هذا الحبُّ في دمِنا
يَحمي كيانَكِ، لا مَنًّا ولا كَرَما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى