إنها حقا عائلة مُحترمة!

 

 صبرى الموجى/ رئيس التحرير التنفيذي لجريدة عالم الثقافة

  جلست أمامه تحتسى فنجان القهوة الذى دعاها لاحتسائه في مكتبه؛ وإكمالا (لحالة المزاج) أشعلت سيجارة وأخذت ترتشف منها النفس تلو الآخر، وما إن يمتلأ صدرُها بالدخان حتى تلفظه عبر زفيرها، إلى أن امتلأت الحجرة بالدُخان، الذى أصابه بضيق فى التنفس خاصة أنه مُصاب بالحساسية، فدفعه الضجر إلى أن يسألها على استحياء – لأنها ضيفته –  عن الفائدة التى تجنيها من وراء التدخين، فجاءت إجابتها الصاعقة، أنها عادةُ سيئة أدمنتها منذ نعومة أظفارها، رغم أنها من أسرة ( محافظة جدا)، و وزوجة لرجل شديد النخوة لا يمكنها أن تُدخن أمامه، أما من ورائه فلا مانع عنده لأنها حرية شخصية!

مشهدٌ جعله يضحك ملء فيه، ضاربا كفا بكف، إذ إن المرأة أقرت صراحة أنها عادة سيئة أدمنتها منذ الصغر، دون أن تبذل أى جهد للإقلاع عنها.

 نعم الإقرار بجُرم التدخين فضيلة، لكنه لابد أن يتوج بجهد دءوب للإقلاع عنه، وسد كل المنافذ الموصلة إليه، وذلك بعدم مجالسة المُدخنين خاصة فى الأماكن المغلقة، وعدم الرضوخ لضغوط العودة لتلك العادة السيئة بعد الإقلاع عنها، وممارسة الرياضة، وتناول الأغذية الصحية الغنية بالفيتامينات، فضلا عن الرغبة الداخلية لدى المُدخن فى عدم العودة حفاظا على صحته وماله، ثم يأتى الوازع الأخير المتمثلُ فى الانصياع لأوامر الشرع الذى جعل حفظ النفس من ضرورات الدين الخمس، والتى تهلك بسبب التدخين.

ولخطورة التدخين فقد سعى الغرب سعيا دءوبا لخفض عدد المدخنين، أما الحال فى الدول العربية خاصة مصر فيدعو للحسرة، إذ تستهلك مصر نحو 80 مليار سيجارة سنويا، مما أدى إلى استفحال الأمراض الفتاكة التى تودى بحياة آلاف البشر سنويا.

والسيجارة هى القاتل رقم واحد فى العالم، حيث يموت فى إنجلترا – حسب تقرير طبى صدر مُؤخرا- مدخنٌ كل 6 دقائق، وفى أمريكا هناك 400 ألف حالة وفاة سنويا بسبب التدخين.

والمؤكد أن الدخان يُتلف كل عضو يمر عليه بدءا بالشفايف – خاصة مُدخنى البايب – مرورا باللثة والحنجرة والزور والأغشية المخاطية وانتهاء بالرئة، ناهيك عن جيوش السرطانات المسلحة التى تهاجم جسم المدخن بسبب الدخان، إضافة إلى أمراض القلب والشرايين والذبحات الصدرية.

وتبريرُ المُدخن – حينما يُطالب بإطفاء السيجارة خاصة فى الأماكن العامة –  بأن هذه حرية شخصية قولٌ سقيم؛ لأنك حرٌ ما لم تضر، وتقف حريتُك عند الإضرار بالآخرين.

وإذا كانت دراسة طبية أثبتت أن أكثر من 10 آلاف شخص يموتون فى إنجلترا بسبب التدخين السلبى، الناتج عن مجالسة المدخنين، ويموت أربعة أضعاف هذا العدد فى أمريكا ، رغم ما بهما من تقدم علمى وطبى فما بالك بمصر الفقيرة فى هذا وذاك؟!

لهذا علينا أن نُبادر بالدواء قبل استشراء الداء، ونُقلع عن تلك العادة السيئة في ظل تنامي جائحة فيروس (كورونا)، والذي ينتقل بلا مُكابرة عن طريق التدخين، ونتبرأ من تلك العائلات المُحترمة التى لا تُمانع فى تدخين نسائها بعيدا عن أعينها بحُجة أنه حريةٌ شخصية !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى