المرابطون في القدس وحي الشيخ جراح يواجهون إسرائيل بصدور عارية

محمد عبد العظيم العجمي | كاتب مصري

هكذا تتقلص حلقة المرابطين في القدس وحولها رويدا رويدا، حين ينفض عنها الناصرون تاركيها تلقى وحدها قدرها، فتخفت أصوات الجماهير، وتبتلع حناجرها الثائرون، ويجف مداد القوميين والبعثيين ودعاة العروبة وأصحاب الحق التاريخي والحق السياسي .. يأبى الله إلا أن يميز الخبيث من الطيب، وأن يمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين.

 وقد كانت الجماهير العربية في آونة 48 وما بعدها تخال أنها في حلم أو كابوس ما تلبث منه أن تفيق،ـ ثم إذا بها تفيق على وقع الصدمة في 67 واحتلال المدن العربية التي كان مؤملة أن تقود الجموع نحو تحرير فلسطين، فتمنت ألو ظلت في أحلامها سادره؛ ظلت تظن أن عصابات الصهونية أكذوبة تاريخية ما يلبث الجيش العربي ـــ كما كان يسمى حينها ـــ أن تظل قوافله متمطرات حتى تسحق الصهيونية واليهودية، وتعيد تصحيح الأوضاع حيث (لا عصابات ولا صهيونية ولا إسرائيل)، ثم كان ما كان.

والمستمع للإذاعات العربية حينها خصوصا (صوت العرب ) وما تبثه من أنباء وما ترجف به الكورالات من الأناشيد الوطنية والأغاني الحماسية، وما سطر الشعراء وغنى المطربون (عبد الوهاب وأم كلثوم وفيروز)  

أخي جاوز الظالمون المدى

فحق الجهاد وحق الفدا

فجرد حسامك من  غمده

فليس له بعد أن يغمدا !!

 هكذا كتب (على محمود طه ، وغنى عبدالوهاب)

أصبح عندي الآن بندقية

إلى فلسطين خذوني معكم

إلى ربى حزينة كوجه مجدلية ..

إلى القباب الخضر.. والحجارة النبية!!

وهكذا غنت أم كلثوم.

أنا لا أنساك فلسطين

ويشد يشد بي البعد ..

أنا في أنحائك نسرين

أنا زهر الشوق أنا البعد).

وهكذا كانت تغني فيروز!!

ولم يبق لهؤلاء إلا كما بقي لابن الزبير حين انفض عنه أصحابه ومناصروه فقال: أسماء يا اسماء لا تبكيني .. لم يبق إلا حسبي وديني,, هكذا انكمشت مساحة التأييد للقضية من التدويل في المراحل الأولى إلى قضية إسلامية إلى عربية، ثم ما لبث العرب أنفسهم أن انفضوا عنها مستبدلين ولائهم من الصديق إلى من العدو، مولين وجههم شطر إسرائيل وقد صارت الحليف والصديق واللاعب المؤثر في كثير منقضايا الشرق العربي والأوسطي المحورية.. فسارعوا للتطبيع وتبودلت السفارات والأحضان، وشربت الأنخاب وتصافحت الأيدي الملطخة بالدماء الفلسطينية، تمر على أشلاء غزة وبيت المقدس، ثم لا يقشعر لها بدن، ولا يندى لها محيا.

أما المرابطون في الساحات والباحات والمدن والقرى حول القدس وفي أكنافها فهم كما ذكرهم لنا صلى الله عليه وسلم على حالهم، لا يضرهم من خذلهم وهم على ثباتهم حتى يأتي وعد الآخرة كما ذكرهم ربهم فيسوؤا وجوه الظالمين، ويتبروا ما علوا تتبيرا.

أما إسرائيل فلا يراها ذوو الأبصار والعقول من داخل إسرائيل ومن خارجها إلا هذا الكيان المهترأ المتهتك الممزق الأوصال، الذي يفتقد أبسط معاني الأمة أو القومية أو الوطن، ولا يصلح لها إلا كلمة (كيان أو تكوين)، لم ترق حتى إلى الخليط أو المزيج من الأشتات التي كانت متناثرة في مدن العالم كما كتب عليهم، وكما ضرب عليهم من الذلة والمسكنة والصغار، ولم يأذن لهذا الكيان أن يجتمع إلا بحبل من الناس كما ذكر القرآن (بريطانيا وأمريكا)، وحين يٌؤذن لهذا المدد أن ينقطع سيتهاوى من تلقاء نفسه أمام ثبات المقاومة ورباطها .. ولكن حق القول “ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض”.

يقول د. المسيري في الموسوعة “ونحن نفضل استخدام مصطلح (جماعات يهودية) على مصطلح (يهود) حيث الأخير يمثل التماسك والتجانس والوحدة، حيث لا تماسك ولا تجانس ولا وحدة”.. ويقول “تاريخ الحركة الصهيونية ليس جزءا من تاريخ يهودي عالمي وهمي، ولا هو جزء من التوراة والتلمود .. إنما هو جزء من تاريخ الامبريالية الغربية”. وهذا يؤكد فكرة أن الكيان لا وجود له ولا استمرارية إلا “بحبل من الله وحبل من الناس”.

هذه الأشلاء المجتمعة من المذاهب المتنافرة والأيدلوجيات المتصادمة: الأصوليون اليهود الذين لا يقرون بوجود دولة إسرائيل ولا يعترفون بها، بل ويقرون على أنفسهم بالشتات حتى نزول المسيح عيسى بن مريم، أما اليهود العلمانيون الصهاينة المؤيدون لقيام اسرائيل، وقد جمعوا أنفسهم من سراديب الأرض وجحورها علهم يكسبون الأمن ويحققون الكونية الاجتماعية والأسرية والنفسية فإذا بهم ك(المستجير من الرمضاء بالنار)، وإذا بالذلة والمسكنة تلاحقهم أينما حلوا، وأينما رحلوا.

ثم نماذج اليهود الشرقيين (السفارديم) واليهود الغربيين (الاشكناز) وهذه العنصرية البغيضة التي تدب في نفوسهم.. وهي من أسباب تداعي الأمم وزوال الدول ، وأما عرب 48 الذين يمثلون 20% من الدولة اليهودية الذين يعاملون بمنتهى العنصرية والازدراء والإهمال،  وهم لاشك كيان منفصل عن لحمة الدولة اليهودية والصهيونية ، ولا يربطهم بها إلا الصورة الاجتماعية الهشة التي ما تلبث أن تتحول إلى وسيلة من وسائل الفناء حين يؤذن بذلك ..كما تعاني اسرائيل من الشيخوخة المبكرة، من تقلص نسبة الشباب وتزايد أعداد العجزة وكبار السن، مما يبشر بتراجع الشكل المدني للدولة، وتداعي مقومات الاستمرارية الحضارية التي تعتمد في أصولها على العنصر البشري الصحيح.

لم تستطع إسرائيل تحقيق استمرارية كيان الدولة إلا من خلال الشكل البولوتيكي(الانتخابات والأحزاب وتداول السلطة) أما دعاوى الديمقراطية والتقدمية فقد أثبتت تجربة الدولة العنصرية والانتهازية حتى مع مواطنيها،فشلها فهي دولة محكومة بالحاخامات الذي يحكمون أدق تفاصيل حياة أتباعهم،  حتى في استخراج رخصة السيارة واستخدام المحمول؛  حتى العلاقة الزوجية بين الرجل وزوجته لا تتم إلا بإذن من الحاخام وفي مقابل هذا التحكم لجموع الجماهير يجنون الأموال والمكاسب السياسية من الحكومات مقابل التصويت للأحزاب، يأتي قبلهم في إدارة الدولة (الكنيست والموساد).

أما حي الشيخ جراح والمرابطون وأكناف بيت المقدس فتحية لهم من الجماهير العربية وإن اتضح الخذلان في كل تفاصيل العلاقة التي تجمعنا بهم .. وشتان الفارق بين من يبذلون العمر والنفس والوقت والمال، ومن لا يرتجى منهم صرفا ولا عدلا..

لقد أخجل هؤلاء وجودنا إذ وجبت علينا لهم النصرة والمدد فخذلنا حتى عن الدعاء لهم ، وما أظننا إلا نعتذر بهم عند ربنا أن تركنا إخوة لنا لا يملكون شيئا، لكن لهم قلوب كالجبال ونفوس تؤثر الموت على الحياة وقد باعت لله روحها فهنيئا لها الشهادة وهنيئا لها الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى