( أشغال ) طارق الطيب .. “سُباب الهوية” وذات تتعايش

غسان علي عثمان | كاتب وإعلامي سوداني

Ghassanworld@gmail.com

يظل الأديب السوداني المصري النمساوي دكتور طارق الطيب فاعلية ثقافية هي مزيج من هويات تعايشت وانتجت أشكال عالية لملامح ظاهرةً ثقافيةً جوهرها يقوم على دُربةٍ بالثقافة العربية معنىً ومبنى، وفوق هذا التأصيل كانت إنسانية نصوص الطيب تضرب عميقاً في تربة الوعي الكوني تفشي أسراره أمام ضمير الأدب الذي لا يقضي بغير حب، وهو بذلك لا يتناسى شغله وهموميته حول الأنا والآخر، الكوني والخاص، الذاتي والمشغول بتركيب الموضوعية نصوصٌ فوق أخرى، بل يأتي مشروع الطيب وهو مكتمل النضوج يسارع في بناء معرفة تتكئ على جدران مرنة لا يعوقها سيل التحولات الكبرى، بقدر ما ينتج من ثقافي جادته أنه أكثر إنسانية من كل قبل..

هي تجربة جديرة بالنظر والتأمل، تجربة إبداعية قدم بها الطيب الكثير لثقافته السودانية التي تعيش في لاوعيه وفي المكان هي تلك التي هبطت إليه من المحل الأرفع كما يقول الشيخ الرئيس ابن سينا. كما أنه أخلص لإرثه من هوية مصرية تربى عند همساتها منصتاً بحرفية القادر على خزن مظاهر بسيطة يصنع منها حالة متجددة تتلقى خبرتها من غلالة السكون القابع في لفظ (خارج) تتأباه الوجوه لكن يسري حتى يصل، أو من (سبابٍ) أنيق ينتظره صاحبه المدان حتى يرد، إنها خبرة الحياة أن تتجرد الأشياء من سياقها وتتخافف فتنتقل.
هناك استنشق طارق الطيب هواء صرخات الباعة والمتجولة، مكتوم نعم لكنه فصيح وقادر على النطق رغم العبث المسوي ارضهم، ينتظرون بلا ملل قدوم الجديد الذي يلفح جبينهم بماء العطر، وهم عطشى له، فقراء نعم لكنهم أجمل عملة، ومع غرق الدراويش هناك وهم يسبحون بحمد الحاجة مكتفون منها بتذكير الناس أن هناك حق معلوم لمن لفظته قواعد الحضارة المزيفة.
كان الفتى يتسمر شهواناً لصوت سائقي القطارات النزقين، صوتهم الذي ينطلق جميلاً في خشونة البحث عن رزق يأتي بالقوة، وينفق في اللاشيء، والناس كل الناس هناك في عين شمس قاهرة المعز، مدانون للظل يُكسبهم طاقة أمام “عنف المدنية”.
طارق الطيب يحمل من الهويات ثنائية لا تتضاد (مصرية – سودانية – أو سودانية – مصرية)، وكانت النمسا ثالث ضلعه في تشكيل هويته الثقافية، وهناك حقق لنفسه النجاح ليس بالمثابرة فحسب، بل بالمعايشة، فبات أيقونة لا يعرف فتون اللون إليها طريق، إذ يتصل وجود طارق الطيب بكثير من اسمه يطرق برفق ليعرف أكثر، ويملك حساً رفيعاً استطاع به أن يشغل الناس هناك، حتى أنه ما بات سجين تلك الفولكلورية كونه قادم من بازار للشرق عجيب ومسلي كما يحكي لنا إدوارد سعيد، بل كان طارق ولا يزال ضمير الشرق يوقظ في الآخر استحقاق غُيّبَ بفضل استشراق لا يموت.
إن أشغال الدكتور طارق محاولة لاكتشاف هذه الذات المبدعة، ذاته المتكونة بالحب للإنسانية والمشغولة بتدبير سردية تتعايش في جوفها صور لنا جميعاً، ومعامل حضورنا هنا؛ كيف نترك اختلافنا لصالح قانون الأدب، حيث الكل عيالٌ على الفطرة، والرجل قام بأدوار كبرى لصالح الثقافة السودانية دون أن يكون مديناً لها بكثير قيد، يعيش سفيراً ثقافياً همه تمزيق بطاقة الهويات الضيقة لأجل الإنسان الكبير ، ومفكر يُجمع نفسه على الإفصاح، وأعماله جديرة بالإجابة عن سؤال المبدع لمن يقرأ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى