رسائل بين الوطن والمنفى

هدى عثمان أبو غوش

     “وطن على شراع الذاكرة” هو كتاب رسائل متبادلة بين الأديبة الفلسطينية د.روز اليوسف شعبان من الجليل الفلسطيني، وبين السفير الفلسطيني السابق الأديب الدكتور عمر كتمتو ابن عكّا، المقيم في أُوسلو، وتقع الرّسائل في 120 صفحة من الحجم المتوسط.
رسائل تسافر عبر الرّسائل الإلكترونية من الوطن إلى المنفى، ومن المنفى إلى الوطن، بين أصدقاء جمعتهم ندوة اليوم السّابع المقدسية التي تعقد كل يوم خميس في مسرح الحكواتي في القدس والتي انتقلت إلى تطبيق الزوم بسبب الكورونا، تلك الرسائل ذات مضمون وطني بعيدة عن الأسرار الشخصية أو العاطفية التي كانت بين مي وجيران أو غادة وغسان أو أنسي الحاج وغادة وغيرهم.
في تلك الرسائل تنتصر الذاكرة والحنين والحب للوطن، رسائل تؤكد على حفظ الذاكرة الفلسطينية وعدم النسيان وإن أُقتلعت وغابت شجرة التين وصار البيت بملامح عبرية، وتؤكد أن المنفى ليس بيت الفلسطيني، رسائل وجدت فيها زملائي في الندوة روز وكتمتو مع حفظ الألقاب، كلّ يساند الآخر، روز تبث الأمل في نفس كتمتو وتتعاطف معه وكأنها تريد أن تبرق برسالة لكل فلسطيني في المنفى، إنا معكم صبرا وإن طال المدى، هنا ننتظركم. أما كتمتو فيعزز من صمودها وشعبها.


رسائل رأيت فيها الجميلة عكّا بين قلوب محبيها في الوطن والمنفى، رأيتها في همسات وبوح ابنها كتمتو حين فاض حنينه لطفولته وأكثر في المشهد الإنساني المؤثر عندما تحدث وتعرّف على جارته فاطمة في زيارته لعكّا بالصدفة، ورأيتها في سرد روز في وصفها الشاعري لعكّا.
من خلال تلك الرسائل ظهرت شخصية روز الإنسانة المبادرة المساعدة، روفي إسعاد صديقها كتمتو في البحث عن بيته،وإيجاده، كما ظهرت عاطفة روز الجياشة تجاه الوطن من خلال قلمها الجميل،وكما ظهرت شخصية الطفل عمر التي كشفت عن صفاته.
استخدم الكاتبان عدّة وسائل للمراسلة، الواتس آب، التقاط الصور وإرسالها، كرسمة الأيائل من جهة كتمتو والبيت في عكا من جهة روز.والرسائل الالكترونية.

    لقد تمّ سرد الرّسائل من خلال الوصف والحوار والأسلوب الانشائي والشاعري، فمثلا استخدمت الكاتبة روز الحوار بينها وبين البحر بأُسلوب شاعري،كما واستخدمت أسلوب التأنيس في جعل شجرة التّين تسأل عن كتمتو وتحنّ إليه،للدلالة على أنّ الأرض والشّجر ما زالا أوفياء لأبنائهم وعدم النسيان، كما واستخدمت الخيال في نقل صورة معبرة عن طفولة عمر قبل النكبة نسجتها الكاتبة من خيالها.
أسلوب المدح كان جليا في الرّسائل في نقل مدى تأثر الكاتبان بما يكتبه الآخر من قصائد تعبر عن الوجع والحنين للوطن.

    أجد هناك إسهابا في تعليق الكاتبة على مسرحية ،”بيت ليس لنا”،فالرسائل يجب أن تعرفنا إلى الأشخاص لا إلى الإنتاج الأدبي،وهذا هو سرّ قيمتها.
ذكرت الكاتبة روز حدائق البهجة أثناء ذكرها أيضا الأماكن في عكّا كجامع الجزّار والبحر، حبذا لو ذكرت مكان الحدائق في حيفا،لأن القارىء سيظنّ أنّها في عكّا.
تمّ عنونة الرّسائل وعادة لا يتمّ وضع عنوان حين نرسلها للأصدقاء،وإنمّا تم وضعه من أجل الكتاب.
من الواضح من خلال قراءتي للرسائل أنّ الكاتبين خططوا لجمع الرّسائل منذ البداية وليس بشكل عفوي، ويظهر ذلك من التقديم وايضا حين يقول كتمتو مخاطباً روز”أنّ هذه الندوة كانت السبب فيما نعمل عليه الآن.. وهنا لا بدّ لي من أُثمّن فكرتك الهامّة لاجتماعنا على كتاب واحد”والسؤال الذي يحول بخاطري ماذا لو كانت الرّسائل غير مخططة للنشر،انسيابية غير محددة في إطار الوطن،فهل كنّا سنحظى بمعلومات شخصية أكثر أو يتمّ الكشف عن أحداث أخرى فيها تنوع عدا الاشتياق للوطن؟
أُبارك للأصدقاء عملهما المشترك في إنشاء تلك الرّسائل الجميلة التي كانت باقة حب وحنين للوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى