علم النفس الإيجابي وتغيير السلوك: 5 طرق لتغيير عاداتك

تأليف: د> إيلونا بونويل – ترجمة: محمد السعيد أبو حلاوة | أستاذ الصحة النفسية المشارك، كلية التربية، جامعة دمنهور

 

أولاً- مقدمة – تقويض بنية الاتجار بعلم النفس الإيجابي: 

علم النفس الإيجابي بنهكة برامج التنمية البشرية التقليدية فيه قدرًا مبالغ فيه من التعميه  والتضليل النفسي Fogginess & Misleading  وترسيخًا لما يصح تسميته مبدأ بوليانا كأحد أشكال الأوهام الإيجابية، ومفاده أن تتوقع الأفضل من النتائج مع بذل الأقل من الجهد أو ربما بدون جهد، أن تتصور أن مآلات الأمور هكذا بتلقائية ستكون حسنة وإيجابية دون توافر شواهد موضوعية، أو انطلاقًا من تصورات وهمية بنصائح مباشرة أو بطرائق أقرب إلى دكاكين الجدل والشعوذة العلمية، ويأتي مقال إيلونا بونويل مناهضة لهذا التوجه وترسيخًا للتدخلات العلمية القائمة على الدليل، وعنوانه “علم النفس الإيجابي وتغيير السلوك: خمس طرائق لتغيير عادات؟!! .

بدأت المقال بالإشارة إلى أن لدى معظم الناس ألفة بحقيقة أن العادات غير السوية يصعب تغييرها، وعلى الرغم من أن العادات السلوكية بشكل عام تتكون ببدء شديد وعلى مدار سنوات حتى تصبح ذات طابع ربما تحكمي في سلوكيات الإنسان دون أن يشعر كونها تتعلق بسلوكيات نمطية تصدر منه بتلقائية ويسر وتكرار إلى أن تصبح جزءً من تكوينه أو ربما بلغة الفلسفة جزءً من كنهه وماهيته أو على الأقل يعرف ويوسم بها بين الناس.

وهذا أمر إيجابي في حالة ما يصح تسميته بالعادات السوية الإيجابية أو البناءة مثل العادات الصحية الأكل وممارسة الرياضة والتي يكون لها تأثيرات إيجابية على الهناء النفسي وتقدير الذات وجودة الحياة. وما يثير التعجب بصورة شديدة من توصلت إليه نتائج بعض الدراسات من أن عادة ممارسة الرياضة بصورة منتظمة وبرياضات متنوعة أكثر فعالية في علاج الاكتئاب مقارنة بتأثيرات الأدوية (Babyak et al, 2000) ومع ذلك فإن توفير المعلومات فقط أمرًا غير كافٍ لتحفيز الإنسان وتنشيط همته ودافعية الإقدام على تغيير عاداته غير السوية. 

ذلك لأن الأمر يتطلب أكثر من مجرد تغيير العادات السلوكية، فقد يستلزم الأمر أولاً تحقيق ما يعرف بالوجهة الذهنية القائمة على التغيير والمرنة والقابلة لهذا التغيير والمرحبة به ويدرس هذا الأمر تحت مسمى “العقلية أو الذهنية القائمة على التصويب والإصلاح والتغيير والارتقاء في مقابل الذهنية أو الوجهة الذهنية الثابتة Fixed Vs. growth Mindset  وفق نموذج كارول دويك Carol Dweck وبموجب هذا النموذج فإن من المعوقات المركزية التي قد تحد من توجه الشخص نحو تغيير عاداته السلوكية غير السوية اعتقاده بما يعرف ثبات إمكانياته وجمود قدراته وضيق نطاق ممكناته النمائية للتغيير خاصة إذا اقترن هذا الاعتقاد بانخفاض مستويات قدرته على تنظيم وإدارة ذاته low levels of self-regulation فضلاً عن تعقد عملية التغيير ذاتها. على سبيل المثال، فإن تبنى الشخص للوجهة الذهنية الثابتة أو الوجهة الذهنية القابلة للتغيير والارتقاء حسب تصورات دويك تحدد إلى درجة بعيدة مدى إمكانية قيامه بتغيير ذاته أو إخفاقه في تغيير عاداته بل وتحدد في نفسه مدى قصر أو طول المدة الزمنية لتحقيق هذه الغاية وفي نفس الوقت مدى قدرته على التعافي واستعادة العافية النفسية والنهوض من العثرات والإخفاقات.

فالأشخاص الذين يؤمنون أو يتبنون ما يعرف بالوجهة الذهنية الثابتة Fixed Mindset غير القابلة للتغير يعتقدون أن قدراتهم وإمكانياتهم فطرة ومحدودة السعة ويتعذر تنميتها أو إثراءها، بينما نجد أن ذوي الوجهة الذهنية المرنة أو المتغير Growth Mindset يتصورون ويؤمنون بأن قدراتهم وإمكانياتهم قابلة للتحسين والترقية وأن إنجازاتهم الحالية تعزى إلى قدراتهم ومجهوداتهم وتصميمهم ومواظبتهم أكثر من تركيبتهم الجينية وقدراتهم الموروثة (Dweck, 2002) .

أكثر من ذلك، يجب أن نضع في الاعتبار أن نتائج الدراسات البحثية الحديثة تشبه قدراتنا على ضبط وتنظيم الذات self-regulation أو إرادة القوة willpower بالعضلات والتدريب العضلي بمعنى أنها تتطلب تدريبًا مكثفًا ومنتظمًا دون أن يكون مجهدًا، ذلك لأن على سبيل المثال ممارسة التدريبات العضلية دون نظام ودون وعي أو بكثافة غير منضبطة يؤدي إلى استهلاكها وإلى نفاذ قدرتها على التحمل الأمر الذي ربما يفضي إلى نتائج سلبية بالرغم من حسن النوايا (Baumeister, etal., 2006) وما يجب أن يقر في الأذهان حتمية الوعي بأن أي عملية تغيير تمر عبر عدد متتالٍ من الخطوات المنتظمة إذا ما أريد تحقيق نواتج إيجابية (Prochaska, Norcross & DiClemente, 1995) .

وطرحت في الآونة الأخيرة عناوين براقة تحت مسمى “علم النفس الإيجابي وتغير السلوك Positive Psychology and Behaviour Change توجهًا لاستثمار عطاء علم النفس الإيجابي المجال التطبيقي، على اعتبار تصور أن علم النفس الإيجابي هو “علم السعادة والهناء أو التنعم happiness and well-being .

 

ثانيًا – علم النفس الإيجابي وتغيير السلوك:

عادة ما يعرف علم النفس الإيجابي مع تحفظي الشديد على هذا التعريف بأنه “علم دراسة السعادة والهناء أو التنعم وطيب الحياة the science of happiness and well-being”  ويصر أنصاره على أن المدخل الأكثر فاعلية في التغيير الإيجابي للناس هو مدخل التركيز على مكامن القوة وجوانب التميز وليس مظاهر الصعوبة أو بواطن الضعف والقصور.

 لكن قل لي بالله عليك كيف تطالب من شخص لديه ضمور في العضلات وهشاشة في العظام أن يدخل سباق جرى (100 م) قبل أن تعالج أولاً بواطن ضعفه ثم تركز على مكامن قوته؟! والأجدى أن يكون التدخل وفقًا للمنحى التكامل المتزامن، لكن وتمشيًا مع فلسفة علم النفس الإيجابي في صيغته التقليدية يروج أنصاره إلى أن تعظيم ما نملك وتقويته وتدعيمه والتعامل مع مكامن القوة وتنشطيها وزراعة الخبرات الإيجابية متطلبًا مركزيًا لتحقيق الهناء والتنعم وطيب الحياة على أن يرتكز ذلك على تدخلات تنموية قائمة على الدليل وثبت التحقق الإمبيريقي من فعاليتها وإثمارها الإيجابي.

وفيما يلي مناقشة لعدد من الاستراتيجيات التي يمكن بموجبها تسهيل تغير العادات السلوكية السيئة وتعلم عادات جديدة من منظور علم النفس الإيجابي: 

– الحنين إلى الإيجابيات واستعادة الذكريات الإيجابية Positive Reminiscing:

وتتطلب هذه الاستراتيجية ممارسة ما يعرف بالاستعادة الذهنية للخبرات الناجحة في حياتك من الماضي، مع الاجتهاد في إحياء هذه الذكريات وجعلها تختل ذاكراتك كأنك تعيشها من جديد عش فيها ومعها واغرق في تفاصيلها واستدعي ملابستها وسوابقها وسلوكياتك فيها ولواحقها أو ما ترتب عليها من نتائج، ببساطة عشها مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة، حاول أن تحيلها إلى واقعة حياتية كأنها هنا والآن، وعادة ما يتم ذلك وفق ما يعرف بقائمة الحنين الإيجابي إلى الماضي. 

 

– المذاق الإيجابي لوقائع وخبرات الحياة Savouring:

من الاستراتيجيات الأخرى التي تزيد من استمتاع الإنسان وابتهاجه في الحياة ما يعرف بتذوق طعم البهجة والتلذذ بكل ما هو إيجابي ذا طابع قيمي أخلاقي وقد يتم ذلك بالاندماج أو بلغة علم النفس الإيجابي بالتدفق أو الاستغراق بكامل منظومات شخصيتك في أنشطة إيجابية مفيدة، وبالانتباه التام التقدير الإيجابي للخبرة الراهنة مع تجنب الرفض والانسحابية من الحياة، استمتعت بوقت منذ يقظتك تذوق وتلذذ بطعم الإفطار واجعلها خبرة إيجابية، مارس الرياضة المحببة، اجرى كما تشاء وفكر في كل ما هو إيجابي، يتطلب الاستمتاع بالحياة والتلذذ المشروع والإيجابي بمباهجها اندماجك فيما تؤديه تركيزك فيما تجده ممتعا لك بشرط أن يكون أخلاقيًا ومنضبطًا قيميًا. ومن طرائق الاستمتاع الإيجابي:

+ مشاركة الآخرين، السعي إليهم الترحيب بهم التحدث معهم.

+ بناء الذاكرة: اجعل ذاكرتك ذات طابع استرجاعي لكل ما هو إيجابي مرر عليها دائمًا الأحداث والذكريات الممتعة واستدعها وتوقف عندها وصفًا وتحليلاً.

+ قدم التهاني لنفسك احتفي بذات Self-congratulations لا تمارس عادة البخل الانفعالي على ذاتك ولا تخشى من الثناء الإيجابي والتقدير الواقعي لذات افرح بمنجزاتك ودعنا نفرح معك بها، تحدث مع نفسك بصورة إيجابية دون ادعاء أو مبالغة أو تهويل أو تهوين، ترقب الإيجابي وقل لنفسك أنك قادر على صناعته.

+ الإدراكات الحادة والعميقة أو بتعبير آخر اجعل ادراكاتك حادة وقوية ومفعمة بالدلالة والمعنى والوضوح Sharpening perceptions ركز على العناصر الإيجابية في الخبرة الحالة هنا والآن ووسع من نطاقها وعمقها وامتدادها، وقد يقتضى الأمر ما يعرف بالتغافل الإيجابي عن العناصر السلبية فيها على الأقل مؤقتا لأن المطلوب الآن الاستمتاع بالإيجابي وتذوقه وعلى حد التعبير العامي “الهم ملحوق عليه”.

+ الاستغراق Absorption مارس وعود نفسك على الانسيابية على الرشاقة في الإبحار التام في المهمة أو النشاط الذي تؤديه، وربما بتلقائية وبيسر وبحس وذوق إنساني يأبى التراجع عن إمتاع الذات والأنس بالنجاح في إتقان المهمة أو أداء النشاط دون انتظار إثابات من خارجه غير المتعة والإثمار الإيجابي. 

+ زيادة الأمل وتمكينه من بنائك النفسي “زراعة الأمل Increasing Hope“:

الأمل أو الاعتقاد في حدوث نواتج إيجابية، يمكن تنشيطه عن طريق استراتيجية التصوير البصري لما سمته إيلونا بونيويل Ilona Boniwell أفضل ذات ممكنة. وأن يمارس الشخص ما يعرف برسم صورة ذات مستقبلية إيجابية، وتخيل أن كل شيء يمكن أن يحدث وفقًا للطريقة المأمولة، الأمر الذي يزيد من احتمالات تحقيقك لما تهدف إليه، ويتطلب هذا الأمر أن تدرب نفسك باستمرار على كتابة ما تريد تحقيقه في المستقبل وتصور ذاتك فيه وأن تمارس هذه الفنية لمدة أربعة ساعات كل أسبوع على اعتبار أن الأمل أقوى محرك انفعالي للإنسان في الحياة (Lyubomirsky, 2008) .

+ استثمر مكامن قوتك Using Your Strengths:

لا يمكن للإنسان استثمار وتوظيف مظاهره قوته وجوانب تميزه بمجرد التمني أو بمجرد أن ينصحك شخص بذلك، فاستثمار مكامن قوتك يقتضي أولاً وضع ذاتك على ما يعرف بمشرحة التحليل النفسي للذات وفقًا لمصفوفة التحليل الرباعي، مع تركيز خاص على التفاعل بين بعدين مركزيين منها هما: جوانب القوة × الفرص المتاحة للارتقاء بالذات، وعلى الأقل تحييد التأثير السلبي للمخاطر والتهديد × مظاهر الضعف.

+ الاستجابة للأخبار الجيدة بطريقة نشطة ـ بناءة Responding to Good News in an Active-Constructive Way:

كشفت نتائج الدراسات البحثية عن أن ما يميز العلاقات الجيدة عن العلاقات السيئة ليس استجابة الشريكين “شريكي الحياة” “الزوج والزوجة” أو رد فعلهما للمشكلات، بل بتقبلهم وترحيبهم بالأخبار الجيدة والإيجابيات المتضمنة في كل طرف منهما (Gable et al, 2004).

 

ثالثًا- التعريف بإيلونا بونويل:

د إيلونا بونويل Ilona Boniwell: واحدة من الرواد الأول لعلم النفس الإيجابي في أوربا، وتعد من المؤسسين لأول برنامج تعليمي لمنح درجات الماجستير في علم النفس الإيجابي التطبيقي Masters Degree in Applied Positive Psychology (MAPP) في أوربا بجامعة شرق لندن University of East London، وتترأس الآن البرنامج الدولي للماجستير في علم النفس التطبيقي في جامعة جامعة أنجليا روسكين Anglia Ruskin University والذي يتضمن مسار التدريب في علم النفس الإيجابي المتخصص، وتدريس الإدارة الإيجابية في المدرسة المركزية باريس l’Ecole Centrale Paris.

وتتركز خبراتها المهنية والتدريسية في مجالات علم النفس الإيجابي وعلم نفس التدريب الإيجابي positive psychology coaching، مع اهتمامات بحثية خاصة بالقضايا التالية:

– الاستثمار والتوظيف الذاتي للوقت subjective time use.

– منظور الزمن time perspective.

– طيب الحياة أو التنعم القائم على الفضائل ومكامن القوة والجدارة والاقتدار eudaimonic well-being.

– تطبيقات علم النفس الإيجابي في قطاعات: الأعمال، التدريب، والتعليم.

واستكمالاً لجهودها المهنية في مجال علم النفس الإيجابي أسست د إيلونا بونيويل Ilona Boniwell  الشبكة الأوربية لعلم النفس الإيجابي European Network of Positive Psychology (ENPP) وكانت أول رئيسة لها، وأصبحت بعد ذلك عضوًا فاعلاً في لجنة التوجيه الخاصة بها.

ونظمت أول اجتماع للمجلس الأوربي لعلم النفس الإيجابي في يونيو 2002 في وينشستر Winchester  كبداية لتقليد نصف سنوي لمناقشة قضايا علم النفس الإيجابي، وعملت كنائب لرئيس الجمعية العالمية لعلم النفس الإيجابي International Positive Psychology Association (IPPA) وعضو مجلس إدارتها منذ 2007، وهي الآن نائب رئيس الجمعية الفرانكوفونية لعلم النفس الإيجابيFrancophone Association of Positive Psychology، ومساعد المدير التنفيذي لتحرير مجلة علم النفس الإيجابي التطبيقي Applied Positive Psychology Journal. 
ومن أهم مؤلفات د إيلونا بونويل “علم النفس الإيجابي باختصار Positive Psychology in a Nutshell  سنة 2006، 2008، والاشتراك في تأليف كتاب معادلة السعادة The Happiness Equation ” سنة 2008، وكتاب: “علم النفس الإيجابي: النظرية، البحث، والتطبيقات Positive Psychology: Theory, Research and Applications” سنة 2012، وكتاب “دروس في طيب الحياة والتنعم للمدراس الثانوية Well-Being Lessons for Secondary Schools” سنة 2012، وشاركت في تحرير كتاب “مرجع أكسفورد في السعادة The Oxford Handbook of Happiness” سنة 2013، فضلاً عن المشاركة في تأليف كتاب “المراهقون المتحمسون Motivated Adolescents”، وانتهت مؤخرًا من تأليف كتاب “علم النفس الإيجابي في العمل Positive Psychology at Work in a Nutshell.

كما تعد د إيلونا بونويل المستشار النفسي الإعلامي الرئيسي لسلسلة برامج معادلة السعادة في البي بي سي 2 من سنة 2006، وتكتب مقالات نفسية في كبريات الصحف العالمية مثل الجارديان، والتايمز، إضافة إلى المجلات النفسية والعمل الإعلامي والبرامج التليفزيونية في عديد من الدول كفرنسا وروسيا. 

المصدر:

·         Boniwell, I. (2017). Positive Psychology and Behaviour Change: 5 Ways to Change Your Habits.

·         Ilona Boniwell: http://positivepsychology.org.uk/author/ilona-boniwell/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى