بوتين ووحل أوكرانيا 

بقلم: عدنان الصباح 

ابدا ليس بعيد تاريخ الصراع في منطقة الخليج العربي حيث يبدو ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يكرر ما كان قد فعله الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي دفع الى حرب طويلة مع ايران توصف بانها الحرب الاطول في القرن العشرين والتي كبدت البلدين ايران والعراق خسائر هائلة ومنعت قدرتهما على التقدم وبدل ان يستريح العراق بعد وقف القتال مع ايران وجد نفسه مرة اخرى يتورط في احتلال الكويت وكل الاخبار تشير الى ان الولايات المتحدة الامريكية جعلته يعتقد ان بإمكانه ان يفعل ذلك ولن يجد اعتراضا عليه لكن الحقيقة التي وجدها على الارض كانت غير ذلك فقد توحد العالم تقريبا في مواجهته بما في ذلك الحليف المتوقع الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الامريكية وهي التي كانت الداعم الرئيسي له عبر حلفائها في المنطقة وفي المقدمة السعودية والكويت في حربه على ايران. 

في الحرب على ايران كان الرئيس العراقي يدرك انه سيجد دعم الولايات المتحدة وصمت الاتحاد السوفياتي لكنه اخطأ الحسابات في حربه على الكويت فقد اصطف العالم ضده وفيما عدا الاردن واليمن فان أيا من الدول العربية لم يعلن تأييده لغزو الكويت وان جامل البعض بموقف متردد كالجزائر مثلا الا ان العراق وجد نفسه وحيدا ومحاصرا حتى من اقرب المقربين وتدحرجت كثيرا كرة الثلج الامريكية ضد العراق الى ان وصلت حد احتلاله علنا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها ونهب ثروات العراق وتدميره واخضاعه لسطوة الولايات المتحدة وعصابات الفاسدين والمنتفعين ليتحول العراق من البلد الاغنى في المنطقة الى البلد الاكثر فقرا وتخلفا وفوضى برعاية الامبريالية الامريكية وحلفائها وادواتهم. 

تدريجيا ورطت امريكا بوتين في حربه على اوكرانيا بدءا من الطلب من رعاياها ورعايا حلفائها بمغادرة اوكرانيا الى حد تحديد ساعة الصفر وذكر تواريخ وسيناريوهات للغزو الروسي لأوكرانيا الى حد جعل العالم باسره بوقن ان الحرب واقعة لا محالة وتركت الرئيس الاوكراني يعلن تعنته في مواجهة روسيا وذهبت الى ابعد من ذلك على ما يبدو بتسريب بعض الاخبار التي ارادتها ان تصل الى روسيا عبر ابلاغها للصين وهو ما كشفت عنه مصادر الإدارة الامريكية موجهة لومها للصين لأنها استغفلتها او استغلت سذاجتها ” هههه ” وهي الكذبة التي يدركها القاصي والداني فالولايات المتحدة لا تنشر معلوماتها لاحد فماذا يعني ابلاغها هذه المعلومات وللصين بالذات دون يعلم احد ما هي هذه المعلومات بالتحديد. 

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وجدت الولايات المتحدة نفسها وقد اصبحت زعيمة مطلقة للعالم احادي القطب لكن الامور بدأت تنحو منحى اخر حين قرر الدب الروسي استعادة عافيته وبدأ يقف في وجه الولايات المتحدة في الكثير من القضايا ومنها الموقف من ايران وتجاربها النووية وسوريا التي دخلت فيها سوريا علنا وبقوة في مواجهة المشروع الامريكي هناك ودعمها العلني لكل الانشطة المعادية للولايات المتحدة في العالم ولذا كان لا بد للولايات المتحدة ان تجد طريقا مناسبا لعزل روسيا واعادتها الى مربع انهيار الاتحاد السوفياتي ورغم رفضها المؤكد لانضمام اوكرانيا لحلف الناتو الا انها اصرت على عدم تقديم ضمانات لروسيا بذلك وحرصت ايضا على عدم الظهور بمظهر المستعد للدفاع عن اوكرانيا ورغم ذهاب بوتين الى حد اقتطاع دولتين من اراضي اوكرانيا واعلان الاعتراف باستقلالهن الا ان امريكا لم ترد على ذلك بشيء سوى الصمت والادانة اللفظية مع انه كان بإمكانها ردا على هذه الخطوة ان تقبل اوكرانيا في الناتو او ان توقع مع اوكرانيا اتفاقية دفاع مشترك او حتى ان تذكر روسيا بمذكرة وارسو الموقعة من قبل روسيا وامريكا وبريطانيا والتي تضمن استقلال وسلامة اراضي اوكرانيا من الجميع وتعهد بعدم استخدام القوة ضدها وفضلت امريكا عدم ذكر هذه المذكرة التاريخية ولا باي شكل من الاشكال بينما تقدمت الصفوف بقوة بعد بداية الحرب على أوكرانيا لعزل روسيا وتدميرها اقتصاديا وهو ما زالت تفعله يوميا وكان جعبتها لا تخلو من عقوبات يومية جديدة في كل صباح من صباحات الحرب. 

روسيا وبيلاروسيا وسوريا وكوريا الشمالية واريتريا فقط هي من صوتت لصالح روسيا في الامم المتحدة وحتى الحلفاء المفترضين بقوة كالصين وايران وكوبا ونيكاراغوا اكتفتا بالامتناع عن التصويت بينما يصمت الجميع عن افواه الغرب المفتوحة لنهب الثروات الروسية في الخارج وتدمير الداخل عبر تجميد الارصدة والممتلكات وتحييد البنوك الروسية مما كان له اخطر الاثر على روسيا التي اوقفت التداول في سوق الاسهم وتدهور سعر الروبل كما لم يحدث في التاريخ وتحاول روسيا تجاوز الازمة بوضع حلولا فورية كضخ مبالغ طائلة في البنوك لتعويض العجز في السيولة وكذا القرار برفع العمولة على القروض اكثر من 100% وهو ما سيكون له مردود اسوأ على البنوك لعزوف المقترضين بمثل هذه الفائدة المرتفعة وكذا السعي للحصول على النقد الاجنبي كالدولار واليورو والجنيه الاسترليني والتخلص من الروبل مما سيؤثر بشكل اسوأ على وضع اليورو في المستقبل القريب. 

لا شك ان الشيطان الامبريالي نفسه الذي ورط صدام في الكويت هو من تمكن اليوم من توريط بوتين في اوكرانيا وهو يكرر نفس السيناريو ويستخدم نفس اللغة في التعاطي مع الموضوع الاكراني بلصق التهمة بالرئيس بوتين وشيطنته تماما كما فعلت مع صدام وقد بدا البعض يتحدث عن الصفات الشخصية للرئيس بوتين ونشر قضاضا فساد ومرض عصبي وتشكيك بقدراته العقلية والنفسية وذلك بهدف تحويل الانظار عن كل افعالهم وجعل القضية محصورة بشخص الرئيس بوتين لتشجيع المعارضة الروسية الداخلية على السعي للتخلص منه وتماما كما فعلت بالمعارضة العراقية التي حولتها الى جهاز امني تابع للمخابرات الامريكية ستسعى لتجد من هم كذلك من المعارضين الروس او المتضررين من العقوبات ضد روسيا عبر اقناعهم ان العقوبات سببها شخص بوتين لا روسيا وكما كان شعار التخلص من صدام لصالح حرية ورفاهية العراق سيكون الشعار كذلك للتخلص من بوتين للوصول بروسيا الى حالة الازدهار ” الأبهى ” في العراق كما تبدو عليه حالتها اليوم في ظل الحرية الامريكية في استباحتها وهو ما تطمع اليه الولايات المتحدة في استباحة ثروات روسيا واوكرانيا ومعا وهي التي تفوق بمرات ومرات ثروات العراق. 

نفس المأساة التي انتهت بها حياة الرئيس الراحل صدام حسين تحاول امريكا اليوم اعادتها مع الرئيس الروسي بوتين وهي قد بدأت بتصويره تماما كديكتاتور غبي ومتهور كما كان صدام وقد تمكنت وبسرعة فائقة من تجييش العالم ضده وكذا تحييد من اراد تحييده وعلى الرئيس بوتين ان يأخذ العبر وبسرعة مما يجري على الارض فقد اتخذت الصين والهند وايران موقفا محايدا بالامتناع عن التصويت وهو يعني ببساطة رسالة واضحة للرئيس بوتين اننا لن نكون معكم ضد مصالحنا ومصالح بلادنا الاقتصادية مع الغرب فالصين تملك اكثر من 1095 مليار دولار من سندات الخزينة الامريكية كما كانت في مطلع العام 2021 كما ان الدولار يشكل الحصة الاكبر من احتياطيات الصين النقدية البالغة اكثر من 3,2 تريليون دولار كما ان العلاقات التجارية للهند تعتبر الولايات المتحدة رقم 1 في العالم وقد نمت عمليات التبادل التجاري بينهم لترتفع من 20 بليون دولار عام 2001 الى 147 بليون دولار عام 2019وبالتالي فان على الرئيس بوتين ان لا يضع في حساباته حلفاء محتملين دون ان يدرك ويسعى لوزن مصالح هؤلاء الحلفاء فالهند مثلا لم تتمكن من استيراد الطاقة من ايران الا بموافقة الولايات المتحدة على استثنائها من العقوبات وبشروط فرضتها عليها الولايات المتحدة ولا زالت تلتزم بها حتى ان الايرانيين الاكثر تضررا من الولايات المتحدة لم يكونوا مستعدين لتقديم تضحيات اكثر لمساندة روسيا وهو ما يعني ان روسيا ستجد نفسها في عزلة حقيقية وقد تفتح العقوبات ضدها شهية البعض للحلول مكانها وهو ما يفسر صمت الولايات المتحدة حتى الان عن فرض عقوبات على القطاع النفطي الروسي وقد يكون ذلك لسببين الاول اخذ فرصة لإيصال البدائل حتى لا تحدث فترة انقطاع او التفاوض على ذلك مع جهات تحتاج الخروج من ازمتها وهو ما سيعني ان امريكا وحلفائها قد يضربون عصافير بحجر روسيا الذي غرز اقدامه في وحل شتاء اوكرانيا وبعد كل شيء فان الامر لا زال بيد بوتين ما دام الاكران يحضرون الى مائدة المفاوضات. 

على بوتين مرة اخرى الاستفادة من الدروس جميعها ما انتهى منها كتجربة صدام وما بدا كتجربة التصويت في الامم المتحدة وان لا يبدا من حيث بدأت امريكا في التورط بحروب خارجية ووحل لا ينتهي وهي التي انتهت بالتحول من محارب الى مقاول حرب يستخدم مقاولي الباطن بدلا عنه ولا دور له سوى قبض الثمن بعد ان تنتهي المقاولة. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى