القافية المزدوجة

سليمان أبو ستة

 

القافية المزدوجة

  1 – قد يحسّ الشاعر الذي يريد أن يبني قصيدته على حرف كثير الشيوع أن قافيته قد ضعفت، مع أن سبب الضعف لا يرجع في هذه الحالة إلى خفوت جرس الحرف بقدر ما يرجع إلى كثرة شيوعه في الكلام عامة. مثال الحالة الأولى قصيدة كثيّر عزّة التي أولها:

خليلي هذا ربع عزة فاعقلا * قلوصيكما، ثم ابكيا حيث حلّت

فقد التزم فيها اللام مع التاء غير بيت واحد، كما لاحظ د. حسين نصار في كتابه “القافية في العروض والأدب”. ومع أن تاء التأنيث هنا حرف كثير الشيوع، إلا أن الكاف لا يمكن وصفها بخفوت الصوت مثل التاء، فلا يبقى إذن للقول بتقويتها إلا لكثرة شيوعها وذلك حين لا تكون أصلية.

وقصيدة الشاعر عبد الرحمن الطويل البالغة أربعة وثلاثين بيتها هي مثال للحالة الثانية، وأولها:

عرفتك أم نكرتك ليست لك * حتى تكون حياتها قتلكْ

وسواء ابتسمت لغيرك أم * لك كل شيء منته قبلكْ

فهذه القصيدة يمكن فهرستها في الدواوين تحت عنوان يجمع الحرفين، وإن كان هو ذاته يخبر بأنه لم يحس بصلاحية الرويّ على الكاف لأنها غير أصلية، ليبرر إدراجها ضمن روي اللام. مع أنه استخدم فيها الكاف الأصلية في ست كلمات هي: يسلك، الأحلك، مستهلك، المسلك، يملك، الليلك.

ولذلك اطلقنا عليها تعبير القافية المزدوجة.

2 – وحين يحلّ رويّ محل رويّ آخر، فإنه يدخل في تعريف القافية بوصفه رويّا بديلا، ويسري عليه تعريفنا التالي: “القافية هي صوت الرويّ وما قد يليه من أصوات، مع نوع الصوت الذي يسبقه، ولنسمّه توسعا في المصطلح الردف. وهذا الردف، إذا كان حركة قصيرة، وكان ثاني صوت يسبقه ألف مدّ، ألتزم هذان الصوتان بعينهما، وليس بنوعهما فقط، وتسمى هذه الألف ألف التأسيس”.

فالكاف حين نعدها رويّا يشترط فيها فقط التزام حركة ما بحد ذاتها، أيا كان نوعها (فتحة أو ضمة أو كسرة). وأما حين نعد اللام هي الرويّ، فإن ما يلزم هو التقيد بردف عبارة عن صوت صامت كالتاء والباء في البيتين الأولين، ولا يجوز في هذا الردف أن يكون من نوع آخر كالحركة طويلة أو قصيرة أو نصف حركة كالواو والياء الساكنتين. أما بعد اللام فيلزم التقيد بالحركة عينها، لا مجرد نوعها فقط. وإذن تكون القوافي التي استخدمت كلمات أصلية قد أفسدها السناد الحاصل من اختلاف الردف بين فتحة وكسرة وضمة. وهذا إشكال بيّن حين نطبق تعريفنا للقافية على هذه القافية المزدوجة، سأعمل على حلّه لاحقا. وربما أوصلنا هذا الحلّ إلى ما يشبه جواز أن تكون القصيدة في هذه الحالة على ضربين ،أسوة بما جاء في قول المرقش:

هل بالديار أن تجيب صممْ * لو كان رسم ناطقا كلّم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى