كيف تنسف جبال الهموم وتهزم جيوش المصائب؟

د. عادل المراغي | أكاديمي وأديب مصري

ما وجدت شيئا ينسف جبال الهموم ويبدد سحب الغيوم ويهزم جيوش المصائب ويسحق كتائب اليأس ويرد غارات البلاء مثل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

 وقد جاء الأمر بالصلاة والسلام علي سيد الخلق صلي الله عليه وآله وسلم صريحا في كتاب الله -عز وجل-، كما في قوله -سبحانه وتعالى- (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

ولقد أدرك أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الحقيقة العظيمة وتلك العبادة الجليلة فراحوا يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كيفية الصلاة عليه، فأجابهم -عليه الصلاة والسلام- بأجوبة كثيرة بيَّن فيها صيغ الصلاة والسلام عليه.

قال بشير بن سعد -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: قد أَمَرَنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم).

وللصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم، فوائد غالية وبركات زاهية ينال صاحبها خيري الدنيا والآخرة. ومما يدل علي أثر الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم في نسف جبال الهموم، وتبديد سحب الغيوم وهزيمة جيوش الأحزان، ما أخرجه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم في المستدرك على الصحيحين: من حديث أبي بن كعب (قال: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك منها؟ قال: «ما شئت» قال: الربع؟ قال: «ما شئت، وإن زدت فهو خير لك» قال: النصف؟ قال: «ما شئت وإن زدت فهو خير لك» قال: الثلثين؟ قال: «ما شئت وإن زدت فهو خير» قال: يا رسول الله، أجعلها كلها لك؟ قال: «إذا تكفى همك، ويغفر لك ذنبك).

قال ملا علي القاري  ـ في مرقاة المفاتيح ـ وأبو العلا المباركفوري ـ في تحفة الأحوذي: (الهم: ما يقصده الإنسان من أمر الدنيا والآخرة ـ يعني إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة عليَّ كفيت ما يهمك من أمور دنياك وآخرتك، أي أعطيت مرام الدنيا والآخرة.)

و إبن القيم ـ رحمه الله ـ له كتاب حافل في هذا الموضوع، سماه: (جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام ) عقد فيه الباب الثالث: في مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي يتأكد طلبها ـ إما وجوباً، وإما استحساناً مؤكداً، بلغت أربعين موطناً منها في التشهد الأخير ومنها في خطبة الجمعة والنكاح ومنها عند سماع إسمه صلي الله عليه وسلم،ومنها عند الدعاء،ومنها عند الهموم والأحزان والكروب.

 وذكر – رحمه الله -تسعاً وثلاثين فائدة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ،وقال في الموطن الحادي والعشرين من هذه المواطن: عند الهم والشدائد وطلب المغفرة.

ومن كلام ابن القيم رحمه الله:

(من أراد إنشراح الصدر ، وغُفران الذنب ، وتفريج الكرب ، وذهاب الهَم فليُكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم).

قال الشاعر:

‏إذا كنت في هم وضيق وفاقة..

               وأصبحت مكروبا وأمسيت في حرج..

فصل على المختار من آل هاشم..

                          كثيرا فإن الله يأتيك بالفرج..

قال أبو جعفر بن وداعة رحمه الله : (من جعل عبادته كلها صلاة علي قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة). ثم قال: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه أن يجعلوا أورادهم صلاة عليه لما علم في ذلك من الفضل والثواب).

ومن لطيف ماذكره الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي في الباهر: قال الطبراني في الكبير: يرفعه: قال زيد بن ثابت( غدونا يوما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى كنا في مجمع طرق المدينة فبَصُرنا بأعرابي أخذ بخِطام بعيره حتى وقف على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن حوله، فقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: فكيف أصبحت؟ ورغا البعير وجاء رجل كان حرسيا (أي جندياً موكل بالحراسة) فقال: الحرسي يا رسول الله، هذا الأعرابي سرق البعير فرَغا ساعةً وحن، فأنصت له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسمع رغاءه وحنينه، فلما سكن هذا البعير، أقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الحرسي فقال: (انصرف عنه فإن البعير شهد عليك أنك كاذب).

 فانصرف الحرسي وأقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الأعرابي فقال: (أي شيء قلت حين جئتني؟) قال: قلت بأبي أنت وأمي: {اللهم صل على محمد حتى لا تبقى صلاة، اللهم وبارك على محمد حتى لا تبقى بركة، اللهم وسلم على محمد حتى لا يبقى سلام، اللهم وارحم محمدا حتى لا تبقى رحمة} فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله عز وجل أبداها لي، والبعير ينطق بعذره، وإن الملائكة قد سدوا الأفق)

والصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم علاج ناجع لهموم الدنيا، وهموم الآخرة ،لأن ‏من أعظم مطالب الدنيا ( أن يكفيك الله الهم ) ومن أعظم مطالب اﻵخرة أن (يغفر الله لك الذنب).

وهما مضمونان ومكفولان بكثرة الصلاة والسلام على المصطفي صلي الله عليه وآله وسلم كما في الحديث:

(إذن تُكفَى هَمك ويُغفَر ذَنبك).

 وتعد الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم- أمرا إلهيا ورد ذكره في القرآن الكريم، حيث خاطب الله تعالى المؤمنين في كتابه الحكيم في أكثر من آية وأكثر من موضع ليحثّهم على الصلاة عليه.

والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- نوع من أنواع التمجيد والتعظيم ورفع لدرجته، وهي ميزة خصّها وخصها الله – سبحانه وتعالى- لخير الأنام سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم-، فهو صاحب لواء الحمد يوم القيامة ،وصاحب الحوض المورود ،والمقام المحمود  وخاتم الأنبياء وسيد الخلق ، وهي تعد عبادة من العبادات المفروضة، ولها أجر عظيم من الله تعالى، ومعناها، اللهم صل على سيدنا محمد،: أي الدعاء والطلب من الله تعالى بالثناء على سيدنا محمد في الملأ الأعلى أي: تكرار مدحه بين الملائكة في الملأ الأعلى.

ومما يدل علي أثر الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم في تبديد الهموم والأحزان ما رواه مسلم مرفوعا من حديث أبي هريرة : ( من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا).

وصلاة الله تعالى على العبد معناها حلول البركات، وإجابة الدعوات، وتكفير السيئات، ودفع البليات وتفريج الكربات وحصول الخيرات،ونزول النفحات ونيل البشريات،وحصول الرغبات.

‏إذا بكيت بجوف الليل مبتهلاً..

          ففي الصباح بإذن الله تبتسمُ..

و إن أتتك جيوشُ الهم غازيةً..

           فبالصلاة على المختار تنهزم..

 ومن ثمرات الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرها ابن القيم رحمه الله:

أولًا: يؤجر المصلي على النبي – صلى الله عليه وسلّم- بعشر حسنات.

ثانيًا: يرفع المصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر درجات.

ثالثًا: يغفر للمصلي على النبي- صلى الله عليه وسلم- عشر سيئات.

رابعًا: سبب في شفاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- له يوم القيامة.

خامسًا: يكفي الله العبد المصلي على رسول الله ما أهمّه.

سادسًا: تصلي الملائكة على العبد إذا صلى على رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-.

سابعًا: الصلاة على النبي تعتبر امتثالًا لأوامر الله تعالى.

ثامنًا: سبب من أسباب استجابة الدعاء إذا اختتمت واستفتحت به.

تاسعًا: تنقذ المسلم من صفة البخل.

عاشرًا: سبب من أسباب طرح البركة.

حادي عشر: سبب لتثبيت قدم العبد المصلي على الصراط المستقيم يوم القيامة.

ثاني عشر: التقرّب إلى الله تعالى.

ثالث عشر: نيل المراد في الدنيا والآخرة.

رابع عشر: سبب في فتح أبواب الرحمة.

خامس عشر: دليل صادق وقطعيّ على محبّة رسول الله – صلى الله عليه وسلّم-.

 سادس عشر: سببٌ لدفع الفقر.

 سابع عشر: تشريف المسلم بعرض اسمه على النبي- صلى الله عليه وسلّم-.

 ثامن عشر: سببٌ لإحياء قلب المسلم.

 تاسع عشر: التقرّب من الرسول – صلى الله عليه وسلم- منزلةً.

عشرون: لا يقتصر فضل الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم-، على هذه الفوائد فقط بل تتعدى لتصل إلى مئات الأفضال التي تعود على المسلم بالنفع والخير في الدنيا والآخرة.

وأعرف صاحبا لي ابتلي بمرض  السرطان وعوفي منه وحدثني باكيا من شدة الفرح قائلاً :(والله لا أعرف سببا لشفائي إلا أنني كنت أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم ألف مرة أو يزيد).

‏‎إنَّ الصلاة على النبي غنيمة

من حازها حاز الكرامة وامتلك

فُز بالصلاة على النبي مُرددًا

صلى عليه الله ما دار الفلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى