كوخ أولاد العم سامي (قصة قصيرة)

د. مدحت عبد الجواد | مصر

بعد أن تراكمت الديون على العم سامي ، لم يكن هناك مفر من مطالبات الدائنين سوى اللجوء للاستدانة من أحد البنوك الخداعة ، وبالطبع نشط في الحصول على قرض، واجتهد لتوفير كافة شروط البنك وما أصعبها …!
أخيرا …حصل على القرض بضمان البيت الجميل الذي ورثه عن والده ، واستطاع أن يسدد الديون لأصحابها كما تبقى من القرض مبلغا ضئيلا ، وقبل أن يفكر في كيفية استثماره… حان موعد ولادة زوجته الحامل في شهرها التاسع ..فحمد الله أنه يمتلك المال الكافي للإنفاق منه على عملية ولادتها ..لكن ما لم يكن يحسب حسابه ..ذلك الأمر الذي أخل بكل حساباته.
فجأة… تخبره إدارة المستشفى أن هناك معجزة حدثت ،
وهى أن زوجته أنجبت أربعة أولاد…!
دارت رأسه من الصدمة ، لايعرف هل يفرح أم يحزن ؟!
ولأنه كان فلاحا يعمل بالأجر ويحصل على قوته بالمشقة، ولا يمتلك قطعة أرض ، فكان كل ما يشغله ، كيف ينفق على أربعة أولاد ؟!
امتلأت المستشفي بالصحافة والإعلام ، حتى أن المحافظ حضر بنفسه ، الكل يصور ويسجل هذا الحدث .
وعلى صفحات الجرائد وشاشات التلفاز ، الكل يقدم الوعود بمساعدة العم سامي في تربية أولاده.
فرح العم سامي حتى أنه أطلق على أولاده أسماء بعض ممن وعدوه من الساسة والإعلاميين بالخير .
وانفض الحفل سريعا وذهبت الوعود أدراج الرياح، وبقي العم سامي وحيدا ، يصارع من أجل قوت أولاده ، وحل موعد سداد أقساط البنك ، لكنه لايملك شيئا .
حتي حكم عليه ، إما الدفع أو الحبس ، لم يكن هناك سبيل سوى أن يبيع منزله الذي هو كل حياته …
غادر منزله الجميل مع أسرته لينتقل إلى مكان عند أطراف القرية ، حيث استطاع أن يبني كوخا صغيرا في الصحراء مستأنسا بجوار أهل القرية ، لم يكن به كهرباء أو ماء ، فكان يضيء منزله بذلك المصباح الريفي الذي يعمل بالكيروسين ، حتى ثمن هذا الكيروسين كان باهظا وشاقا ؛ لأنه لا يملكه في كل وقت ، وإذا احتاجت زوجه للماء كانت تحمل فوق رأسها جرة من الفخار وتسير مسافة كبيرة لتحضر الماء من النيل، والذي غالبا ما يكون ماء عكرا ممتزجا بالطحالب الخضراء ،
ولاعجب لما صار إليه حال النيل !!!
ومرت السنون القاسية وقد استطاع العم سامي أن يعبر بأولاده حتى صاروا شبابا ، وبمساعدة أهل الخير من أبناء القرية استطاع أن يعلم أولاده حتى أصبحوا على درجة من العلم والخلق…
ورغم تفوقهم الدراسي إلا أنهم لم يستطيعوا الحصول على أى وظيفة في الدولة ؛ لأن الوظائف قد حجزت لأبناء الوجهاء و كبار المسؤولين ، وهنا توجه الأولاد لأعمال بالأجر لا تكاد تكفي قوت يومهم خاصة بعدما كبر العم سامي وتوقف عن العمل واشتدت عليه الأمراض فلا يملك ثمنا للدواء ، واستبد به الحزن خاصة بعدما ماتت زوجه على أثر إهمال أطباء المستشفى العام لها عندما نزفت يوما حتى فارقت الحياة .
وزاد من حزنه حال أولاده وما صاروا إليه ….
وفي ذات يوم وبينما الأولاد قد خرجوا للبحث عن عمل وتركوا والدهم المريض دون حراك …
حضرت معدات الهدم لتهدم كوخ العم سامي لأنه مبني على أرض ملك للدولة ، ويبدو أن هذا الكوخ الصغير الذي يقبع في الصحراء على أطراف قرية نائية ، قد أرق مضجع المسؤولين وشغل حيزا من أملاك الدولة فقرروا هدمه..!!!
عاد الأولاد فوجدوا الكوخ حطاما وقد لفظ العم سامي أنفاسه الأخيرة ولم يبق سوى جسده المسجى فوق ركام الكوخ.
بكى أهل القرية حزنا على موت العم سامي فقد كان رجلا طيبا رحيما يشهد له الجميع بحسن الخلق …
قرر أهل القرية أن يبنوا ضريحا في هذا المكان باسم ( ضريح العم سامي )،
وتفرق أولاد العم سامي فلم يسمع بهم أحد حتى يومنا هذا..!
ترى هل يعودون يوما لزيارة ضريح والدهم …!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى