جرائم بيئية في غزة

بقلم: توفيق أبو شومر

اعتدنا أن نسرُدَ أعدادَ القتلى في عملية إبادة الأسر الفلسطينية، أو كما أسمتْها إسرائيل عملية (الجرف الصامد) يوليو 2014،وواظبنا على أن نذكرَ أعداد البيوت والمؤسسات والمقرات التي دمَّرتْها الطائراتُ!

 وأخير،  تمكن فقهاء الأوزان أن يزنوا أطنان الركام الناجم عن التفجيرات والقصف، وحتى  الآن لا أعرف الميزان الذي استخدموه في عملية الوزن، فبعضهم وزَنَ أطنانَ الركام بمليون ونصف من الأطنان، وآخرون استخدموا ميزانا آخر، فقدروا الركام بمليونين ونصف!!

أما بالنسبة لآثار هذه العملية على البيئة، فقد ظللتُ أسمعُ تصريحاتٍ إعلاميةً هامشية عن الآثار البيئية، وهي لا ترقى إلى مستوى الإحصاءات العلمية المُوثَّقة، على الرغم من وجود جمعيات مختصة بالبيئة، وكليات تُدرِّس مساقاتٍ علميةً عن البيئة،وهيئات دولية مختصَّة بالبيئة!

ليست هناك حتى الآن دراسات علمية لآثار المتفجرات على الهواء المحيط، ولا توجد دراسات علمية لآثار هذه المتفجرات على أجسادنا، وعلى التربة الزراعية في غزة!

آمل أن تكون هناك مشاريع لهذه الدراسات، ومن أبرز أهداف هذا المقال هو الحث على فعل ذلك، والإسراع بتنفيذه.

إن عالمَ اليوم هو عالم بيئي، يهتمُّ بالدرجة الأولى بالبيئة لأنها مستقبل البشر أجمعين، والبيئة هي الناظم الوحيد، الذي يشترك فيه العالم، لأنها لا تعرف الحدود الجغرافية، وليست مرتبطة بأسماء الدول، وأنماط الحكومات فيها، فالكوارث تَعُمُّ على الجميع بلا استثناء!!

فغزة ليست منكوبة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، بل إنها منكوبة بيئيا، فغزة المدينة الصغيرة جُغرافيا تعاني اليوم مأساةً كبرى، لا تقل عن مآسيها البشرية والاقتصادية، فقد أقدم المحتلون أيضا على جريمةٍ خطيرة، وهي تجريد غزة من غلافها الأخضر، فجرافات الاحتلال، وقنابله اقتلعت عشرات آلاف الأشجار، ونزعت الخضرة عن جلد غزة، وهذه بالتأكيد جريمةٌ بيئية لا تقل خطورة عن الدمار والقتل والتخريب، فكم شجرة زيتون ونخيل وبرتقال ومساحات زراعية جرى تدميرها، فما آثار الدمار على بيئتنا وصحتنا؟!!

لعلَّ أبرز الجرائم البيئية الأخرى في غزة، تلك الجرائم المتعلقة بتدمير مصادر المياه الجوفية في غزة، فغزة كما هو معروف، قبل عملية إبادة الأسر، تشرب ماء البحر، فلم تعد هناك مصادر مائية صالحة للشرب، وعلى الرغم من ذلك فقد أقدمت إسرائيل على أمرين خطيرين؛ الأول تدمير معظم خزانات المياه في غزة، وتلويث الآبار الجوفية بالمتفجرات، مخترقة الأعماق، بادِّعاء وجود أنفاق إرهابية!

ونظرا لحالة عطش أهالي غزة طوال أكثر من خمسين يوما، فإنهم عَمِدوا إلى تحدي القوانين، فشرعوا في حفر الآبار العشوائية! فمن يزر غزة اليوم فإنه لا يرى سوى الشركات الخاصة بحفر الآبار، وهي تدق أنابيبها داخل البيوت، وصار مألوفا أن يحفر كل صاحب بيت بئره الخاصة به، حتى وإن كانت بئرُه الخاصة لا تبعد عن بئر جاره سوى متر واحد، وأصبحت مهنةُ  حفرِ الآبار في غزة هي المهنة الشعبية الأكثر رواجا!!

ويبدو أن آثار حرب يوليو 2014 سوف تجعل لكل فردٍ في غزة بئرا ومولدا كهربيا خاصا، لم نستفد من تجاربنا السابقة في بلورة سياسة مائية للطوارئ في المجالس البلدية، للقضاء على هذه الفوضى، بأن تقوم البلديةُ نفسها بحفر آبار في مناطق مدروسة علميا لتغذية الشبكة!

وكذلك لم نتمكن من بلورة سياسة نضالية بيئية، نستطيع بها مطاردة المحتلين، ليس سياسيا فقط، وليس بالخطابات الإعلامية، ولا بالأغاني الوطنية في محطات الإذاعة، بل في المؤسسات الدولية، وجمعيات البيئة العالمية، بعد أن نرصد الآثار البيئية لهذه الحرب على مستقبلنا الفلسطيني، بالتعاون مع كل جمعيات البيئة في العالم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى