الشائعة الكبرى.. إبانة الخلاف حول حرف ( الواو )

طاهر العلواني | كاتب مصري

“التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر”، “عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا “، “ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم “، “حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها”

واو الثمانية

قال ابن هشام في المغني: ذكرها جماعة من الأدباء كالحريري، ومن النحويين – الضعفاء – كابن خالويه، ومن المفسرين كالثعلبي، وزعموا أن العرب إذا عدوا قالوا: ستة سبعة وثمانية، إيذانا بأن السبعة عدد تام، وما بعدها عدد مستأنف.

قال الزركشي في البرهان: حكي أنه اجتمع أبو علي الفارسي مع أبي عبد الله الحسين بن خالويه في مجلس سيف الدولة، فسئل ابن خالويه عن قوله تعالى “حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها ” في النار بغير الواو، وفي الجنة بالواو؟ فقال: هذه الواو تسمى واو الثمانية؛ لأن العرب لا تعطف الثمانية إلا بالواو. انتهى، ولم أقف على أحد ذكرها قبله إلا ما ذكره السمين الحلبي. قال: ذكر ذلك ابن خالويه وأبو بكر الراوي عن عاصم. انتهى، وقد مات ابن خالويه سنة سبعين وثلاثمئة.

وقال الثعالبي في فقه اللغة: ومنها – أي ومن معاني الواو – واو الثمانية، كقولك: واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية. وذكر آية الكهف، وآيتي الزمر، ثم قال: فألحق بها – أي الجنة – الواو؛ لأن أبوابها ثمانية، وواو الثمانية مستعملة في كلام العرب. انتهى

وقال الحريري في الدرة: ومن خصائص كلام العرب إلحاق الواو في الثامن من العدد كما جاء في القرآن. وذكر آية التوبة وآية الكهف وآيتي الزمر.

وقال الفيروز آبادي في القاموس: التاسع – يعني من معاني الواو – واو الثمانية، يقال: ستة سبعة وثمانية. وذكر آية الكهف.

وقال العكبري في إعراب آية التوبة: وهي لغة قريش. انتهى

هذه أقوال العلماء المثبتين لها. والحق أن إثبات مثل هذه الواو في كلام العرب وفي أفصحه باطل لا يصح.

والجواب عن أدلتهم:

الأول: قوله تعالى “التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر”. قالوا: دخلت الواو بين الصفة السابعة والصفة الثامنة لأن العدد سبعة تام.

والجواب: اعلم أن القائلين بهذه الواو يجعلون دخولها كخروجها، وأنها لا معنى لها، لا عطف ولا استئناف ولا توكيد. وحسبك أن يقال مثل هذا في الكتاب.

والحق أن هذه الواو عاطفة. قال ابن القيم في البدائع: حسن العطف ليبين أن كل وصف منهما مطلوب على حدته، لا يكتفى فيه بحصول الوصف الآخر.
وقال القرطبي: دخولها جائز، لا يطلب لمثله حكمة ولا علة، كما دخلت في “غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ” فذكر بعضها بالواو وبعضها بغيره. وهذا سائغ معتاد في كلامهم. انتهى
وقال أبو حيان: لما كان الأمر مباينا للنهي حسن العطف في “والناهون” ودعوى الزيادة أو واو الثمانية ضعيف. انتهى

الثاني: قوله تعالى “عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا “

وهذا استدلال من القول عجيب؛ فإن الأوصاف التي قبل ثيبات مطلوب اجتماعها في المبدلات، أما الثيوبة والبكارة فلا يمكن أن يجتمعا في امرأة واحدة، فهو كقولك: أريد للعمل رجالا مسلمين أقوياء أمناء من مصر ومن خارجها. فيتعين العطف؛ إذ لا يتصور أن يكون الرجل مصريا غير مصري، وكذلك لا يتصور امرأة ثيب بكر.
وقد انتبه ابن هشام لنكتة أخرى، أن قوله تعالى “ثيبات” صفة ثامنة لا سابعة، لأن أول صفة “خيرا منكن” فكيف تكون واو الثمانية؟!

فهذه الواو واجبة الذكر؛ لأنها عاطفة، كقوله تعالى “سبع ليال وثمانية أيام” الذي استشهد به الثعلبي ، وقال ابن هشام: هذا سهو بين.

الثالث: قوله تعالى “سبعة وثامنهم كلبهم ” وقبله ” ثلاثة رابعهم كلبهم ” و ” خمسة سادسهم كلبهم “

والجواب: قيل: هذه كقولك: زيد شاعر كاتب، وعمرو فارس وعالم. فلك إثبات الواو وحذفها بلا تعليل. و فيه نظر
والأحسن ما اختاره ابن هشام وجماعة من الأئمة، أنها للاستئناف فيكون ” وثامنهم كلبهم ” تصديقا من الله، كأنهم قالوا: هم سبعة. فقيل: نعم، وثامنهم كلبهم، ونظير ذلك قول بلقيس ” إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ” فقيل تصديقا لها “وكذلك يفعلون” قاله السهيلي وابن هشام. ونظيره أيضا بالفاء قول الملإ من قوم فرعون ” إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره ” فقال فرعون ” فماذا تأمرون ” وكثير.
وقيل: هذه واو الحال، وهو من تعدد الأساليب لئلا يكون الكلام على نسق واحد.

الرابع: قوله تعالى في أهل الجنة “حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها ” بالواو؛ لأن أبوابها ثمانية، وفي أهل النار ” حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها ” بغير واو؛ لأن أبوابها سبعة.

والجواب: أن هذا الاستدلال أعجب من استدلالهم بآية التحريم؛ فأين العدد المذكور حتى يقال: واو الثمانية؟!

بل هذه الواو عطفت جملة فتحت على جملة الشرط، والجواب محذوف. قال سيبويه: وسألت الخليل عن قوله جل ذكره ” حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها ” أين جوابها؟ وعن قوله جل وعلا ” ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب ” ” ولو ترى إذ وقفوا على النار ” فقال: إن العرب قد تترك في مثل هذا الخبر الجواب في كلامهم؛ لعلم المخبر لأي شيء وضع هذا الكلام. انتهى

وقيل: الجملة حال بإضمار قد؛ لأن الكريم لا يفتح باب العذاب قبل حضور المعذب، ومن تمام كرمه ألا يترك باب النعيم مغلقا حتى يحضر المنعم، لئلا ينتظر، ونظيره ” جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ” قاله ابن هشام.

ولما قال ابن خالويه ذلك في مجلس سيف الدولة نظر سيف الدولة إلى أبي علي وقال: أحق هذا؟ فقال: لا أقول كما قال، تركت الواو في النار لأنها مغلقة، وكان مجيئهم شرطا في فتحها، وأما قوله في الجنة فهذه واو الحال، كأنه قال: جاؤوها وهي مفتحة الأبواب، أو هذه حالها. وقال البدر الزركشي بعد أن حكى هذه القصة: وهذا الذي ذكره أبو علي هو الصواب، ويشهد له أن العادة مطردة شاهدة في إهانة المعذبين بالسجون من إغلاقها حتى يردوا عليها، وإكرام المنعمين بإعداد فتح الأبواب لهم مبادرة واهتماما. انتهى

وتقدير الجواب، قيل: قبل الواو، والتقدير: حتى إذا جاؤوها جاؤوها وقد فتحت أبوابها. وقيل: بعد معمول الشرط ، وهو اختيار الزمخشري وابن جني، فالتقدير عند الزمخشري “حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ” اطمأنوا ” وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده……”، وقدره ابن جني: سعدوا أو فازوا.

فهذه واو مصنوعة دخيلة على كلام العرب، ولا يحل لأحد إثباتها في الكتاب، كما يصنع كثير اليوم، وحسب امرئ من الإثم أن يتكلم في القرآن بغير علم. و كما قيل: رحم الله امرأ انتهى إلى ما سمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى