قارب نجاة

أ. د. أسامة محمد عبدالمجيد إبراهيم

أستاذ علم النفس التربوي – جامعة سوهاج – جمهورية مصر العربية

يحكي فيلم “قارب نجاة “، للمخرج الإنجليزي السير ألفريد هيتشكوك، قصة تحطم سفينة وانجراف العديد من الركاب الذين نجوا في قارب نجاة صغير في عرض المحيط. لكن سرعان ما تبدأ الإمدادات الضئيلة التي بحوزتهم في النفاد، ويدخل الجميع في صراع من أجل البقاء. وهنا يصبح انجراف قارب النجاة بمثابة مقاربة لانجراف معاييرهم الأخلاقية!

في غضون وقت أقل مما يتخيله المشاهد، يجد الناجون أنفسهم – وربما المشاهدون معهم أيضا – يتصرفون بطرق لم يكن لأي منهم أن يتخيلها ! هذه المقاربة تعكس مفهوم الانجراف الأخلاقي كنوع من الانحدار التدريجي للمعايير التي يمكن أن تحدث لفرد أو جماعة نتيجة لتفاعل الضغوط البيئية مع أولئك الذين يتعرضون لهذه الضغوط.

يقول علماء النفس إن هذا الانجراف غالبا ما يحدث بنوع من التحايل أو حتى دون وعي من أولئك الذين يتعرضون لهذه الضغوط. تمامًا مثلما يمكن للقارب الذي يسير في وسط المحيط أن يقطع مسافات طويلة دون أن يلحظ الراكب بأي تغير في موقعه … هكذا يحدث الانجراف الأخلاقي بالتدريج دون أن ندرك حتى أن معاييرنا في الحكم والتصرف أو أطرنا المرجعية قد تغيرت (إلى الأسوأ) … وشيئا فشيئا يأخذنا الانجراف بعيدا لدرجة أننا أنفسنا قد نُصاب بالفزع من تصرفاتنا.

نحن جميعا لا نعرف كيف سنتصرف عند مواجهة موقف ينطوي على بُعد أخلاقي محتمل، أو لو وضعتنا الأقدار في موضع ما تختبر فيه معاييرنا الأخلاقية التي تربينا عليها، فقد نملك الحكمة والقدرة على التفكير الأخلاقي، ولكن لا نملك القدرة على التصرف بذات الحكمة التي يتطلبها هذا التفكير …

لو أن شخصًا جرفه التيار قد يرى نفسه في النهاية وقد ابتعد عن الشاطئ، ولكن قد يستغرق بعض الوقت قبل أن يدرك أنه أصبح بعيدا في مكان مختلف، وبحلول الوقت ربما ينسى أين كان وأين أوصل. وبالمثل، عندما يحدث الانجراف الأخلاقي، عادة ما لا ندرك ذلك إلا بعد فترة طويلة وبحلول ذلك الوقت، ربما نكون قد فقدنا شخصيتنا الأصلية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى