النقد المسرحي بين المفهوم والمنهج

إعداد: د. الغزيوي بو علي – فاس | المغرب

تقديم:

النقد نظام معياري، ومرجعية، وقراءة مضاعفة، فهو عودة الى النص، ورفض بأمر الواقع، وانفكاك حالم يتأمل بالقطع التام مع حقبة زمنية للولوج الى حقبة عذراء، إنه أطروحة كونية جذرية متمردة على الحاضر، بمعنى ما فالنقد هو الحلم الثوري يرشده الواقع من أجل إقرار بأمر واقع ممكن يثوره الحلم، فالنقد المغربي نقد محاصر بمرجعيات متعددة لذا اخترت شلة من المسرحيين من أجل مساءلة النص، والمفهوم والمرجع، لذا سأطرح الأسئلة التالية:

كيف تعامل النقاد مع النص؟

وما المنهج المعتمد؟

يعرف النقد المسرحي جدلا حاميا حول الكثير من الأسئلة التي تؤرق بال النقاد والباحثين المهتمين، ولعل من أهم هذه الأسئلة طبيعة المراحل والأشواط التي قطعها هذا النقد المسرحي الغربي منذ انطلاقه على يد اليونان وإيطاليا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا وروسيا، الى أخر التيارات التي تشغل ساحة النقد الغربي حاليا. فالسؤال المطروح كيف وضف المنيعي هذا النقد؟ وكيف تبلورت لديه الرؤية النقدية؟

لقد تغير النقد المسرحي الغربي وطرأ عليه تحول في الأسئلة والأدوات الإجرائية ومن حيث المصطلح، لأن هذه القراءة النقدية هي حصيلة جدل القطائع المختلفة والوظائف التحولات والصنعة والتطور السوسيوثقافي للناقد، فمن خلال الوعي الذاتي الذي هو وعي الاختلاف جعل حسن المنيعي يعتبر هذا” الحضور وليد التراكمات المعرفية التي انبثقت أثناء الممارسة النقدية الغربية في تحليلاتها للنص، واستلهام للمدارس والاتجاهات، فهذه الدرجة  من الحضور في النقد المسرح العربي والمغربي، ولدت الإشكالية الفكرية التي تجمع بين النقد المسرح العربي مع الغرب، وبين النقد المسرحي العربي، وكذا طبيعته الأيديولوجية التي تحجبه وتطمسه.

إن هذه الممارسة تعكس مأزقا يتخبط فيها الفكر النقدي، مما سمح للناقد على بلورة ممارسة نقدية كونية ذات خصوصية عالمية، وليست ذات خصوصية قطرية أو إقليمية. فالحضور عنده ينبغي أن ينطلق من الواقع الذي يتحرك في إطاره، من خلال جميع مستوياته الفكرية والسياسية والاجتماعية لأن تناول هذا الحضور سيدفعنا الى اثارة الأسئلة السابقة نفسها حول شروط انبثاق هذا المفهوم في النقد المسرحي العربي الذي هو نتيجة تحول نوعي طرأ على التراكمات التي أضافتها التيارات السابقة عليه. مما فتح له استلهام للفكر النقدي الأوروبي لأنه يهدف بهذه الأسئلة كما قلنا نتيجة الى دراسة قضية الحضور في النقد المسرحي العربي والمغربي، باعتبارها قضية تبلورت في اتجاه نقدي برز على  الساحة الأدبية والمعرفية منذ أواخر الستينيات وبداية السبعينيات. وبدأ هذا الحضور النقدي يتبلور داخل الاتجاهات وبين التيارات التي كانت تتوزعه من واقعية اشتراكية ووجودية وبنيوية، وهي التيارات التي تخرج هذا الفن من الدائرة الضيقة الى الدائرة الفلسفية والإيديولوجية والسياسية مع التنويع والتلوين هذه المفاهيم والتصورات بأصباغ الابداع الادبي والمسرحي  حيث تشكلت في منهج نقدي يقارب العمل الادبي كوسيلة وواسطة لغاية فنية وشرحه ايضا بمنهج دون الاهتمام بالبعد الايديولوجي ويقول مصطفى الدير يمر المجتمع العربي في الوقت الحاضر بمرحله تغيير اجتماعي على نطاق واسع دخلت اجزاء من المجتمع العربي في مرحلة التحديث خلال الحقب التاريخية المختلفة ادت برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية في كل حالة الى نتائج أهمها تحديث المجتمع وخصوصا في مظهره المادي انتشار التعليم على نطاق واسع انتشار التحذير ونمو المدن وانتشار الأسرة النووية وتراجع مكانة الأسرة كواحده انتاجيه واستخدام واسع للمنتوجات التكنولوجية نشر الوعي الصحي والخدمات الصحية وبناء الطرق يحمل المستقبل في طياته الكثير من التغيير في اتجاه المجتمع المدني. في المجتمع المدني يعتبر مظهرا رئيسيا من مظاهر المجتمع الحديث، والمجتمع العربي لن يشكل استثناء عن القاعدة”[1] فتيات التنظيم في المؤسسة المجتمعية هو الذي يسمح باتخاذ موضوع التطور والتلاقح وحده تنظيميه تقوم بأداء وظائف محدده. وتشكل بعدا متميزا عن عوالم مؤسسه اخرى، تملك اهدافا تطويريه لان الحضور المنهجي من الممارسة المجتمعية يؤدي بالضرورة الى اعتبارها موضوعيه على حسب الانتماء. فهو لا يرجع المسالة الى اشكاليه برغماتية، بل الى الكيفية التي يحتلها الفكر الغربي منذ بدأيه القرن.

ان محاوله تحديد المفاهيم كما قلنا محاوله مشروعه وضرورية،  غير ان هذه المحاولة اصبحت صورة مستمرة، فكل من اهتم بالأخر او بدراسته الا ويعلم ان غايته هو تجديد الادوات والمعارف، أننا نعتقد ان هذا الحضور حاسم بشكل كبير، هو محاوله تحديد المفاهيم ضمن مساله الحضور عندنا في العالم العربي. ونحن نعرف ان تاريخ المسرح في الغرب منذ اليونان الى الان، حيث تتمحور حول مواقف فيما يتعلق بمساله الحضور:

-الموقع الاستعماري الذي يتمثل في التخلف والجهل والأميه.

-الموقع الاقتصادي والثقافي.

-الموقع البنيوي والعلمي.

من هنا تبدو لنا خطورة طرح سؤال عن الذات الراغبة في تحديد المفاهيم، الهوية والعروبة والتعدد الثقافي والكونية، لان الذات العربية تسعى دوما الى تحديد هذه المفاهيم بشكل لاواعي، لان وراء هذا الأخرى المنفلت من ذاته بالمفهوم الفرويدي، ومحكوم بمسلمة اساسية وجوهرية قوامها ان تاريخنا مسكون بالتعالي[2] و الهامش، فلم يعرف تلك الخلخلة والتشظي الابداعي الذي تكرسه الروح النقدية، لان “تاريخه كان ممتلئا بخطاب استبدادي شامل، مع بداية الاسلام حتى المرحلة المعاصرة”[3] فهذا الطرح جعل بعد الحضوري يأخذ مستوى رمزيا بوصفه تراكما هائلا ينبغي اختراقه وزعزعه مركزتيه المطمئنة، لذا يتعين تأسيس قراءه مضادة لنواجه هذه الحداثة المندمجة في التقليدية بالتعدد تاريخ الحضور بإقامه الذاكرة العربية المضادة للانا الاتجاه الاخر.

إن الأسئلة المطروحة لا تتمسك بالحقيقة، كنهائية بل يتطلب الخطاب المسرحي الكتشف من خلال اتباع الحداثة كمبدأ شامل لأنواع التحديث، وكذا الرجوع الى قواعد لعبة الحضور، والأخذ بأحكامه دون نفيه أو تجنبه. لذا ينطلق من نفسه كنظام كلي لينتج أنظمة رمزية ومعرفية قصد تصديرها للأخر الهامش والمختلف، ويقول “نور الدين أفاية”: “إن كل نظام اجتماعي أو غيره يشترط ذاكرة معينة لإضفاء شيء من الترتيب والصرامة في مفاصله، وهذه الذاكرة هي تجل لتعامل خاص مع الزمن، مع الماضي والحاضر والمستقبل، وحين يطلب منا استنطاق الماضي والحاضر-او التنبؤ بالمستقبل فإننا ننظر اليهما كأقانيم، كمنطلقات، وهذا هو عطبنا الأكبر، لان الماضي لا ننظر إليه إلا كموضوع للاستهلاك كموضوع للاستهلاك وليس كموضوع للتفكير الحقيقي، او على الاقل انه لا يرقى الى مستوى التمكن منه ومراقبه تجلياته فينا وفي الاخرين… وعدم خلقنا لزمننا وضعف فعلنا العقل في الماضي والحاضرو في التراث والواقع المتحرك يجعلنا دائما عرضة للابتداع السهل، ويستمر انتاج ماضينا الذي لا يتوقف فينا في مساره، معفيا من كل رقابة ومحاسبة جادتين جسورتين”[4] فتفكيك الخطاب النقدي الغربي يجعلنا نتعامل مع القواميس الموظفة بشكل متنوعه، دون تقديس مشروعيه المرجع، سواء كان هذا المرجع نصا دينيا او حضاريا او سياسيا. فهو شرح دور اذن يأخذ حضوره انطلاقا من النفي والالغاء، ومن خلال الأسئلة التي تلغي الحجب والامتلاك الحقيقي. اذن فالنقد المسرحي عند حسن المنيعي بما اوتى من تنوع ومشروعيه يتأسس على مرتكزات جوهرية مثل: التمسرح والتناص والعرض والتأويل والسرد والحكاية والحوار والارشادات والتعليق…. فهذه الأجهزة المفاهيمية مبثوثه ببديهيات القطيعة في اللحظة الراهنة، ويقول محمود امين العالم: ” انه لا تأكيد لمفاهيم وتصورات ثورية، ولا تنميه لواقع متحرك تنميه ثوريه بغير تعددية الوعي العلمي الصحيح وروح النقد والعقلانية… في وقت اصبح فيه التضليل الفكري وتزييف الوعي وخط الاوراق الايديولوجيا من اخطر الوسائل والأسلحة لتكريس تخلفنا وتبعيتنا[5]“.

لقد سعى الغرب الى البحث خلف رؤية مسرحية تستطيع ان تؤسس لغة جديده حتى لا ترى الوجه نفسه[6], هذه الإمكانية جعلت التفكير يتأسس لمفهوم “الحضور” من حيث هو ضرب من الحق الثقافي الذي يملكه الانسان بما هو انسان امتلاكا مطلقا، فاذا ما اعترفت الثقافة العربية بهذا النوع من الحضور الذي لا يمكن ابدا استلابه، قلل بذلك من امكانية الحاجة التاريخية الهيمنة، وبما ان الامر سيتعلق اذن بالإنسان، يكون عند ابن ممكن الاستفادة الجذرية من قيم الانسان وتراثه، فتمنع بذلك امكانيه الجهوية والمحلية والقومية، كركن جبرين على مشروع الكينونة، بل سيظهر المسرح في مظهر جديد يمكن استيعابة جماليا وثقافيا، لان التاريخ لن يكون نقدا مثاليا، بل ضرب من الحياة الإنسانية التي قربها لنا حسن المنيعي يؤكد على اصالة المسرح “عز الدين المدني” و “عبد الكريم برشيد” و “سعد الله ونوس” و “يوسف ادريس” و “ونجيب سرور”، بحيث ان كل فعل نقدي انما هو مطالب من الداخل بالاعادة موجهه وقويه للهويه وللإنسان. لان الانفتاح عن الاخر بعيدا عن التعصب والانكماش والاقصاء والمحو، يؤدي الى الغاء “الهويات المجنونة والثقافية, التاريخية والقومية والاتزامتية الوطنية والعرقية”[7]. فهذا الطرح يجعلنا نعيد النظر في كل ادوات الاقصاء والمحو، وبالتالي معرفه الخلفية المرجعية التي تحكم هذه المرحلة، وكذا الوظيفة المتبعة لان الالغاء يعني غياب البعد التطوري التاريخي، مما يؤدي حسنا الى التوقف عن السيرورة، في الانفتاح يؤذي حتما الى ازدهار الثقافة العربية على المستوى العالمي[8]. لان التأكيد على الحضور كمكون للهوية العربية، هو تأكيد جوهري داخل الذات المبدعة، حيث ينتهي اليها الإنساني والعالمي، واهتمام تعددي في انيته وفي تحولاته وفي اختلافاته المرجعية. لذا فالناقد في قراءته نوعا من الحضورلذا فالناقد في قراءته لهذا الأخر الغائب الحاضر شكلت لديه رؤية متنوعة، مما أعطى لقراءاته نوعا من الحضور، إما كسلفي وإما كلبرالي الذي يحيي الحاضر “حاضر الغرب الأوروبي فيقرأه قراءة أوروبية النزعة أي ينظر اليه من منظومة مرجعية أوروبية، لذلك فهو لا يرى فيه إلا ما يراه الأوروبي”.[9] فالبعد المتحكم في هذه الطريقة المتبعة، هي الطريقة التي تدعي الحداثة بكل تياراتها دون البكاء عن الماضي التليد، بمعنى أن الانخراط في هذا التراث الغربي هو انعكاس للتحولات الاجتماعية قصد تطبيق صحة المنهج التفكيكي، ليسعي بهذه النظرية الى اقتراح منهجية حوارية تعمل على اكتشاف وحدة النقد المسرحي في سياقه التاريخي والتطوري، مع خلق جسور باطنية بينه وبين التحولات الاجتماعية والثقافية والأيديولوجية، أي بينه وبين المرحلة المعاصرة[10].

من هنا أدرك حسن المنيعي أن هذا الأخر يشكل بعدا إبستيميا وكذا مسار تطوري، لأن  مادام الأخر الغربي مكون من مكونات العقل الإنساني، ومادام هناك تاريخ، فهو وعي بالذات وبه، والذين ينكرون  الأخر يستندون في ذلك الى مفهوم “الأصل” دون البحث عن العناصر المحركة للبنية المعرفية التي تستند عليها هذه الثقافة. وهذه الرؤية النقدية الأخيرة في حاجة الى قراءة تنويرية  وأركيولوجية للبحث عن مكوناتها بكل موضوعية، مما كانت النتائج التي يمكن أن تقضي بها، ذلك أن الغرب لا يعرف ولا يحيا إلا بوجود تلك القراءات التي تسائل تراثه وتفجر فيه التساؤلات والاشكالات، فبالسؤال يشتغل الفكر وعبره تتأسس الأمكنة والحداثة، لذا ينبغي أن نسائل بدورنا هذه الأرضية المعطوبة التي نعيشها قصد تواصل إيجابي مع الذات والعالم والأخر.

إن السؤال يعلمنا كيف نتواجد داخل القراءة، ونشارك في تشييد العالم ومواجهة الصورة، لأن لا وجود لذات قائمة بذاتها في غياب الأخر المتعدد والمتنوع، فالذات “هي منظومة منفتحة لا منظومة منغلقة”[11]فالذات تتشكل إذن من نسيج معرفي وتاريخي وثقافي وحضاري، تؤسس مجموعة من الطبقات التي تنتمي الى عدد من الحقول المتنوعة والمتحولة، والتي تتقاطع فيما بينها بفضل مجموعة من الشروط التي تخترق الجاهز، وهو ما يدعونا الى الاقتراب من اعتبار أن الذات عبارة عن امتداد في الزمن والمكان، ولها موقعها صمن المواقع الأخرى.

الغرب وقضية التأثر

إن الخطاب المسرحي يظل دوما في حاجة الى تنوع بل الى تحول، لأن امتداده يبقى رهينا بعدد التأويلات التي تنجز حوله، ومن ثم فإن فعله مرتبط بعدد لا نهائي من المراحل التاريخية، ذلك أن فعل الأخر قد يساعدنا على تلمس مكونات التأثير من جهة، وأبعاد مفعوله من جهة ثانية، كما يساعدنا على تحيين المسار الذاتي بجعلها في حالة الحضور والمعاودة، يستطيع الفعل التأثيري أن يجدد المفاهيم والقيم دون النكوص ولا الانغلاق، كما يمكنه أن يمد الذات الناقدة باليات، ليتمكن من معرفة طبقات المتون المعروفة والمدروسة أمامه، هكذا فالبحث في فعل الأخر وقضية التأثير والتأثر، ليس سوى محاولة للبحث عن التثاقف المعرفي والتاريخي والاجتماعي، وبالتالي البحث في التمييز بين ما نطلق عليه الغرب وما نسميه العرب.

لقد أمسى هذا الالتباس يشوب الأبعاد المعرفية العربية كما لو كانت عبارة عن قارات، وهنا بالفعل يمكن الفعل التأثيري الذي مازال الفكر العربي والنقد المسرحي بخاصة يبحث عنه في متاهات دون نجاح يذكر في المناهج الغربية، يقول علي حرب “في هذا العدد: ما ينبغي لنا فعله هو أن نتحرر في المقام الأول من أفكارنا من المقولات التي تنظم على أساسها علاقتنا بذواتنا وبالغير (…) علينا أن نمارس هويتنا واختلافنا بشكل نعيد فيه ترتيب العلاقة مع ذواتنا ومن الغرب في ان”[12]، ولأجل هذا السبب عمل مجموعة من الدارسين على كيفية حصور الاخر كمرجعية وكفعل تواصلي وتاريخي وإبستيمي، يقول “عبد الله العروي” وإنه بنية اجتماعية قبل كل شيء (…) وحركة تكوين الرأسمالية، وشكل تاريخي للتبرجز”[13]. إذا ليس الحضور عملية تأثرية جامدة ومتكلسة، وإنما هي عملية فعالة ينبغي أن نلتمسها من منطلقات تاريخية يكون فيها الوعي بالفعل التأثيري حاضرا، ذلك أن هذه العملية ليست متعة جمالية تنصب على البعد المعرفي وحده، ولكنهاعملية مشاركة وجودية وحضارية، تتأسس على البعد الجدلي، لتفتح لنا عالما لكي نوسع مداركنا وفهمنا.

فإدراك هذه العملية في بعدها التواصلي والمعرفي، يجعلنا نحس بحمولتها التاريخية التي تفصلنا عنها مسافة زمنية، وبتالي فهي تتنوع في حمولتها الدلالية عن تصورنا نحن العرب، وهو ما يقودنا الى بناء رؤية مغايرة تجاه العالم والانسان. من هنا تأتي خاصية التأثر والتأثير، المحكومة بمجموعة من الاليات التي ينبغي الاعتراف بها، وكذا اتباعها اثناء الممارسة والبناء، ذلك أن هذه المقاربة ينبغي أن تصب في اتجاه البحث يبدأ أولا باستيعاب الشروط الوظيفية، وحصر دلالتها قصد الاقتراب من المعنى وقصد معرفة الخلفية المتحكمة، لأنه ليس ما يدل عليه ظاهريا، بل معرفة ما يتشكل من طبقات التي هي الفعل الإبداعي، ويقول نصر حامد أبو زيد: “إن التقاليد التي انتقلت إلينا عبر الزمن، هي المحيط الذي نعيش فيه، وهي التي تشكل وعينا الراهن، ونحن من ثم حين نبدأ من أفقنا الراهن لفهم الماضي، لا نكون في غيبية عن التقاليد والتاريخ، إن الانسان يعيش في إطار التاريخية، وهذه التاريخية هي المحيط غير الظاهر الذي يعيش فيه تماما، كالماء الذي يعيش فيه السمك دون أن يدركه لأنه غير ظاهر له، وعلى ذلك فإن فهمنا للتاريخ لا يبدأ من فراغ، بل يبدأ من الأفق الراهن الذي يعتبر التاريخ أحد مؤسساته الأصلية”[14]، فالحديث عن هذا الفعل، معناه الاهتمام بالخصائص النوعية التي تمنح تجربة الحضور في الكتابات المسرحية العربية، والاعتراف بتعدد المناحي المجازية التي ترتادها بما هي تشخيص نوعي للذوات المهملة، واستعادة للأزمنة الهاربة والتواريخ المنسية، ويبدو لنا من خلال هذه الشذرات أن الذات العربية بما تحمله من قلق وجودي، صارت صورة ممثلة  لقدرة تركيب الأزمنة، وتشابك الأحداث والمواقع، بهذا التصور يجمع الناقد المسرحي العربي بين الوجودي والرؤية المتأملة والهوية المختلفة ويكاد ينفرد في صوغه للحكايا بمتخيل اسمه “التنوع والتغاير”، إن صح هذا التعبير. لأنه يظل مشدودا نحو سؤال النقد والكتابة بما هو سؤال الكينونة، وبما هو بحث في المفارقات المعرفية والأشكال الرمزية والأسطورية التي يختزلها واقع الانسان العربي والمغربي. بهذه المعاني تمتلك هذه الوظيفة النقدية مظهر انفتاح على حداثة الرؤية، هذا الانفتاح هو ما يميز المرجعية الغربية التي تتخذ من منطلق الحوار والتفكيك والتأويل وسبيلا لنقد الواقع السائد، فحسن المنيعي ثور مجموعة من المفاهيم والمصطلحات قصد تأسيس شرعية نقدية التي تتلاءم مع الشروط المعرفة الموضوعية.

المسرح المغربي وقضيه التجديد

 انطلق البحث المسرحي المغربي متأخرا، بالقياس الى الاجناس الأدبية المسرحية الى البحث عن خصوصيته التي تميزه عن الخصوصيات الاخرى ،مستعرضا كل المرتكزات السائدة والموروثة ،وما تحدثه من قلق وابتهاج ،وما تحتوي في دائرتها من الهوية والاختلاف ،باعتباره سيرورة للترميز[15] .وليس من العسير ان نكشف في هذا الكلام الطابع التاريخي للتفكير المرحلي ،وهو طابع يتميز عن خصوصية  الشرق العربي كممارسة شبه علمية، لان المسرح المغربي يصعب الاقرار بوجوده في غياب الشرق والغرب، خاصة الفرنكوفوني .لان هذا الحضور هو ضمان لامتلاك قدرة الانتماء على التجاوز والتخطي ،اذ يستحيل الانطلاق في التأريخ  بدون الاستناد  الى الشرق ، باعتباره يمتلك تصورا مكتملا سواء من ناحيه الصدق الحضاري او الثقافي ،ولكن هذا لا يعني باننا لم نعرف اي نهضه ابداعيه لخلق رؤيا،  ويقول عبد الستار جواد ( ان كلا من الرؤية والرؤيا، ارتبطت بالعملية والإبداعية التي يمارسها الكاتب من خلال وظيفته كمفسر للواقع )[16] . فالاعتراف بالأسبقية لا قيمه لها في تشيد الموضوع وتبعا للسنة التطور وقانون ممارسة المعرفية ، فالمغرب عرف مثل الاقطار العربية ،الهزة المعرفية والمسرحية ،مما اعطى له فعالية تتجلى في كونه يضعنا في مواجهة حالة غير سوية تمارس بطريقه تثير ردود فعل ايجابية غايتها فهم هذا المجتمع عموما وابنائه الفاعلين فيه خصوصا ورغم ان اللحظة لا تشير الى سلبية الفعل غير اننا ندرك ذلك من خلال المفارقة التي حملها سياق العصر كاملا والتي تلعب على لغته صفة السرد او الحكاية لذا يضعنا حسن المنيعي منذ البداية ضمن زمن غير محدد وفي هذا الزمن يكمن فعل معرفة نطلع عن طريقة على مفارقة غير عادلة تتأسس عليها قيمة الفعل الجمالي الذي يستخلص من خلال المتون المدروسة والمعروضة المساءلة لا يعني ان تكون بداهة وهمية، بل مساءلة تهدف الى ابراز تعددية الدلالة دون الرجوع الى المركز الذي يعتبر كمدار كبير والذي يحكم على قراءة لأنه عمليه تجريح التي لا تتم الا عبر مساءلة الواقع، للإتاحة النص ،او ما لا يريد قوله لذا نبقى اسيرين ضمن اللحظة السطحية, حيث ان القراءة تتطلب مراسا و دربة للانزياح عن اليومي للولوج الى البنيه العميقة فالمسرح المغربي له علاقه بتاريخ التشكيلات الاجتماعية و بوسائل الإنتاج، حيث يأخذ طابعا جديدا وبعدا  متنوعا  من خلال السؤال الماهوي :من هو المسرحي؟   وما هي الشروط التي تجعل الخطابات تشتغل الخطابات مسرحية ونقدية؟ بعبارة اخرى كيف يظهر العمل المسرحي الى الوجود كبعد كينوني ؟ وكيف يتكون كممارسة مرتبطة بحقل خاص ذي معايير وادوات معينة؟ وبعيدا عن التصور المثالي المغلق، والانعكاس المادي الميكانيكي باعتبارهما مقولتين ايديولوجيتين نقترح شروط الانتاج المسرحي وكذا خصوصية العمل في علاقته بالأيديولوجية وكذا المرجعية التي تحدد هذا العمل وهذه الدراسة.

فالمسرحي حسن المنيعي يكتب ويعبر لخلق مرآة متعددة الاضلاع والزوايا ولكن هذا الابداع ليس عبارة عن استعارة طقسية لتحديد ادب هادف بل هو تنوير للسائد واللامتناهي، هكذا عمل حسن المنيعي بإعادة طرح سؤال المسرح المغربي بين التأصيل والتغريب كإشكاليه كبرى ضمن الاشكاليات أن الصراع المباشر بين الحضارتين العربية والغربية كان سببا مهما ورئيسيا لمعاوده قراءه الذات العربية وهدف لاكتشاف مدة الهواية الغائبة والمفقودة.

فهذا الواقع المريض والمنقرض، أفضل تشييده برؤية جديدة تلائم شروطه الخاصة.

حيث يرى حسن المنيعي أن  فتره الستينيات والسبعينيات فتره التحرر من ربقه الاستعمار والجهل والتخلف. وفي هذا المناخ وجد المفكرون والباحثون في المدى الاشتراكي كسبيل للتخلص من كل انواع الانصياع والرضوخ والعبودية وتحركه المشاعر والافكار ، وتنسمت الحرية والديمقراطية الى محاوله ايجاد انماط جديده وجوهريه في الحياه الثقافية ، والحقل الادبي بشتى مجالاته ، وقد كان المسرح من بين هذه الاركان المعرفية ، الذي يطالب دوما بإيجاد دور له ضمن الادوار التي تلعبه الثقافة في المجتمع ،ورفعت الاقلام وتعالت الاصوات من كل قطر ،تدعو الى تجاوز التقنيات الكلاسيكية المورثة ، و اخراج المسرح العربي من القوقعة القديمة ، وذلك بتوظيف التراث واحداث التاريخ العربيين “[17] وقد تباينت اراء الباحثين العرب في التعامل مع التراث ، فهناك من اعتبر المسرح ظاهره متأصله في التراث العربي كالدكتور حسن المنيعي الذي صور الاشكال الفرجوية التي كانت منتشرة في الجاهلية وفي الاسلام ، (كالمقامات والامثال الشعبية والحكايات والقصص…) بينما اعتبر محمد مسكين ان  “التعامل مع التراث في اشكاله المسرحية ، لم يكن الدافع الى ذلك محاوله البحث عن المشروعية التاريخية للمسرح العربي، وانما محاوله البحث عن قيم جمالية تساهم في تقبل الناس لهذا الفن الوافد  “[18]. ونجد ايضا يوسف نجم الذي “أكد لنا بان هذا الفن وافد من الحملة الفرنسية على مصر، وما تلاه من انشاء مسارح جعلت بعض الشخصيات العربية تطلع على هذا الفن الجميل والممتع “[19]. غير انه هناك من يعتبر ان ظاهره التأصيل في المسرح العربي تستهدفه الى متاهات كبيره. من يستطيع الخروج منها. اذا قال حسن المنيعي في هذا الشأن: “كيف ان هذا الحلم كان قد دفعه باتجاه مازق ربما لن يستطيع الخروج منه. على اعتبار انه كان يسبح في مدارات تجعله اما مستنبأ او بأحد عن تقنيات اصيله ترسخ مفاهيم ذات مقومات عربيه لا تجعل منه جسدا مغايرا لجسد الاخر “[20]. انطلاقا من هذه المقولات نستشف ان اغلب المسرحيين العرب لم يستطيعوا الانفلات من تقنيات المسرح العالمي، حيث ان تقنيات المسرح الملحمي البريختي تلقي بضلالها على مجموعه من المسرحيات العربية والمغربية والتي اتخذت من التاريخ والواقع والصراع الطبقي والجذر والتراث والزمن والملحمة ماده لها. وايمانا بهذه المفاهيم الجدلية. جعله عتبه علي تربط بين البعد الواقعي والبعد الانساني، ايتها فهم هذا المجتمع المغربي اي بين الوعي الاجتماعي والفكر والتاريخ، تصحيح المسار الجغرافي والحضري والعربي ويقول السعيد الورقي: “هكذا كانت الستينيات .العصر الذهبي للمسرح الملحمي في مصر وعالمنا العربي ،السيارات في المسرح العربي المعاصر مثل :مسرح سامر ومسرح الفرجة والمسرح الاحتفال وغيرها تحمل بعض السمات البريختية، وتعد صورا للتجاوب العربي مع المدن البريختي العالمي “.[21]

وابراز محاوله احداثيه في المسرح العربي، زعلت الكتابات التنظيرية تصور أسئلة متنوعه قصد انجاز  “اسلوب جديد ينطوي على قابليه فنيه مرتبه، توتي حوله ادراك افاق جديدة، وتؤذي به الى ترشيدي مجالاته وخلق قطيعه مع الممارسات المسرحية السائدة في الغرب “[22] هذه الانطلاقات بلوره المسرح العربي بن نظريات متعددة وجمعت بين مكونات العلمية المسرحية بدءا من كتابه النص في بعده التخيل والرمزي، الى البعد السينوغرافيا الجمالي واخيرا بعد التلقي، اذا نقول بان النظرية المحلية ترجمه بعض الطموحات الجماهيرية التي عانت من الاضطهاد  والاستلاب الفكري، وابرزت التاريخ باعتباره “جهاز المعرفية لإبراز خصوصيه الشخصية العربية ولمعالجه قضايا شائكه تندرج في ثناياها السيرورة التاريخية للمدى الثوري الذي عرفه العالم العربي من خلال راهنه واوضاعه الجديدة”.[23]

لم يعد المسرح مرتبطا بالمؤلف ولا بالمخرج المفسر، بل اصبح عباره عن رساله تحريريه او تمريدية، يعانق الحدث الدرامي ويأخذ في تمسحه من خلال الممثل الذي يدور حوله الفعل المسرحي[24]، لقد عمل حسن منيع على تهديد كل مقوماته ليكتسب المسرح العربي والمغربي دلالته الاختيارية، وليكشف تقنيات جديده على يد مجموعه من المسرحيين، امثال الدكتور “يوسف ادريس” الذي دعا الى مسرح عربي جديد سنة 1964, مؤكدا على الينابيع الأصولية التي تعتبر مصدر الاشعاع والالهام التروي، فهذه الصيغ المستمدة (السامر -خيال الظل – الاراجوز), جعلت المسرح يؤكد ذاته كصيغه جديده لا ينطلق من خارج ذاته، بل يعود الى بيته من خلال نفسه، دون ان يركب في احضان الغرب، وهذا ما نجده ايضا في مسرحيه الفرافير التي حملت بطاقه مفتوحه صالحه للمشاركة الحوارية وتبادل الخبرات والآراء، يقول “يوسف ادريس” في هذا الصدد: “وباختصار لابد من اقتراب الجمهور من الممثلين، واقتراب الممثلين من الجمهور الى درجه تلغي المسافة التقنية الكائنة بين من يؤدي الدور ، ومن يشاهده”[25]. فهذا التصور جعل مسرحه يلغي الستار معتمدا على الحوار، وتداخل الادوار ومشاركه الجماهير قصد اقتلاع جدار صنف الذي يخيم على الساحة الثقافية العربية، ويقول: “اننا نريد اذا ان نفتح الباب على مصراعيه امام الكتب والحضارة والثقافة الأوروبية، ولكن لا نتبناها كليه حتى لا ننسى كيانها الخاص تماما، ولكن لنستوعبها وندرسها ونخرج منها بأفكار وثقافة يمكن ان نستعملها لكي ننمي نحن ثقافة شعبنا الخاصة. وفنونه بمختلف انواعها”[26]. انطلاقا مما ذكر لم ينحصر المسرح فيما هو اجتماعي، بل طال ايضا ما زال الكتابة والاخراج. لان الجانب الفكري أصبح عنصرا مهما في عمليه التأليف والتمسرح، وهذا التأكيد أرغم الجمهور بدوره على ضرورة العودة الى مصادر الفكر في افقي ازاله الالتباس والتحرر من كل الضغوطات اليومية، ومن الاجترارات السالبة، لأنه لا ينبغي ان نمسرح الواقع ونحن لا نعرف من يتكلم داخلنا، وكيف نواجه هذا العالم الاخرس، ايفان لابد من الاستفادة من ما هو جوهري فينا لبناء ثقافه عربيه متينه. النظر لما يتميز به الواقع العربي من احداث ووقائع متنوعة، سواء تلك التي عايشناها او التي ورثناها. فإنها “تغدو بمثابة مواد اوليه للإبداع المسرحي لما فيها من تفاوت وتناقض وسلب وايجاب، اضافه الى تشابه احداث الماضي بالحاضر”[27]. انطلاقا من هذه التصورات فإننا واجدون ان حسن المنيعي حدد توجهات المسرحيين العرب التي تختلف حسب الثقافات المسرحية ونوعيه التوظيف، لابد من تأكيد هذه السمات التنوعية التي مهدت الطريق لظهور مسرحيات واتجاهات النقدية ذات نفس حداثي، ولم يعد البعد الكلاسيكي العربي القديم اداه فعاله للتواصل مع الجمهور المتغير، لأنه عاجز عن مخاطبه الوجدان ولا شعور الدفين؛ فالمسرح اذن نتاج جماعي وليس فردي, لذلك فهو يلغي الذات ويذوبها في الجماعة، ما هي القادرة على استفزاز الوعي المغيب فينا، وهو رد فعل ضد البساطة والتسطيح الذين كان اهم خصوصيات المسرح التقليدي. ويرى عز الدين المدني انه لا ينبغي تقديس التراث، اذ لابد من اعاده طرحه عصريه حتى يفيد في نمو حضارتنا، وقد تمثل هذا بشكل واضح في مسرحيته “الغفران”, لأنه الفنان المبدع الذي يمتلك تجربه فنيه في حقل الممارسة المسرحية، حيث يتوفر على رؤية معرفيه تأهله الولوج عالم مغامرة المعري، ليس كما جسده المؤرخ، بل كما يراه هو، وما فيه من “سمة الثورة ضد الظلم والاستغلال، وبتالي إيجاد الشخصية التي يرغب فيها الجمهور”[28]. وعلى هذا الاساس، فان تعامل المسرح مع التراث والواقع لن يكون الا ضرورة تاريخيه ومبررات اجتماعيه ارتبط بها ارتباطا، مما سمح له بان يحدد كل الظواهر الموظفة من حيث الدلالة والوظيفة، مصادرها. إذا يقتضي منه ان يشترك في صنع الحداثة والتجريب، اذن العلاقة الجدلية بين فعل التجريب وبين الصيرورة التاريخية والاجتماعي “[29] تجعله تعبيرا فنيا عن اوضاع قد اصبحت متجمدة، وانه قد ان الاوان لتغيير هذه الاوضاع بالبحث عن اشكال جديده، هذه الاشكال الجديدة ستكون بالطبع اشكالا فنيه، لكنها لا تلبث ان تنعكس على الوضع الاجتماعي”.  كما يرى عبد الكريم برشيد،ومن ثم فالمسرح العربي ليس عملية منقوصة ولا منعدلة في دائرة الكلام، بل يتعداه بتعدد درجة المعرفة والتوظيف الأبستمولوجي، انه احساس بضرورة الخروج عما هو سائد، والتعلق بالتعدد في الرؤى من اجل تكسير كل الانماط السائدة، لذا  فالبعد الابستيمي والفرجاوي لا يتحدث الا في اطار الفكر المسرحي ككل، ومن خلال مراحل تكون واكتمال هذا الفكر، ؛ الا ان التطور المسرحي المعاصر قد انتقل من موقف تجريبي اختباري في حدوده القصوى مراكز انتشار الخطاب السلطوي في مختلف المؤسسات الاجتماعية والى موقف يريد الكشف عن الاسس الجمالية والقواعد المخفية التي تتأسس على المعرفة، وترتكز عليها انماط التفكير في عصر من العصور،  فالحديث عن هذا المستوى ينقلنا هذا الطرح الى مجالس اوسع, من التشكيلات الخطابية والنقدية في تقاطعها وارتباطاتها وعلاقاتها المتنوعة داخل الحقل المسرحي العام، الذي تتقاطع فيه مستويات الخطاب من العلاقات المتعقدة، معتبرين هذا التعقيد بمثابه التضاد على كافه مستوياته، وحسن المنيعي يسعى دوما الى ترتيب الظواهر وتصنيفها في اطار عملية ” التمثل”. لذا حاول حسن المنيعي المسرحي الحداثي والمعاصر تعميمه هذا المنظور بشكل من الاشكال على جنبات القاعدة النصية قصده تصور هذا العصر او ذاك، وعلى نفس الوثيرة سيعمم مفهوم “التاريخية” على كل المجالات الفكرية التي شكلت على طول امتداد الستينيات والسبعينيات، ليبرز ما ال اليه هذا الفكر بعد ان انفصل عن الفكر كلاسيكي، يعلن عن القيام فكري مضاد يصبح همه لا الحديث عن تنظيم وتنصيف النص، والتساؤل عن الذاتيات والاذواق، ولكن عن الخلفيات الكامنة وراء النص، حيث تكمن القوانين التاريخية والسياسية في الكائن الحي والنطق التركيبي للبناء اللغوي والتمسرحي، وكذا فهم العمل الذي يكمن وراء كل نشاط انتاج نص غير قابل للانحلال ولا التمزق. كما يرى عبد الرحمان بن زيدان كتبه المتنوعة.

وأن الحديث عن الابستيمي والتاريخي على نحو ما، خصصنا فيهما القول طوال هذا المبحث، وعلى نحو ما يتبين ذلك ايضا في النسق الفكري العام للبناء النظري المسرحي العربي، الذي يقودنا   “الى ابراز بعض الملاحظات التي نبذي فيها اعجابا شديدا باللغة والكتابة والتقنيات والتمسرح والاخراج والبناء الجمالي وبالخطابات الصادقة وبالشعارات التي كانت خلفيه فنيه تحرك الهواه والمحترفين، وتدفعهم الى تخطي الأجوبة الجاهزة واليقينيات السائدة والانماط المحلية في الانتاج السابق”[30]. لا شك ان الحديث عن هذا الابستيمي والمفهوم الموظف للمسرح على نحو ما تصوره المسرحي بن زيدان  يقودنا توا الى رصد الاساس الذي يتأسس عليه هذان المفهومان، وضبط الخيوط المحركة التي قادت اثناء تأثيرها في البعد العام لهذا الفكر المسرحي العربي والمغربي، وكذلك الوقوف على النتائج الجوهرية المستخلصة عن الموقف العام الذي سلكه المسرحي، وما يمكن استخلاصه بادئ ذي بدء هو الامتياز الواعي من المناهج والمعارف و التواريخ، فقد كان المسرح بن زيدان  اكثر ولعا بلعبه الرمز والخطاب، وقد وظف التراث على مستويين:

المستوى المضموني والمستوى الشكلي، وعبره هذين المستويين يأخذ تقصده احداث تاريخيه ضدية لكل الوضعية العامة للمجتمع المختال في صيغته الجدلية. لذا يبقى بن زيدان والمنيعي وبرشيد ومحمد الكغاط، وإبراهيم الهنائي بمثابة أجوبة مفتوحة على هذا التصور هو الذي جعل المسرح يشد بكل قوى حبل الواقع والثقافة، محاولا ابراز سيطرتها ومثولها في كل الابستيميات الخيالية، اذ فحديثهم هو الذي غطى على هذا العصر، وتحت جداره ادمج كل المجالات النظرية التي سادت عصر النهضة والحديث والمعاصر ، لأن موت المؤلف او الانسان في العصر الحديث سيجعلهم يجددون  ادواته وسلطته، ويخضع الاجناس الأدبية والإنسانية، منهت الشعري والنفسي والاقتصادي للاندماج والتوحد. وبهذا سيغزو هذا الفن كل المعارف ليجعل “الادب” بأثره مجرد “تساؤل عن اللغة”.[31]

لأن مسأله الذوبان في الخطاب المسرحي هي ذات “مظهر لساني محض، وحتى المؤشرات التي يتواجه بها المخرج تظل ذات طبيعة لسانية، وان الدليل اللساني هو الذي بواسطه نتلقى خطاب الكاتب”.[32]

ان هذا التصور سيقودنا الى عدم ابعاد اللغة وتجريدها وافقاها اطارها المرجعي، ذلك ان المسرح سيبقى مفتوحا على الاشياء والعوالم، وسيتجاوز ما اكدته الابحاث السوسيولسانية التي اكدت تعقد اللغة بكل رجاتها، وقصورها عن تحديد وضبط الاسس الاجتماعية.

وهذا الحضور للكلمة وللغة عامه جعلا هذا الفعل المسرحي يتجاوز الاضطراب والارتباط الاصطلاحي والسياقي، جاعلا منه محاوله تأصيليه في تربه عربيه التي كشفت للمبدعين مخزونها قصد اعاده تشكيل التراث الدرامي، وفق الشروط الحداثية المعاصرة، وهذا يعني انها مفهوم ليس غريبا عن الذاكرة الشعبية العربية التي “اسقطت الاعراب في الحوار التي تتضمنه القصص, على اعتباري ان لغة الحياه صارت منفصله عن لغة الادب، وانا النبضة الحيه للتعبير الادبي عندما يكون الامر متعلقا بتصوير شخصيه حيه، يجب ان يتم عبر توحيد الشخصية ولسانها، فلا يجوز للكاتب حسب قول الجاحظ ان يجعل ابن البلد يتحدث باللسان ابن الباديه او العكس”.[33]  فان زيدان عمل على إعادة النظر في كل التجارب العربية من أجل بناء رؤية تجربية نقدية، ان هذه المواقف لا يترتب عليها كامري مباشر الى التواصل وعدم الاقصاء، لأننا نحس تطورها في كل المعارف، هذا التواصل هو الذي جعل المسرح ينظر الى الواقع الفعلي المتضاد بمنظور شمولي يريد بها ان يرجع كل شيء الى النص المتناسق والمرتب، وهذا التسجيل الكبير للغة الدرامية في اطار الاختيار التطبيقي العام الذي ارتضاه المسرح العربي لنفسه، ادى الى اعجابي من نوع اخر لا يقل في وقته وتقنيته عن الاعجاب بالبعض الجمالي والتمسرحي واختيار التناقض والصراع بدلا النظام والتناسق. قد جعلنا ندرك ان الحديث عن النقد المسرحي العربي والمغربي حديث تزامني سكوني، انتهى به الامر الى الطابع التناغمي الكلاسيكي يقول عصام محفوظ: ” ان المسرحيين العرب كانوا يعدون المسرح نوعا ادبيا تنطبق عليه شروط الأدبية الاخرى، وقد كانوا جلهم من الادباء والشعراء، لذا كانت الفصحى هي المهيمنة على الانتاج المسرحي الجدي، سواء في النصوص الموضوعية او في النصوص المترجمة”[34], سواء في منتهى اليه من خصائص وسمات عقليه ومعيارية، او التي يجهزها المسرحي النهضوي وضبط دراماتها، او فيما يتعلق بالتصور المنهجي دي الطابع في هذه الحقبة بكل خصائصها وتصوراتها. فبرشيد في برمجته التمسرحية يغاير المألوف، ويوحد بين الفكر والواقع المسرحي رافضا كل هدنة مؤسلبة.

فإبراز وحدة النقل المسرحي في ابعاده الموازية بمفهوم جيرار جنيت، جعل الوحدة تتجلى في المفهوم العام للنظام المسرحي العربي. فتسابه عصر النهضة في عصرنا لا ينتهي الى النظام الدال ولا الى حاله غربيه دائمه، لان التشابه لا يكمن في بعضه الجغرافيا ولا التاريخي، بل يلتمس هذا الميل الا مشروط الاثبات الاختلاف في التصور المنهجي النقدي العام الذي ينصهر فيه كل البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا، ليبقى الجوهر الذي يقوم عليه المسرح هو المعرفة، سواء بالنسبة للمتلقي او بالنسبة للمبدع، على شرط ان “يتم اخضاع هذا البعد المعرفي لقراءة جمالية”[35].

محاوله رصد البيانات الثقافية والمسرحية، عمليه لا تتجذر الا اثناء تعطيني الجذر لكل الرواسب الميتافيزيقية والاساليب العتيقة، التي كانت عالقة بالبحث النقدي للمسرح. وإذا كانت هذه الأهمية ترجع بالخصوص لهذه المزاوجة التي وحدت العلاقة بين البحث النقدي والبحث المسرحي، من اجل انشاء حديث ايبستبمي عام، فان ايجابيات هذا البحث تكمن في هذه الوحدة الشاملة التي يرتبط فيها المسرحي بالنقدي، هو بمختلف انماط التفكير في هذه الحقبة، وبإظهار الخصائص المرجعية التي تحكم هذه الازدواجية، وابراز ما يمارسه المسرحي والناقد والفيلسوف والشاعر، داخل هذه الحقول المتنوعة. لقد أدمج المسرحي العربي المعاصر هذا العمل الذي ارتضاه ان يكون موجها نحو نقد الذات العربية والواقع كذلك، تحت ما اسماه بالنقل المسرحي. وهو المفهوم الذي ارتضاه لمشروعه الطويل حول دراسة البنيات الايديولوجيا والسردية ولحكائية، التي يقوم عليها المسرح. والانماط السائدة التي حكمت فكرنا مده طويله، وقد استعار بطريقته تسميات عده من مجالات متنوعة منها الاجتماعي التاريخي الثقافي التطور التزامني… فاعتبرها منهزا نقديا بعد ان اكسبها دلاله تتفق وسياقه الفكري. الفعل النقدي فعل لا يتأسس كما ذكرنا الا بالممارسة الإبداعية، دون ان تسقط في المتعارضات الماركسية، وبالمقابل كيف نفكر خارج الميتافيزيقا؟ وهل نحن ميتافيزيقيون في المسرح؟ ان طرح هذا التساؤل الذي لا يكاد يخلو من مغامرة وانزلاق المعرفي وثيولوجي، فان الفعل الثقافي العربي ظل اسير البعد الواحد، كم ذكرنا سلفا ويقول عبد اللطيف اللعبي: ” بان مناهضه الايديولوجيا السائدة، لا يمكن ان تقتصر على طروحاتها المطلقة وادواتي سيطرتها، بل يجب ان تكون ايضا مناهضة لعملية الفرد التي تقوم بها هذه الايديولوجيا، بين ما هو محوري واساسي في رايها وبين ما هو هامشي وثانوي وتافه، اي بين الوقائع والتغيرات التي تنظم تضخم الكلام عنها، التعبيرات والوقائع التي تنظم الصمت والتعتيم حولها”[36]. فن مسرح اذن هو الذي يهدم نفسه، يأخذ تسميات عدة، كتحريض والمؤسسات والخارجي النصي[37].

اذا فحسن المنيعي في متونه الدرامي جعل المسرح سؤال كينوني يبحث عن احتمالاته المرتبطة بالفعل الكولونيالي؛ اي انه لا يكتشف زمنيته الا عندما يرى في السؤال علاقه جوهريه بينه وبين الأرضية التي تؤسس علاقاته، وتجعله يحيى تحت جلودها وعلى جنباتها وفي ذاكرتها، لان البحث في جذره هو استجابة للرغبة الخاصة في الاهتمام بالمنسي والمقصي، وفك الارتباط عن المؤسسة بمظهراتها الايديولوجيا، اشكاليه ينبغي ان تنطلق من منبعي مأساته وعوائقه التي ادت الى تأجيل ولادته، لان غيابه جاء نتيجة هيمنه مؤسسه التحريم ” التي ترفض كل جديد وتفرض الحرم على كل كتابات متحرره تؤرق الذاكرة الإيمانية، او تدعو الى الحوار مع الثوابت”[38]. وهذا التحريم جعل السؤال يعيش معه، جاعلا من هذا الاقصاء كتابه تحريضيه وتمريضيه ضد كل اشكال السائدة والمؤرخة، ويقول الدكتور حسن المنيعي في هذا الصدد: “اذا كان المسرح يتخلص_ كما يقول “جاك كوبو” _ في كتابه نص، ثم نقله الى الخشبة، فان المغاربة لم يعرف المسرح الا في عهود متأخرة[39]“.

هذا الخطاب المهيمن جعل المراقبة تشمل كل المناحي الحياتية والسلوكية بشكل منظم، و تعيده توزيعه حسب متطلبات الحاجه والغاية، اذا اصبحت من حيث هي المحرك الذي يقوم بتعيين حدود والنهايات، وتوزيع الوظائف والامتيازات، وتشريع القوانين والعقوبات، ” لا ننسى ان المقدس يستدعي بالضرورة التفكير في المحرم”[40]. في المجتمع المغربي مجتمع متعدد الثقافات واللهجات، ومتنوع الافكار والسلوك، وهذا التعدد لا يرتبط عفويا الا “لخدمه قضايا السلطة السياسية او الوظائف تفترضها وتستدعيها الممارسة العلمية لهذه السلطة السياسية”[41]، ماساه يعيشها المثقف منذ العصر المرابطين والموحدين، حيث كان يحارب من طرف ادعياء المعرفة، وكل المتسلطين على الوعي الثقافي باسم الهوية والاسلام…والعروبة، وقد كانت هذه الفئه المستهدفة تحارب كل وعي مغاير، وتدمي جدو وتفكره، وهذا ما حدث “للمعتمد ابن العابد” و” ابن دراج القسطلي” و” ابن رشد” و “الحلاج”…, ويقول سعد الغبرا” “ادركنا يا امير المؤمنين، فان الفسق والفجور قد تفشل في الشام، فهكت الاعراض، وماتت الفضيلة، ووئد الشرف، واختلطت النساء بالرجال… وهذا ما وقع لابي خليل القباني، “بإغلاقي مسرحه”[42]. وكذا ليعقوب الصنوع، الذي شوه السلطة، وابطال جمجمتها وقل ما اظافرها على الخشبة، جعل من هذا الفن تعريه لكل مستتر ومضمر، يقول في هذا الصدد: “كان في قاعه المسرح بعض ذوي النفوذ من الذ اعداء التقدم والحضارة، فاقنع الخديوي بان رواياتي كانت تتضمن تلميحات ماكره، واشاره خبيثة ضده وضد حكومته… امر اذن بانغلاق مسرحي، مما اثار سخط الجمهور الشديد”[43]. فصنوع انتقاده للسلطة الحاكمة في مسرحيه “الوطن والحرية” جعلت اصحاب الوصاية يحرقون مسرحه ويصابرون فكره خارج الوطن، اما في المغرب فنجد الفقهاء واصحاب الحجر، يصدرون فتاوى وبيانات ضد كل ما هو مغير وحداثي.

لا شك ان واعيه مشكله البحث، ليست رؤيه متقدمة لاي ارضيه كيف ما كانت، ولكنها الإشكالية المفتوحة التي تتأسس عن جوهر الوعي الذاتي، لان هذا الوعي الذاتي لا يرتبط بمولود ولا بنشاه بل يأخذ صورته من العلاقة ومن العالم، وبدون هذا التعاليق يظل الكائن حلق غير مسيجه بظروف اجتماعيه التي تأثره وتكبل وحداته وفكره، وقد بدا للباحثين الدراميين والغير دراميين ان تحضيض نوعيه العلاقة المرتبطة بين الانسان بذاته ولذاته وبمحيطه، تكفي دوما لتحديد مستواه الفكر والابداع والتاريخي، اي انه لا زال غارقا في وحي الأسطورة والحتميات دون وعي تحتي.

ان مقياس البحث  بالنسبة لواعي الباحث حول مشكله البحث، لا تقف عند البعد الوثوق ولا الوصفي، بل هناك لحظات مفتوحه وغير متناهيه، لحظه تبتدأ من نهايتها ومن حاجاتها الى المعاودة والنقد، ولحظه يتأسس على التأويل والمساءلة، لان في هذه المعاودة نوع من التحرير للذات الواعية، بأسلوب ايبيستيمولوجي، فالعلاقة بين السلب والايجاب ينبغي تحريرها كما قلنا من سلطه الاخر، مع اعادتها الى الساحة الانطولوجيا الشاملة،  حيث هناك التناقض الذي يعطي للضرورة امكانياتها المباشرة، ويوسع مفارق الموقف النقدي الذي طرحه العرب، سواء من الناحية الانطولوجيا او من ناحيه البعد الاجتماعي.

فهذه الاتجاهات لا تدعي الاطلاقية، بل تعمل على بلورة مفهوم “البحث” من خلال زوايا عديدة.

فالباحث يعمل دوما على إنزال القضايا المعرفية في شكل أسئلة: ماذا يمكنني أن أعلم، ماذا يمكنني أن أعتقد؟ فحسن المنيعي ينقلنا من مهمة الكشف عن الحقيقة المطلقة، الى مهمة التساؤل عن معيار الحقيقة، وعن تلك الأسس التي تجعلها قابلة أن تكون معرفة وتساؤلا عن معيار العمل، الذي من أجل إقامة مسرح مغربي مبني على أسس عقلية وموضوعية في أن واحد. بناءا على هذه الصورة البيانية نسأل الأسئلة التالية: أين يجد النص المسرحي جذوره؟ ومن أي أساس يستمد جذوره؟  ومن أين يستمد الباحث القوة اللازمة لمعرفة العناصر المضمرة في النص المسرحي؟ إن البحث في النص هو البحث في كينونة الوجود والامتثال التناصي، ومعاينة المنظور والموجود، وهذا التحقق هو الذي يوجه فكر الباحث الى درجة أعلى من المجهود، الى التفكير الذي يطرحه النص المسرحي – كموجود – عما هو كذلك، تفكير لا بد أن يكمله التفكير المختلف وليمر عبر التأمل والقراءة، وليستجوب للنزاعات التي يصبح فيها تفكيره أكثر تفكيرا، وأكثر ملاءمة لعلاقة الوجود، هذا التفكير يجعل العلاقة حقيقة وجودية، وخدمة للسؤال المتعقلن بحقيقة البحث. لأن  تجربة القراءة بحاجة الى براهين  لكي يتحقق الفعل الإنساني في الانسان، ولكن إذا كانت إنسانية الانسان منغرسة في النص، أفلا يجوز أن نقول إن قراءة النص المسرحي هو عبارة عن إرشادات للفعل التدميري وأن الممارسة النقدية لا تقف عند اللوازم الفعلية، بل تبحث عن كينونة المسرح بما هو سؤال حول البداية، هذه البداية ليست عبارة عن حكمة يحتذى بها، وليست رؤية حيوية التي تقدس الجسد، بل هي أرضية معرفية قابلة للمطارحة والكشف عن الأنساق على نحو كلي وجامع.

فالمسرح عبر تمظهراته يعيش لعبه الكتابة الإبداعية والثقافية، لينتج نقده الذاتي، وليخلق نظريته النقدية ولغته الدرامية، وليخرج بنفسه من صقيع وحشه الادب، ودروب التقليد. المراد منا هو استجلاء هذا اللبس حول البعد المسرحي المغربي واكتشاف بنيته الوظيفية، باعتباره يشكل منظومه من الدلالات المكونة للثقافة المسرحية والأدبية والإنسانية، اي ان التطرق لهذه الإشكالية هو استقصاء لهذا الخط الذي لا زال يهيمن على الساحة المغربية بين الهواه والاحتراف، الهاوي والمختلف، وما بين الفصحى والعامية، والتي عبرها يمارس وعيه الجماعي ويفتح لشخصياته ان تخاطب ذاتها وعالمها، بواسطه اللغة لا ترتبط بالبعد الاعتباطي المألوف، التعبير المسرحي بكل توظيفات خاصه، لان المفاهيم المستعملة لا تقف عند جنسها، بل تتخطاها الى اجناس اخرى، حيث يعمل كل فن على خلق بياناته الدرامية والمسرحية على المستويين اللفظي  verbal واللفظي الموازي paraverbal، قد تجسد الرؤيا طبيعة هذا الفن الدرامي، وليتحول هذا الجسد من منطقه وقوانينه الصارمة الى بعد فرجوي لي ليصبح مع جسد مضاعفا للتأويلات والتعبيرات القرائية والمشهدية.

هذه الإشارة المتباينة تحمل اغواء كبيرا للدخول في مغامرة الاشكال، ليفا ينبغي معرفه الحدود الفاصلة بين هذه الانساق النقدية، قصده تحريرها من القيود الذهبية التي ارتسف فيها عبر العصور، يقول نجيب العوفي: “وينضو عنه تلك الانماط السمكية التي حاكتها له المؤسسة الثقافية الرسمية، ويطلقه من عنان، ليحاذي صفافا وهوامسا رحيبه وخطيبه كانت تعتبر بعيده عن الشرعية الأدبية، وكان ينظر اليها كذلك، بتعال واستخفاف، في حين أن الهامشي والثانوي اكثر حيوية وفعالية من المركزي والرسمي”[44]. فهذه المقولة تبرز لنا هذا التميز بين المركزي والهامشي، وتمدنا بمثلك يجعلنا نتقدم الى الامام، لان المفارقة لا تنضوي على بعد النرجسي، بل تقربنا الى المرحلة واللغة والواقع، فهي فرديه في صميمها ووجوديه في منزعها، شديدة الامتلاك، ترى في المثقف القرار الدلالي المبني على مقدمات واقعيه، لا تخضع لي منطق صوري في الان ذاته، مما يسمح لنا بان نعتبرها رؤيه جديده لا تتذرع بأسلوب انشائي ولا خطابي، بل تضع قطيعه ككتابه عن مفارقه الواقع ومواصفاته التقليدية، واقتران الفكر بالرابط لا شعوري الذي يبحث عن هذه المفارقات ويجسد نفسه فيها، باعتباره البؤرة المزدوجة التي توهمك بانها غارقه في الاستيطان الذاتي.

النقد الغربي يتجه لمحافظه اوجه متعددة من الاحساسات الداخلية ولتمسرحيه والمعربة عن تجليات الجذل القائم، في فضاء الفكر العربي في حركته، حيث يقوم الناقد بكشف خبايا النظرية وابعادها المعرفية، ليصل الى ابراز علاقتها بالبعد الادبي والبعد السياسي، وهذا الاحتراس الادبي اختيار النصوص لا يميز بين الفن والابداع والذات والموضوع مهما تباعدت واختلفت اساليبهم في الوظيفة والبناء، هذا الموقف لا ينتبه اليه الناقد والمثقف ( كمحمد منذور، أدونيس، غنيمي هلال، صلاح عبد الصبور، الماغوط، سلامة موسى وطه حسين). فالمثقف يؤسس حاسة نقديه يندفع في تقطيع النصوص التي تستهويه بأسلوب انشائي، بعباره مركبه تصبح السيدة المكتوب بامتياز.

السلام هذه النصوص المنقوده لمفاتيح الذاتي واللغوي والبلاغي، دون القدرة على فك مفتاحها الفني والجمال، اذا يستند هذا النقد الترشيح في اغلبه على رؤيه سلبيه تفضي بضرورة مجابهه النصوص المختارة في زمن ومرحله يطلق عليها الكاتب او الناقد مرحله كلاسيكيه، الرومانسية، الماركسية… والبنيوية. تقول بشرى موسى صالح في هذا المقام :”ان النظريات الرومانسية تعني بفكر الكاتب وحياته، ويركز النقد الموجه الى القارئ الظاهرات على تجربه القارئ, وتتمحور النظريات الشكلانيه حول طبيعة الكتابة نفسها بمعزل عن سواها، بينما يعد النقد الماركسي، السياق التاريخي والاجتماعي امرا اساسيا، وتصرف الشعرية انتباها الى الشفرات التي نستعملها للتأليف المعاني، وفي احسن الاحوال لا يتجاهل اي من هذه المناهج تجاهلا كليا الابعاد الاخرى في الاتصال الادبي”.[45]

هذه النظريات تختلف في السياق والنطق والمقام، الرومانسية تهتم بالكاتب وحياته، والماركسيا تعطي للبعد التاريخي والاجتماعي الأولوية، بينما الشكلانيون يهتمون بالكتابة بمكوناتها وخصوصياتها المستقلة عن العوامل الخارجية، اما البنيويون كيف يعملون على سجن النص والغاء الزمن والتاريخ، ويدعون بقتل المؤلف، لان هذه السيارات تعمل على خلق نقد منتظم، لا يقتصر على الانماط المرتبة، بل يعتمد على الصور البلاغية دون البحث عن درامية وتمسرحه. فأحيانا يتوصل المتلقي الى دلالات متعثرة بعمليه هيرينوطيقية تتجاوز محور رسالتي او معناها العام، وعليه كلما كانت الواسطة القائمة بين المرسل والمرسل اليه واضحة، كلما كان الايصال سهلا وجزءا من الخطاب. في التميز بين الحوار والارشادات الثقافية استخلص من معرفه كيف ان المبدع لا يذكر في اليومي، لكنه يكتب بدخوله وعواطفه وخياله وفكره وقوته، حكايات على هذه الشخصيات تنوب عنه، لان اي عمل لابد له من خالقه، رغم وجود بعض النصوص التاريخية والأدبية والإنسانية، خاليه من خالقها، ولكن لا تأخذ شرطها الثقافي الا في اندماجها في المجتمع حسب الفتاح كليطو، واي عمل ثقافي لابد ان يمر بمراحل معينه (حوار-حدث-زمان-مكان-شخصيات-موسيقى-ديكور-إنارة-إرشادات). وهذه العناصر تندمج جلها داخل الارشادات المسرحية او في الحوار، وكل عنصر يكون منفصلا عن الاخر، ولا تظهر لنا شريكها وتمطرحها الا عند نهاية العرض او ما يسمى بنص المخرج، اذن نحن امام ثلاثة نصوص: نص المؤلف-نص المخرج -نص الممثل.

فالمؤلف يؤلف والممثل يمثل دورا ثانيا، الناقد يسمح له بالاختراق والمغايرة والقطع، وهذا ما جعل مفهوم الحصانة والوصاية تستمر حتى القرن 19، ولكن مع بداية الثورة العلمية و الصناعية بدأت اصوات التمرد والثورة تتعالى من هنا وهناك، لتجد نفسها امام الحريه والمساواة والديمقراطية والابداع، فانت المخرج يشتريح كل النصوص ويخرجها حسب الظروف والمناسبه. والمؤلف يكتب لا يشير الى الارشادات، بل يبثها بطريقه فنيه كقانون اساسي وجوهري، لانها هي البؤره الاساسيه في كل التاويل، وعاسبه عليا يبنى عليها المخرج اطاراته وعماراته، و غالبا ما يكتبها ما بين قوسين او بحروف بارزه، اذ بواسطتها يرسم المؤلف مكان وفضاء وزمانا، وتتنوع التعاليم المسرحيه حسب الشيء الذي تشير اليه، فنجد مثلا الارشادات والحوار، اضغابه الارشادات يكون الحوار هو المهيمن في كل عمليه مسرحيه، لان المؤلف في كتاباته يعمل على استحضار الشخصيات من كل بقاع الازمنه، مقربا بينهما بواسطه لغه تتجاوز كل رؤيه بسيطه، تاخذ اللغه تنوعاتها وشعرياتها المفقوده. وتخضع لتعاليم المسرحيه الارشادات المسرحيه والحوار، ولتظل مختلفه بمكانها في النص ما دامت تتمثل على الاقل في اسماء الشخصيات و داخل الحوار. اذا يمكننا ان نفرق بين نص الارشادات ونص الحوار، في السؤال التالي: من الذي يتكلم؟

في نص الحوار الشخصية هي التي تتكلم، اما في نص الإرشادات فالكاتب المسرحي هو الذي يتكلم لكي يحدد لها مكانا حسب “ان اوبير سفيلد”Anne Ubersfeld “. أما الحوار فالحديث عنه حديث عن المسرح، فهو يختلف تبعا لسنة التطور وقانون التوظيف والممارسة، فهو متعدد الحدود ومتنوع المداخل والمقاربات، فالحديث عنه حديث عن الابداع وعن التواصل والفرجة وعن الفكر والجسد، وعن الممنوع والمحرم. هذا يعتبر إحدى الركائز الأساسية التي يمكن اعتمادها، فمن خلاله نستطيع أن نحدد من يتكلم داخل النص، ونوع الكلام أو الحوار؟ وكيف هي محددات هذه اللغة؟ وهل هو حوار طويل tirade، أم حوار على حده aparté، أم حوار خارجي غير متناغم، أم داخلي monologue، أو عبارة عن خاتمة épilogue. فهذه الخصائص تختزل عبر اللحظات الدرامية المجسدة على الخشبة، إذ أن هذه المظاهر الحوارية ليست إجراءات اعتباطية، وإنما لها ارتباط أساسي بطبيعة المشهد المسرحي والشخصية وإيقاع الكلمة والايقاع الصوتي، وأن الأمر يتعلق بعنصر أساسي هو إيقاع الكلمة والإيقاع الصوتي، وأن الأمر يتعلق بعنصر أساسي بطبيعة المشهد المسرحي والشخصية وإيقاع الكلمة والايقاع الصوتي، وأن الأمر يتعلق بعنصر أساسي هو الإيقاع وحركة الكلمة والتركيب الجملي والصوتي والدلالي والمعجمي، لأن هذه العناصر تتفاعل من أجل إبداع رسالة ما، الى الجمهور، ولعل من أهم الخصائص الحوارية والتواصلية هو الاقتصاد والاهتمام بالمتكلم، ثم التكوينات اللغوية formation du langage.

وانطلاقا مما تقدم، فلا يسمح للمتلقي باستيعاب خلفيات النص، والاصغاء الى اللاواعي رغم استواء ضفافه، بل يتطلب عدم الربط ببعض الأفكار “الرافضة للمنهج بموقف رجوعي ومقصدية سلفية يصرح بها حينا، ويومئ أليها حينا أخر، تعيد التوظيف المنهجي، وتبني المنهجيات الحديثة، مما يصب في دائرة التحرر والامتثال المطلق الى الغرب ورؤاه، والتنكر للتراث العربين فتهددنا بذلك قوى رجعية غير متبصرة، تجرنا بضراوة صوب معقل السلفية والعيش في الماضي المحنط، والصنمية التراثية”[46]. فالنص الأدبي لا يبرز الأنوية التمثلية، مما يؤدي الى إعادة النظر في مقدمات الكاتب أو المسرحي، وتعيين هذا الموقع والموقف،  و اقامة الاختلاف والتميز بين النص المحتمل والممكن، وبين المعقول والمحسوس، الا اننا سرعان ما هي تبين لنا ان هذه المواقع والافكار التي تدعي المصداقية والمسائلة والمشاركة العبثية، تبقى مفتوحه على العالم والوجود حسب حسن المنيعي، ينبغي ان يفهم هذا الحكم والمحاكمة كعلاقه خارجيه ، ما دام الحكم يشمل البعد العلائقي ما هي الباطنية، لان الناقدة كما قلت، هو مفعول خارجي ينتج وسائل معياريه وتاريخيه تعتمد التلاؤم في شكل النموذج يفرض نفسه ضمن استراتيجيه البحث عن مسرحي مغربي جديد كم مشروع ممكن، يتأسس عبر اوليات تجريبي وتنظير واع، غير مغلق. يحاور الذات الموظفة والاصوات والادوات الاخرى هنا والان، ومن ثم فالمسرح المغربي يكتب من خلال الوعي الباطني بالممارسة الإبداعية واسئلتها الملازمة للإشكاليات الابداع المسرحي العربي المعاصر نحو عام.ان المسرح نص اشكالي يطرح أسئلة النوعية وجديده، أسئلة تلامس النقد المسرحي المعاصر من حيث بنائه النظري ومفاهيمه الإجرائية ونوعيه الخلفية المعرفية التي يستند اليها لما كان هذا المفهوم الجديد يستدعي بناء جديدا على حد التعبير  “ميشونيك”. لان الصراع الدائر بين مختارات التيارات المسرحية، لم تظهر لنا الا قليلا من الاصوات التي اعطت لنفسها صفه الاختلاف والفرادة داخل خريط ة الابداع المسرحي المغربي، ثم ان بروز اشكاليه التنظير لم يعرج عن الاطارين:

1 – إما الفعل المرتبط بالماضي التالي باعتباره شكلا معماريا موجها نحو الذات .

2 – أو رد الفعل الذي يلغي السائدة لتأسيس الذوق والرؤية للحاضر والمستقبل.

أن النقد المسرحي هو تمرد على كل الأشكال القديمة لان العوامل الفعالة المؤثرة في الواقع المسرحي المغربي نصا وعرضا، هي عوامل متشابكه، خصوصا في هذه المراحل الراهنة، سواء ما نبع منها من خلال الذات على مختلف مستوياتها، او ما صدر عن القوى الخارجية على تنوعاتها ومما لها من مصالح منغرسه في الواقع المغربي، لهذا الخطاب المسرحي على هذه العوامل المذكورة، لكونها التربة الصالحة والبنية الخصبة التي تروى بواسطه مختلف انواع العوامل الذاتية والتاريخية والاحداث والهزائم والانكسارات والانعطافات ورغم الثوراتها عده تيارات (ثورية-انفصالية- دينية-رجعية). هذه القابلية الدرامية العامة بعناصرها جعلت من الناحية المنهجية مشروعيه العودة الى التاريخ والمجتمع، بحيث لا تكون هذه الاشكال المختلفة الا اغصان لنفس الجذع[47]، ومنذ ذلك الحين اتخذ هذا التفكير في المسرح والنقد اتجاهات مختلفة منتجا في مساره منحايين:

1موقف في تحدياته واحكامه، لم يصل الى درجه من العلمية مكانه من وضع منهجه وصلاحيته رهن السؤال، وكذا طريقه تمكنه من التدوين السردي او الواقعي، يقوم ببعض الوقائع التي هي الافكار والتيارات الفنية والقولية، دون ان يضع سؤالا على صلاحيه الكيفية التي تتبعها للقيام بهذا العرض، (محمد القري-المهدي المنيعي- الطيب العلج…).

2مواقف يتحرج امام اصدار الاحكام، وإذا سال عن منطلقاته واهدافه بشكل واع، ويبحث عن اسسه ومناهجه (محمد مسكين-المسكيني الصغير-عبد القادر اعبابو-حسن المنيعي-بن زيدان).

“يقول مصطفى القباج”: “اني ارى في هذه الآراء ادعاءات لا تقوم على اساس متين يؤدي حتما الى التشكيك في ثقافتنا ومجتمعنا، وزرع طريق تقدم المسرح بالغام من بنات افكارنا، لا شيء الا لأننا في اخر الركب الحضاري، وتخلفنا قدر لا مرد له، ان المسرح المغربي كائن… له علاقته وملامح تطوراته، وله كذلك مساهمات في سيرورة الحركة المسرحية العالمية”[48]. اننا نرى في عمق هذا الموقف يتناول الفكر والمسرح، الخطوط الجذرية لمبادرة تقرير اشكاليه للتجاوز، وعمليه تدشين الانفصال. حيث نرى كذلك في البعد الانطولوجي المفهوم الدقيق للتاريخ، فهو صاحب حق المشروع لأهليه التنقيب والمبادرة الاولى، لهذا التقرير وذلك التأسيس. فقد حققت هذه المبادرة ابعاد البحث عن الاسس المحركة للمسرح من طور الجمع والترتيب والتلفيق الى تاريخ فهم المعطيات العامة للمسرح على اعتبار ان المسرح المغربي والبحث عن اسسه، أكثر من غيره في حاجه الى عامل الفهم. فليس المهم ان نرتبط بالاحتفال وحاجاتنا الى طقوس صداميه، “لان المسرح أصبح شيئا أكثر بكثير من المسرح[49]“.

فليس المهم ان نثبته اونا فيه، بل المهم هو فهم المنطق الداخلي لهذا المسرح او تلك المعرفة في اطار الشروط التاريخية والاجتماعية التي انتجته، هذه الخطوة سوف تغير مجرى التاريخ وتفتح مسار جديدا للتفكير في الانسان والعالم، لان هذه البداية ظلت تسيطر على البحث المسرحي والنقدي، وكذلك على التاريخ الفكر، دون ان تصوغ لنفسها مشروعها الحضاري، لا سبيلا الى كل هذا الا بمساهمه مبدعين امثال “عبد الكريم برشيد” محمد مسكين” اعبابو”محمد كغاط “يوسف فاضل”.

وعلى اختلاف مشارب هؤلاء المفكرين، التباين الاهتماماتهم، سواء تعلق الامر شروط القراءة، داخل الحقل المعرفي العام وداخل تاريخ المسرح، جعلهم يتسمون بالقصور في الرؤيا، اذا يقول مصطفى القباج: “ورغم ما قيل عن الجوانب المشرقة لهذه الفترة، فقد كان ينقص اعمالها العمق في الطرح، وقوه الصيغة الفنية التي تجعل منها نصوصا واعمالا انسانيه”[50]. وهذه المرحلة تعود الى هذه المزاوجة التي وحدت العلاقة بين فضح الأنظمة العربية وهزائم الرجعية، وبين الحديث عن المراقبة السياسية وغياب الحرية. يقول مصطفى القباج: “لماذا هذا التقطيع التاريخي؟ من المس باليد الوضعية الخطيرة التي يعيشها ابداعنا المسرحي، والانحطاط الذي وصل اليه في وقت تعاني امتنا العربية واقعا وثلاثيا وتحديا امبرياليا صهيونيا، يستهدف كيانها وثقافتها، فهل من سبيل للخروج من هذا النفق الذي يجتازه المسرح العربي؟ وهل من سبيل للبعث الحياة فيه؟ ما هي شروط الضرورية للإنقاذ الممكن؟ كيف نجعل المسرح العربي مسرحا متناسبا مع المعهد العلمي الذي نعاصره؟ وكيف يجد المسرح العربي مدخله الى الكينونة والخلود؟”[51]. فحسن المنيعي خلص كما ذكرت في متونه عده هذه الأسئلة نريد ان تكون متعددة الوجهات والابعاد، تحت ما يمكن تسميته ” المسرح المغربي”. وهو المفهوم الذي ارتضيناه لمشروعنا حول دراسة البنيات المعرفية التي تتأسس عليها النصوص المسرحية والافكار التي حكمت لمده طويله الثقافة المسرحية، من اجل اقامه حديث حواري يسعى الى ابراز العلاقات المتشابكة التي تربط مختلف المعارف في عصر من العصور، وكذا اظهار القواعد التي ترتكز عليها في تقاطعاتها، يغيب فيها البعد السامكروني، وتؤسسه الابستنيات الخفيفة بمفهوم “فوكو”. وليست هذه دعوه الى الهدم في ما كتب عن المسرح، ولكنها اشاره لما يمكن ان تكتسيه صعوبة تخصيص البحث في الجانب الضخم من المفهومين “الإيبستيمي” و ” التفكيكي”.

سلام مصنع لهذه الابحاث عذرا عدم الإحاطة الشمولية لها، فان بهذا ولا شك سنستفيد من مفاهيمها ومن مفاتيحها، ولعل الصعوبة لا ترجع في جذورها القصوى الا من فكروا في التاريخ المسرحي، وانما تعود الى المسرح ذاته، لأننا لا نجد الا شتاتا وتقطيعها لا يجمع بينها الا جهد الرفيع، يقول يوسف العاني:” بسبب من نظره اللقاءات فيها بيننا افرادا وفرقا، وبسبب كثره الملابسات والتعقيدات والمعوقات المادية والسياسية احيانا، يوجد الفنان العربي مثقلا بعبد ضخم من التراكمات الخانقة، والتي يمكن ان يزول الكثير منها عبر مسرح عربي، يحمل هويه واحده ويجوب كل بلد عربي، بلا بطاقتي سفر، وبلا شكليات، حاملا معه عثر ثرات واحد، فأكبا على هذا العصر نكهة الارض التي جاءت منها معبرا عن تاريخ شعبها، وهيئه ناسها بكل ما فيها من سلب وايجاب”. [52]

فمحاوله ابراز إطار النقدي عند حسن المنيعي المرجعي الذي يقوم عليه، وبيان وجهه الصراع التي يخلقها ويثيرها داخل الانساق المعرفية، جعلنا نقف على اوجه الجدل والتنفيذ الذي يثيره هذا المسرحي او ذلك ضد كل المذاهب والآراء والتصورات. يقول عبد الكريم برشيد:” الزمن القصير الذي قطعه المسرح المغربي لم يكن سوى اندهاشا وحيره وانبهارا اصاب المسرحيين المغاربة، امام مجموعه من الاتجاهات والمدارس والطرق الفنية[53]“.

ذلك ان الاشكاليات المسرحية برمتها تتمثل في الكيفية التي يمكن ان نقيم بها مسرحا، افضل من المسرح الغنائي والميلود رامي ودون ان نسقط في المتعارضات. اذن كيف انفلت من فلسفه للذات دون ان نسقط في فلسفه للموضوع.[54]

التوجه الى التاريخ يجعلنا ندرك العلاقات والتحديات الدائرية بين الاحداث والوقائع السائدة، من اجل اقامه مسرح عربي ومغربي “وتاريخ اخر لما قاله البشر[55]“.

فالمسرحي حسن المنيعي ينبغي ان ينحي جانبا كل انماط التاريخ المؤسساتي، يدخل في صراع ضد الذات كمقولة الاستمرارية التأريخية، التي تقف عند التحديات الاقتصادية وعند النزعة الكليانيه حسب “فوكو” لان نقد الذات سيأخذ تركيبه جديده عندما يتوجه نحو الموضوع، هذا التوجيه سيقيم تعديلا لبعض المفاهيم القادرة على التفكير خارجا من صافيزيقيه ومن اجل اقامه الا تقابل بيننا وبين الايديولوجيا، وخلق القطيعة داخل المفاهيم الموظفة من طرف المسرحيين المغاربة ، التي تسمح لنا بالتفكير في الاستمرارية (عتبة- قطيعة- تحول- انتقال- قفز)؟ يلزمنا النص الى بين الاشكال المتعارضة وبين قراءه التي تحمل بين طياتها القطائع حسب حسنا منيعي، لم تكن علاقه (الغرب- العرب) يوما واضحة المعالم، ولم تكن ايضا توجيها بنيويا، ولم يكن الفكر الغربي يوما نسقا متواشجا ومتواصلا على طول مسيرته التاريخية، هناك حقل ينتمي للمنظومة الفكرية الانسانية، ولكن كواقع ملموس وتاريخي منذ وجد مفهوم القارات، بحيث لا نستطيع التمييز بين الغرب كم مفهوم كلي، والغرب كممارسه ايديولوجيا وكولونيالية، اذ كان بعد المهيمن دائما هو التفكير والتخطيط لهذه الشعوب المختلفة. فلم يكن الخطاب الغربي السياسي وثقافي منذ ولادته دون وجه واحد او تأويل واحد، بل ظل منذ فترات تاريخيه طويله يرتدي عشرات الأقنعة، ويركم لنفسه مئات الخطوط ليسير عليها وفيها، ويبحث عن موقع داخلها، اذ يبقى دوما متحولا من خلال هذا الثبات الذي صنعه للأخر المختلف على الصعيد الايديولوجي والواقعي، وهذه الاليه الجهنمية التي صنعها ليست تلك المرآه العاكسة للخطاب الايديولوجي، بل هو فعلا غرفه سوداء قد تفرز صورا وقد لا تفرزها، هو اليه ربط هذا المفهوم الخطابي او ذلك لمشروعيته، ان صح التعبير، وبذلك يبقى افراز سوره الغرفة السوداء بمفهوم فرويد رهينا بحدود هذه المشروعية، رهينا بوجودها، من هنا اصبحت السلطة السياسية من الاليات الخطاب الثقافي والفكري والادب والتاريخي والحضاري.

هذه الاليات التي ارتدت عده تلوينات وتخريجات، واتخذت اشكالا تنوعت بتنوع المجتمعات والفترات التاريخية، تجدها تارة مشدودة للممارسة اليومية والواقعية، وتاره مشدودة للمؤسسة السياسية، يقول محمد سبيلا : “ان الهم السياسي لكل سلطه سياسيه هو المشروعية، لأنها تخشى المستقبل بما يحمله من مفاجئات، والسلطة الراغبة في الدوام تبحث باستمرار عن اساس مكيف، وتشعر بنوع من الحدس الطبيعي لان السلطة القادرة على الدوام ليست هي السلطة التي تقوم فقط على القوه والعنف وانتزاع الاعتراف، بل هي السلطة القادرة على جعل الذوات السياسية تصادق عليها وتقبلها تلقائيا، وبذلك لا تكون بمثابه مؤسسه خارجيه قائمه على القهر والقسر، بل على الرضى والموافقة[56]“.

يبدو من خلال هذه المنظومة، ان البعد السياسي هو العقل المدبر في تحويل القوى الى الحق والطاعة الى الواجب، استخراج فائض القيمة الاعتقادي الذي تدعيه فعلا لكل سلطة، وهذه الهيمنة والسيطرة جعلت العديد من المفكرين يكتشفون قارات جديده على طول المراحل التاريخية التي عاشوها، فقد اكتشف ماركس قاره انطلاقا من البعد الاقتصادي والتاريخي والمادي، لتطوير المجتمعات البشرية، اكتشف فرويد اللاشعور كسر دفين في القدم، غير خاضع لا للزمان ولا للمكان، بل منظم للدوافع والسلوكات الافراد والجماعة، وان هذه الاكتشافات الثالثة الذكر تمنح لنفسها مصداقيه داخل المجتمع ومن خلال التطبيقات الفعلية وانتظام هذا خلال سلسله مترابطة من الافكار. لكن مع التحولات الاجتماعية والتاريخية والسياسية والاقتصادية، سنجد انفسنا امام منظرين يعيدنا النظر في هذه المدونات المطبقة على الشعوب قصد تنظيم افكارها داخل نسق واحد ووحيد، وتحدد انتماء بعينه، وكذلك امام النصوص لم يعد يرضيها ان تصنف، وهذا ما نجده عند “فوكو” و “التوسير” و “ليفي ستراوس” و “دوبرييه” و “جيل دولوز” و “مشيل بورديو” و ماركوز” و”أدورنو”.

يبدو من خلال هذا التحديد لهذه الاسماء، ان هناك طبيعة لمساءلة العلاقة، بحيث لا تكون معهم امام التاريخ الرسمي، بقدر ما يبدو ان النوع من الرسل للتاريخ العلاقة الغربية مع العربية، غير خاضعة لشروط موضوعيه ولا قياسيه، من هي خادعة لمبدا الغالب والمغلوب حسب تعريف ابن خلدون في المقدمة.

لقد اضحت هذه العلاقة واقعا ملموسا ونمطا متعدد الاساليب وصفها ترجع بالأساس لعده عوامل تاريخيه وخارجيه، زالت المجتمعات العربية تقوم على بنيه سياسية ضد الطلع كل واحده منها بدور معين داخل الإطار الاجتماعي والسياسي والفكري. من هنا يمكن اعتبار هذا التطور مفروضا، ولم يكن نتاجا للظروف الداخلية، كل هذا يمكن اعتبار هذا التطور مفروضا، ولم يكن في انتاجا الداخلية، كل هذا دور المجتمعات ووظائفها، وكانت النتيجة عباره عن بنيه ذات هيكل حديثه، لكن بمضمون يختلف كليا عن بنيه المحتوى المفروض، يقول “بيتر بروك” :”ان وجودنا المسرحي يمكن تصويره في دائرتين: الداخلية وهي دائرة دوافعنا وحياتنا السردية التي لا يمكن رؤيتها او تتبعها، والدائرة الخارجية تمثل الحياه الاجتماعية، علاقتنا بالأخرين وعملنا واستجمامنا. وعلى وجه العموم المسرح يعكس ما يحدث في الدائرة الخارجية، وقد اقول ان البحث في المسرح يشكل دائرة توسط الدائرتين، انه مثل غرفه الصدى او الترديد، يحاول ان يلتقط الإشارة المعنية من الدائرة الداخلية، ويمين المسرح ان يكون تعبيرا عن العالم المعروف المرئي، حتى يتيح الفرصة لظهور ما هو غير معروف وغير مرئي”[57]. إذا اننا امام العمل المسرحي الذي يتحكم في كل نظام التغيرات التي تطرأ داخل النطاق المعرفي الواحد، لان تنظيمه المعرفة المسرحية يسمح بإعطاء الهيكل العام والعتبة السائدة التي تترتب وتتمثل بمقتضاها كل الانماط المسرحية، واساليب التفكير. اننا هنا امام “دراسة تحاول جاهده، لكي تجد الحقل التنظيمي الذي تتشكل فيه المعرفة، وتتساءل عن ما هو العمق القبلي التاريخي”[58]. ان الامر لا يتعلق بفهم بسيط للوحدات في شكلها السكوني، ذلك ان السؤال المسرحي يتجه منذ البداية الى مساله الجرح الذي مجاره في بنيه العقل العربي، مما عمق التناقض التجريبي بين الاشقاء العرب، “انتكف الابداع المسرحي وتفسخ التكامل بين مركبات المسرحة، وأصبح الاخراج سيد الموقف في اتجاه الابتعاد عن الهموم القومية، والتركيز على مسرح الالهاء السطحي واثاره الضحك الرخيص وتقدم المسرحيات التمددية والتراثية[59]“.

هذه القاعدة التقاطعية تتسق المعارف وتتوزع بمقتضاها المعارف داخل الاشكال المسرحية، بحيث يمكننا الحديث عن قوانين جوهريه للنقد المسرحي، تحكم لغتها وخطاطاتها الإدراكية، وتبادلاتها وتقنياتها وقيمتها وتسلسلات ممارساتها”.[60]

ان فهما كهذا يقودنا الى الاقرار بنوعيه التحول في إطار فهم المسرحي للواقع وللبعد الابستيمي، تحول يرتبط بالتنظيم الذي يجعل الارشادات المسرحية تتحرك تحركا داخليا ينمو عن انسجام ووحده داخل القاعدة اللعبوية، حيث تتمثل كل الوحدات المكونة لهذه النصوص المسرحية، وتتمحور حول حقول متنوعة وتأويلات واختيارات منهجيه. بهذا المعنى تصبح العملية التمسرحية  صعبه ومرهقه للانتظام والتأسيس، حيث يتم تعويض التماثل بالتحليل، وتحويل التشابه الى المقارنة، لتصبح القيمة الفنية والجمالية مميزه وقابله للرؤية البصرية، يقول ” بيتر بروك”: “المسرحية في العرض هي سلاسل من الانطباعات ولمسات صغيره، واحده بعد اخرى وشذرات من المعلومات والمشاعر في التتابع يستثير الجمهور، والمسرحية جيده ترسل الكثير من الرسائل، وعاده ما ترسل العديد منها في ذات الوقت، وعاده ما تتصادم وتحتشد ويتداخل بعضها في البعض الاخر، وهي بالتالي تستثير الذكاء والمشاعر والذاكرة والخيال جميعا”.[61]

تحمل العلاقة التعدد والتنوع باختلاف الحقول المعرفية التي تنتمي اليها، لان المفاهيم النظرية التي تم توظيفها في المسرح المغربي الحديث والمعاصر، الذي يتجلى في اكتساح طبعا جديدا وممارسه فعليه و حياه سياسيه اجتماعيه وثقافيه، لا سبيلا الى اخفاء الدهشة التي تصيبنا عندما نصادف الفكر الغربي، سواء من خلال التحقيب التاريخي، او من خلال نوعية الممارسة، لان العرب كما يقول “سعيد بن سعيد” :”عرفوا سلسلة من التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما انه لا شك ان وثيره تلك التحولات قد اصبحت اكثر سرعه واشد احساسه بها منذ الحرب العالمية الثانية, اضافه الى ما عرفه الوطن العربي من انتفاضات في وجه الاتراك اولا، وما عرفته من استعمار غربي ثانيا، ومعاشه من حركات وطنيه ثالثا. وما يزال يعيش من استعمارا جديدا في صوره وجدان كيا الاسرائيلي الذي لا يمكن الادعاء بانه لا يمس مجموع الوطن العربي، بغض النظر عن الدولة الفلسطينية… هذه كلها انتجت السيارات وطنيه ومذاهبه قوميه، ردود افعال سلفيه، تختلف تطرفا وانفتاحا، اضافه الى كل هذا هناك الاحداث العالمية الكبرى كالحروب والحركات الوطنية، الثورات السياسية، التحولات الاقتصادية والثورات الفكرية… التي يتعين عليه ان يقيم وزنا كبيرا للتواريخ الحاسمة في التحولات التي عاشها الوطن العربي، سواء ما كان منها ذو طابع وطني، (قطري او محلي)، او مكان دابا عن شمولي (قومي، عربي، إسلامي،…).[62]

بهذا اصبح هذا العصر مرتبطا باللاهوية واللاوحدة، وممتدا الى اسس اللذات، والى قواعد التاريخ، وبعباره اوضح سيدخل الحقل المسرحي المغربي في اطار تاريخيه عميقه، تقطم في ماهيه الاشياء، لتفصيلها وتحدها من الانخراط في النموذج الوحدة والاصل.

هكذا عمل حفل مانع على تغيير جغرافية المسرح والفكر المغربي والعربي، عارضا براعته الفكرية والمعرفية والجمالية التي تنم عن قوه تفتحي على التراث واللغة الأجنبية، اكثر ما تنم عن قوه محاكاتية، اذا يبقى نبراسا لكل مهتم بالمعرفة الصوفية، وبالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والادب واللسانيات، والأنثروبولوجيا، هكذا علمنا كيف نختزل المعرفة من اجل معانقه المستحيل، ومغازله كل المسكونات والمغمرة، فليرحم كل فنان او مثقف سأظل في سبيل ترسيخ لغة الخلود.

ومهما يكن من أمر فان النقد المسرحي هو نقد مضاعف، يجعل العملية التأويلية مفتوحة، قادرة على بث التساؤلات الممكنة من أجل إزالة الحجب عن الواقع الممكن، فبرشيد وحسن المنيعي ومحمد الكغاط وحسن العلوي وعبد الرحمن بن زيدان، ومصطفى الرمضاني، وإبراهيم الهنائي، وغيرهم أدخلوا موضوعات بحثة في المسرح، حيث يشترك فيها ما هو اجتماعي وما هو سياسي وما هو فرجوي، فأصبحت عملية القراءة التمسرحية هي مصادر حديثة للمعرفة، وايمانا منا بأن الكلمة الهادفة والمدونة تظل هي مفتاح التنمية البشرية والأسلوب الأمثل للبرهان والجدل.

المراجع

[1]  عبد الله الغدامي: العلاقة مع الغرب: الموضوع، الإشكالية، المنهج، المركز الثقافي العربي، ط.1، 2000، ص.87.

[2]  د. مقدام نديم عبود : بين القطيعة والخلق الحقيقية في الخطاب العربي المعاصر، دار الحداثة، ط. 1، 1999، ص.121.

[3]  المرجع نفسه.

[4]  نور الدين: مقال: أية هوامش ولنتحرر من ميتافيزيقيا النص، دراسات عربية، عدد8، سنة19، 1983، ص. 111-112.

[5]  محمد أمين العالم: الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر، دار الثقافة الجديدة القاهرة ط 2. 1988، ص 9.

[6]  جيمس روس إيفانز: المسرح التجريبي من ستانيسلافسكي الى اليوم، ترجمة، فاروق عبد القادر، مجلة الأقلام العراقية، عدد 2، سنة 12، 1976، ص. 28.

[7]  عبد الكريم الخطيبي: المغرب العربي وقضايا الحداثة، ترجمة جماعية، منشورات عكاظ، 1993، ص. 160.

[8] محمد عابد الجابري، التراث والحداثة، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1993، ص. 38-39.

[9]  محمد عبد الجابري: نحن والتراث، المركز الثقافي العربي، البيضاء، ط،3 1983، ص.20.

[10]  د. طيب تزيني، من التراث الى الثورة، حول نظرية مقترحة في التراث العربي، دار ابن خلدون، بيروت، ط.1، 1976، ص.380.

[11] علي حرب: فخ الهويةة، مجلة مواقف، عدد 66، شتاء، 1992، ص.99.

[12] علي حرب: فخ الهوية، مرجع مذكور، ص.104.

[13]  عبد الله العروي: الأيديولوجية العربية المعاصرة، ترجمة: محمد عيتاني، دار الحقيقة، ط 3، 1993، ص.65

[14]  نصر حامد أبو زيد: إشكاليات القراءة ، وأليات التأويل، المركز الثقافي العربي، ط.2، 1992، ص،39.

[15]  Jean Belleumi Noeil : vers l’inconscient du texte, P.U.F ? 1979k P.8

[16] عد الستار جواد: أوراق الريح، صفحات في النقد والأدب، دار الشؤون الثقافية العامة، بعداد ط،1، 1992k Z.7.

[17] أحمد العشري: مسرح برتولد بريخت بين النظرية والغربية والتطبيق العربي، عالم الفكر، مجلد21، عدد ،3، مارس 1993، ص.37.

[18]  محمد مسكين : المسرح العربي الحديث بين الضياع وغياب الرؤية التاريخية، مجلة الوحدة، عدد 94-95، 1998، ص.20.

[19]  محمد يوسف نجم: المسرحية في الأدب العربي الحديث من 1847 الى 1914، دار الثقافة، بيروت لبنان، ط.3، 1980،.ص.17.

[20]  حسن المنيعي: المسرح المغربي من التأسيس الى الصناعة الفرجة، مرجع مذكور، ص، 50.

[21]  السعيد الورقي: تطور البناء الفني في أدب المسرح العربي المعاصر، دار المعرفة الجماعية، 1990.ص.277.

[22]  حسن المنيعي: التأصيل في المسرح العربي من خلال حركية النص، النص الدرامي نموذجا ، مجلة الوحدة، الرباط، عدد 94-1992، ص.72.

[23]  حسن المنيعي: التأصيل في المسرح العربي من خلال حركية النص، النص الدرامي نموذجا، مرجع مذكور، ص.61.

[24]  المرجع نفسه، ص.61.

[25]يوسف إدريس: نحو مسرح عربي، الوطن العربي، مصر، 1974، ص.173.

[26]  يوسف ادريس: نحو مسرح عربي، مرجع مذكور، ص481.

[27]  خالد محي الدين البرداعي، خصوصية المسرح العربي، مطبعة لتحاد كتاب العرب، 1987، ص.313.

[28]  أحمد محمد عطية: أزمة المسرح العربي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط.1. 1993ن ص.20

[29]  فريدة النقاش: حرية التعبير هي مفتاح المستقبل، مجلة أدب ونقد، القاهرة، عدد86، أكتوبر، 1992. ص114.

[30] محمد مسكين: امرأة قميص زغاريد، منشورات اتحاد كتاب المغرب، ماي، 1981، ص.13.

[31] زكرياء إبراهيم، مشكلة البنية، دار مصر للطباعة، القاهرة، 1975، ص.167.

[32]  سعيد يقطين: مدخل الى تحليل الخطاب النقدي، أفاق، الدار البيضاء، عدد 3، 1989، ص.7.

[33] عصام محفوظ: المسرح مستقبل العربية، دار الفرابي، بيروت، ط، 1، 1991.ص،5.

[34]  المرجع نفسه، ص.71.

[35]  محمد مسكين: مفهوم الكتابة المسرحية النقدية-تأسيس- المغرب، عدد1، السنة الأولى، يناير 1987، ص.50.

[36]  عبد اللطيف اللعبي: الرهان الثقافي، المركز الثقافي العربي، البيضاء، 1985، ص.71.

[37] EMIME COP FERMAN : vers un théâtre différent, maspero, paris, 1976,p.9.

[38]  فيصل دراج: دلالات العلاقة الروائية، عيال للدراسات والنشر، بيروت، 1992، ص.39.

[39] حسن المنيعي: أبحاث في المسرح المغربي: مطبعة صوت مكناس، 1974، ص.12.

[40]  عمر أوكان: مدخل لدراسة النص والسلطة، افريقيا الشرق، المغرب، 1991، ص.23.

[41]  محمد نور الدين أفاية: موقع المتخيل والابداع في الثقافة المغربية العالمة، مجلة بصمات، كلية الأدب ابن مسلك، عدد 4، 1990، ص.38.

[42]  نقلا عن محمد يوسف نجم: المسرحيةة في الأدب العربي،  دار الثقافةة، بيروت ط. 1980، ص.68.

[43]  نجوى إبراهيم فؤاد عانوس: مسرح يعقوب صنوع، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1984، ص.45.

[44]   نجيب العوفي، أفاق ما بعد الحداثة، أم ما قبل الحداثة، مجلة فكر ونقد، عدد1، ص.1977، ص.117.

[45]

[46]  بشرى موسى صالح : نظرية التلقي، أصول وتطبيقات مرجعع مذكور، ص.18.

[47]  CF.Hegle : lecon sur l’histoire de la philosophie, gallimard, 1954,p.134

[48]  مصطفى القباج: من قضايا الابداع المسرحي، مطبعة النجاح الجديدة، ط.1، 2000، ص.106.

[49] جان دوفينو: سوسيولوجيا المسرح، ترجمة: حافظ الجمالي، منشورات وزارة الثقافة، دمشق،ج .2. 1977، ص.119.

[50] مصطفى القباج : من قضايا الابداع المسرحي، مرجع مذكور، ص97.

[51]  المرجع نفسه، ص97-98.

[52] يوسف العاني: التجربة المسرحية، دار الفرابي، بغداد 1979،

[53]  عبد الكريم برشيد: الاتجاهات المسرحية في المغرب، العلم الثقافي، عدد 15-3، ص 74.

[54] CF.Pul veyne : comment on écrit l’histoire de foucault, révolution l’histoire point, éd. Seuil,France, 1978,,p.204.

[55] M.foucault : l’archéologie du savoir, gall,, France, 1969,p,181.

[56]  محمد سبيلا: الإيديولوجيا والبلاغة، مجلة المناظرة، عدد 4، ماي، 1991، ص 36.

[57]  بيتر بروك: النقطة المتحولة: أربعون عاما من استكشاف المسرح، ترجمة: فاروق عبد القادر، عالم المعرفة، الكويت، عدد 154، 1991، ص.323.

[58] M.foucault : les mots et les choses, éd. Gallimard, France, 1966,p.13

[59] [59] مصطفى القباج: من القضايا الابداع المسرحي، مرجع مذكورن ص.97.

 [60] m.foucault : les mots et les choses,, op.cit, p.11.

[61]  بيتر بروك: النقطة المتحولة: أربعون عاما من استكشاف المسرح، مرجع مذكور، ص.77.

[62]  سعيد بن سعيد: المفاهيم السياسية في التداول العربي المعاصر، ملاحظات منهجية المستقبل العربي، عدد 92ن 1986، ص.13.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى