لنا نَاصيةَ الحُلمِ

فايز حميدي | السويد – شاعر فلسطيني


-١-
حينَ يغيبُ النَّهارُ تحتَ جُنحِ الدُجى
تُحلِقُ النَّوارسُ بَعيداً
والبرَاعِمُ تَتوقُ للفَجرِ النَّدي
والقَمرُ المُتعبُ يُرِيقُ أشِعَتهُ
في غَياهبِ الغَسقِ السَّحيقِ
وَتتوقفُ العَصافيرُ عن شَدوِها
وَأعشَاشِها مسربلة بالنعاس
والريح الهامسة تَعزِفُ على قِيثارةِ أشجارِ البِتُولا ..

حينَ لا يَجدُ النُعاسُ سبيلاً إلى جِفنيَّ
أخرجُ وَحيداً
يتيمُ الرُّوحِ
وَفُؤادي مُترعٌ بِحكمةِ القَلقِ ..

وَيتعَرى الأُفق أمَامي
امرأةٌ تُمشِطُ حُزنَها
خِضمٌ لا شَاطِئ لهُ
ثُمةَ عَطشٌ يئنُ في كَمدٍ
لا سَحابةٍ لا دِيمةٍ مَاطرةٍ
لم يَهطلُ المَطرُ في قَلبِي القَاحلُ
المُوغِلُ في صَحراءِ الشَجَنِ !!

أستحضِرُ الزَمنَ المُهاجرَ
في ثَنايَا الروحِ
وماءُ الذَاكرةِ
وتجاعيدُ الإنتظارِ
والديارُ خَيمةٌ تنتَصِبُ بِجوارِ مَقبرةٍ
خيولٌ بَدلتْ صَهيلِها ..
وَأنعِشُ جَسدَ الذَاكرةِ في حيرةِ المُستَهامِ ..
عَجباً !!
كُلمَا لقيتُ غَدِّ ضَيعتهُ بالنَظرِ إلى المَا وَراءِ
مُترجلاً صَهوةَ الخِواءِ !!
-٢-
في جَسدِ ليلِ شَمالِ الشَّمالِ
رحيقُ المُدن الغَافيةِ
الآمِنةِ
الشَّامخَةِ كالآلهةِ !!

وفي بِلادِ الفَجِيعةِ
أنينُ المَدائنِ الجَاثيةِ
المَحروقةُ الأهدَابِ والمُحطَمةِ
وَالقبورُ الشَاحبةِ
والقَصائدُ المُلوثةِ
والأعمَارُ المُلقاةِ على قَارعةِ الطَريقِ

أيُّها الليلُ المُملحُ بالسُّهادِ
المُتجبرُ كالبرقِ
الرَّهيفُ كَشفرةِ الوَقتِ
عُدتُ أُنشِدُ مَا ضَاعَ مِني
وَأعيدُ لليمَامةِ مِيثاقِها المُختطفِ ..

يَا أيُّها النَشيدُ المُثخنُ بالجِراحِ
المَلفوظُ كَدلافينٍ على شَاطئٍ مُهجور
سَنُرمِمُ أجنِحَتُنا المُتَكسرة
فَلوثةِ التَداعي مَسكونةٌ في رَحِمِ الأشيَاء
والحِيادُ غَطرسةَ اللامُبالي
منْ كانَ شَوقهُ يُهديهِ لن يَظل الطَريق
لمْ يَعد ثُمةَ مَا يُنسيني
ضَوع البُرتقالِ وَتِحنانَ الزَيتونِ وَشقائقَ النُعمانِ
لنَا نَاصيةَ الحُلمِ وَكُحل الأملِ
والغَدُ البَهيجُ يُضيءُ في مَرايا الأُفقِ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى