جوازات سفر المناعة  Immunity passports

أ.د. جمال علي خليل الدهشان|عميد كلية التربية جامعة المنوفية الأسبق 

التعايش مع فيروس كورونا  “ما بين مؤيد ومعارض ”

مع وجود الكثير من المخاطر فى ظل سياسة التعايش مع جائحة كورونا التي تهدد سبل العيش والاقتصاد، يحتدم الجدل حالياً في بعض الدول حول الإجراءات الأنسب التي يجب اتخاذها للسيطرة على الجائحة وآثارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وفى اطار استمرار حكومات العالم فى  استكشاف الطرق المناسبة لإعادة الأشخاص إلى العمل وفتح باب السفر مجددا لتعويض الخسائر التي تكبدها قطاع القطاعات المختلفة ومنها قطاع السفر والسياحة الدولية على وجه الخصوص، دون التعرض لموجات أخرى أكثر عنفا من وباء كورونا المستجد.

وبالإضافة إلى الشهادات والأساور الذكية وتطبيقات الهواتف التي تبنتها بعض الدول لتعقب المصابين والمتعافين من الفيروس على حد سواء، برزت فكرة المطالبة بإصدار وثيقة صحية باتت تعرف باسم ”جواز المناعة“ المعروف أيضًا باسم شهادة المناعة أو شهادة الشفاء أو شهادة الإفراج. 

وهي وثيقة رسمية تصدرها السلطات الصحية المختصة، تثبت بأن صاحبها يحمل مناعة او أجسام مضادة لفيروس  كوفيد-19 ، نتيجة إصابة سابقة بالمرض وتكوين جسمه أجساماً مضادة للمرض، يمكن كشفها بالفحوص المصلية serological tests. هذا الجواز يمكّن صاحبه من حرية العمل والتنقل بدون خوف عليه من المرض او من إمكانية نقله العدوى للآخرين ،  وتعتمد جوازات سفر المناعة على فكرة أنه لا يمكن إعادة إصابة الأشخاص الذين تعافوا من “كوفيد-19.

فهى هي عبارة عن شهادة تفيد بأن حاملها تعافى من فيروس كورونا المستجد، حيث يحمل أجساماً مضادة للفيروس، ومن ثم فلن يصاب به مجدداً؛ مما يسهل لحاملي تلك الجوازات اجتياز القيود التي تفرضها الحكومات على المواطنين بهدف منع انتشار الفيروس.

وقد طرحت بلدان عدة هذه الفكرة، منها تشيلي وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة. وكانت تشيلي بين أولى الدول تطبيقًا للفكرة، وتُصدر الحكومة “شهادة التعافي” التي تُحرر حاملها من مُختلف درجات الحجر الصحي أو القيود على الحركة، وتنتهي صلاحية الشهادة بعد ثلاثة أشهر من تعافي المُصاب.

إن الكشف عن الاجسام المضادة يمكن ان يساعد فى اصدار  “جواز سفر الحصانة” أو “شهادة خالية من المخاطر” من شأنها أن تمكن الأفراد من السفر أو العودة إلى العمل على افتراض أنهم محميون ضد إعادة العدوى. لا يوجد حاليًا دليل على أن الأشخاص الذين تعافوا من COVID-19 ولديهم أجسام مضادة محمية من عدوى ثانية. an “immunity passport” or “risk-free certificate” that would enable individuals to travel or to return to work assuming that they are protected against re-infection. There is currently no evidence that people who have recovered from COVID-19 and have antibodies are protected from a second infection

كما إنّه يمكن استخدام القياسات الحيوية للوجه في تقديم شهادة رقمية تعرف أيضاً باسم جوازات السفر المناعيّة للتأكد من أنّ موظف ما قد سبق له الإصابة بفيروس كورونا ، تعد  طريقة ممكنة لتخفيف آثار جائحة كورونا على الاقتصاد حتّى بعد تخفيف الإجراءات الحالية.

الفكرة تبدو جيدة ومفيدة للوهلة الأولى، لكنها تعاني من عدة محاذير عملية وأخلاقية تجعلها فكرة خطيرة وضارة، مما اضطر منظمة الصحة العالمية للتدخل والتحذير من تطبيق هذه الفكرة. فمن ناحية الجوانب الايجابية للفكرة التى اوردها مؤيدى هذه الفكرة ما يلى

– إنها سوف تساهم فى جعل الأشخاص الذين يرجح أن لديهم حصانة من المرض، يؤدون أعمالا تنطوي على خطورة مرتفعة. وهذه الطريقة تكفل الحماية للأشخاص الذين ليست لديهم مناعة من الفيروس.

– إنها تعد من افضل الطرق الممكنة لتخفيف آثار جائحة كورونا على الاقتصاد حتّى بعد تخفيف الإجراءات الحالية ، حيث يمكن استخدام القياسات الحيوية للوجه في تقديم شهادة رقمية تعرف أيضاً باسم جوازات السفر المناعيّة للتأكد من أنّ موظف ما قد سبق له الإصابة بفيروس كورونا . 

– إن جواز السفر المناعي هذا يمنح حامله الحرية المطلقة في التنقل والسفر دون الحاجة إلى وضع قناع الوجه على متن الطائرات علاوة على التجول في المتاحف والمتنزهات الفارغة دون خوف من الإصابة بكوفيد-19 استنادا إلى النظرية التي تقول إن متعافي كورونا لا يصاب به مجددا ،  فهذه الفكرة من شانها أن ترفع القيود المفروضة على أولئك الذين يُفترض أنهم يتمتعون بالمناعة، مما يسمح لهم بالعودة إلى أعمالهم والاختلاط والسفر.

– إن الدراسات العديدة ومن بينها دراسة جديدة أوردتها دورية “سيل” العلمية اثبتت أن الأشخاص المتعافين من فيروس كورونا لم تتكون لديهم أجسام مضادة ضد الفيروس فحسب، بل تكونت لديهم أيضا بعض المكونات المناعية التي تعرف باسم “الخلايا تي”، والتي يمكنها مقاومة الفيروس عن طريق القضاء على الخلايا المصابة.

إلا إنه فى المقابل يعارض الكثيرين هذه الفكرة استنادا الى مبررات صحية واخلاقية من أبرزها :

– أن النظام المناعي لجسم الانسان لا يكفل حماية كاملة في حالة التعرض لعدوى مستقبلية من الفيروس. أن المسألة التي لا تزال غير معروفة حتى الآن هو ما إذا كان ردّ الفعل المناعي قوياًّ بما يكفي للحيلولة دون التقاط عدوى ثانية أقل قوة ونقلها إلى آخرين.

– تحذير منظمة الصحة العالمية أن شهادات المناعة أو الحصانة قد تُؤدي إلى استمرار انتقال عدوى فيروس كورونا، وإلى استهانة البعض بنصائح المحافظة على الصحة العامة، وانه “لا دليل” حتى الآن على أنّ الأشخاص الذين طوّروا أجساما مضادة، بعد التعافي من الفيروس، لن يصابوا بالعدوى مرة أخرى، اضافة الى أنّ إجراءات من قبيل إصدار تلك الجوازات أو الشهادات قد تزيد من احتمال انتقال الفيروس المسبب للمرض كوفيد-19.

– الخوف من أن يتوّقف بعض المتعافين، الذين يفترضون أنّ مناعتهم قادرة على مواجهة المرض، عن اتباع إجراءات الوقاية، بحسب المنظّمة.

– لا يوجد حتى الآن اختبار واسع النطاق للأجسام المضادة، والذي سيكون ضرورياً لنجاح هذا الاقتراح.

– لم يثبت الى الان فرضية أن الأجسام المضادة تحمي حاملها من الإصابة بـ«كورونا»، ولم تستند إلى أساس علمي قوي، بل إلى احتمالية أنك قد تكون أو لا تكون عرضة للفيروس أو من نقله إلى الآخرين».

– عدم معرفة إلى أي مدى تُوفِّر الإصابة السابقة بفيروس كورونا مناعةً في المستقبل، ومدى استمرار المناعة المُكتسبة بعد التعافي. وحتى يتضح هذا الأمر، يظل من المُحتمل التقاط المتعافين للعدوى مُجددًا، ما يجعل خطة شهادات التعافي فكرةً سابقةً لأوانها.

– هل تخلق تلك الجوازات من حاملي الأجسام المضادة نخبة أو أشخاصاً مميزين يمكنهم التمتع بما يُحرم منه الأخرون مثل السفر والعمل بسبب قيود «كورونا»؟ ، أنها يمكن أن تخلق مجتمعاً منقسماً وتزيد من مستويات التمييز وعدم المساواة. إمكانية خلق نخبة من حاملي الأجسام المضادة.

– قد تدفع البعض للإصابة بـ«كورونا» للحصول عليها، فالسيناريو الذي تقلق منه هو «إذا كنت تريد العودة إلى العمل، فسيتعين عليك الإصابة بمرض مميت، وهو مرض لا نريدك أن تصاب به.

– انتهاك الخصوصية اذا كان صاحب العمل يستطيع أن يطلب معلومات طبية عني، هل أصبت بـ (كورونا)، هل لدي أجسام مضادة؟ هل يسمح له بذلك؟».

– إن خضوع المتعافي إلى اختبار أجسام مضادة واحد غير كاف ، وأنه ينبغي أن يخضع لاختبارين على الأقل ، فضلا عن أن فيروس كورونا المستجد يختلف عن أي فيروس آخر وذلك بسبب قدرته المستمرة على التحول.

– المخاوف الاخلاقية فوفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش ، فإن طلب شهادات الحصانة للعمل أو السفر يمكن أن يجبر الناس على الخضوع للفحوصات أو المخاطرة بفقدان وظائفهم ، و ممكن ان يصبح حافزًا ضارًا للناس لإصابة أنفسهم عن قصد للحصول على شهادات الحصانة ،  و الخطر الأكبر عمّل شهادات الحصانة المزورة أو المزيفة.

فى ضوء ما سبق فاننا نرى انه بدلاً من جوازات المناعة ، فان مواجهة فيروس كورونا والتعايش معه والتغلب على اثاره المدمرة يتطلب ضرورة ان تتوسع الحكومات فى اجراءات الفحوصات والتتبع والعزل ، وغيرها ،  مع تمكين الأفراد من الاستفادة من تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعى فى اتخاذ خيارات آمنة بشأن تحركاتهم الخاصة التي نجحت بشكل كبير فى كل سنغافورة ونيوزيلندا والصين وكوريا وغيرها، مع العمل الدائم المستمر  للوصول الى علاج ولقاء لعلاج هذا الفيروس وتجنب العدوى به ، ويمكن السماح باستخراج شهادات طبية لبعض الاشخاص للمشاركة فى بعض الانشطة الضرورية .

المراجع

7-           Natalie Kofler &Françoise Baylis  : Ten reasons why immunity passports are a bad idea   https://www.nature.com/articles/d41586-020-01451-0?utm_source=twt_nnc&utm_medium=social&utm_campaign=naturenews&sf234279798=1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى