تمثال الأرمل

فتحي مهذب | تونس
كلما تساقطت الثلوج سارع الارمل إلى جمع قوالب
ذات نتوءات وأشكال بدائية ثم يشرع في نحت
تمثال على هيأة زوجته الراحلة
يتفنن في تشذيب ملامح وجهها كما لو أن روح (فان غوغ )قد حلت داخل جسده المنذور للنسيان
ينظر إليها نظرة الأرض إلى ساعي بريد المطر بعد
جفوة عميقة وفي قلبه تشتعل جمرة النوستالجيا
يصعد سلم الهذيان بمخيلة جريحة
وقدمين مسيحيتين نالت منهما الكدمات يسر إليها
بأيقاع قس في مأتم ملكي ساردا لها ما أعتوره من
نيازك يتم وزلازل فقد وشدائد لا تطاق في تلك
السنوات العجاف
سنوات سبع تبدو كزمرة من السعادين الراقصة على حبل المتناقضات
أطفالك صعدوا كشلال من الكلمات
المنكسرة إلى غيمة الهامشي
قبعتك السوداء المعلقة على مشجب يكسوه الغبار
صار ملجأ أمنا لعصابة من العناكب المفترسة
معطفك الجلدي الفخم أستحال تابوتا ترقد داخله
جثة عيد ميلادك الأخير
حذاؤك أستولت عليه جنية شقراء
طيبة القلب غالبا ما يصدر طقطقة
تشبه إيقاع أقدام راقصة باليه
النوافذ تتدلى ستائرها كألسنة قذرة لقراصنة
مخمورين
سريرك الخشبي الضرير
ينثر عواءه الليلي تحت الوسادة
الخزانة مثل فقمة تبادلني تهمة الفراغ الهائل
الباب جفت عيونه من البكاء
ظل الأرمل يطارد غزالة مخيلته
المذعورة ويبكي ثم يمسح دموع زوجته المنبحسة
من عينين ثلجيتين ساحرتين محاولة السير على
قدميها الشفافتين ولكن لم تفلح عبثا تحاول خلق
أبتسامة حلوة على شفتيها اللتين تعجان بالتخاريم وعلائم العجز الماورائي
تفر قطعان الغيوم كأطفال يترسمون خطوات قوس قزح من مرتفعات الفرح الطفولي البكر
تندلع جمرات غاضبة من مدفأة الشمس
تشرع منحوتة الأرمل زوجته الثلجية الهشة
المصنوعة على ضوء مخيلة الأسيانة في الذوبان
تستحيل إلى بركة دموع صغيرة
منطلقة باتجاه مجرى الماء
وتعود صورة زوجته كلاجثة ضوئية إلى وطن مخيلته الوسيعة
بينما ينكمش الأرمل كدودة قز في
شرنقة المحو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى