الهُوِيَّة و التاريخ الهجري

رضا راشد | باحث في اللغة والأدب

في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يجعل للمسلمين تاريخا خاصا بهم لا يجعلهم عالة على غيرهم، فاستشار كبار الصحابة في الحدث الذي يبتدئون به التقويم الإسلامي حتى استقر أمرهم أخيرا على اتخاذ الهجرة النبوية مبتدأًً له؛وظل هذا التقويم ضابطاً لأحداث التاريخ الإسلامي على مدى العصور ؛حتى أتى على الأمة حين من الدهر لم تكن فيه شيئا مذكورا؛ حيث وقعت فريسةً لاستعمار، خبيث، لئيم، أحاط علما بمكامن قوتها، فحَرَصَ أشدَّ الحرص على تضييع معالم هويتها؛ حتى لا تكون الأمة يوما كيانا مستقلا يهدد هذا المستعمر الغاشم، فَفَرَضَ عليها التقويمَ الميلادي بديلاً للتقويم الهجري، فحدث شرخ كبير في تتبع أحداث التاريخ، حيث يصعب على القارئ المواءمة بين التقويمين الهجري والميلادى، ولا سيما في التاريخ الحديث.

ويكفي أن تعرف أن كتابا مهما في تاريخ مصر الحديث، وهو “عجائب الآثار” كان يعاني قارئه منه معاناةً شديدةً، حيث كتبه الجبرتي وفقا للتقويم الهجري، بينما درسنا نحن تاريخ تلك المرحلة وفقا للتقويم الميلادي المفروض علينا؛ مما اضطر محقق طبعة الهيئة العامة للكتاب إلى بذل جهد عظيم في تحشية الكتاب بالمواءمة بين التقويمين الهجري والميلادى؛ حتى يتسنى للقارئ متابعة الأحداث متابعة جيدة .

جريمة كبرى ارتكبت في حق الأمة؛ أن يستبدل في فترة من فترات تاريخها تقويم غريب عنها يتبعه أعداؤنا بتقويمها الأصيل. جريمة تبلغ حد السفاهة والسذاجة لا تجد لها نظيرا بين الأمم؛ لأن الأمم لها من الرشد ما يهديها إلى أسباب قوتها ومقومات هويتها التى لا تنازل عنها وإلا ذابت بين الأمم .

كم من القراء الأفاضل من يستطيع أن يحسب عمره بالسنوات الهجرية ؟!
بل كم من القراء الأفاضل من يعرف تاريخ مولده يوما وشهرا وسنة بالتاريخ الهجري ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى